
استطلاع/ نجلاء علي الشيباني –
¿ ماذا كان دور «عمر الجاوي» في حصار صنعاء¿ وكيف نجا الخبراء الصينيون
من الإبادة¿ ¿ الشعيبي: سجنونا ثلاثة أيام .. فأضرب العمال عن العمل حتى تم اطلاقنا ¿ «150» عاملة شكلت طوقاٍ أمنياٍ على المصنع .. وعملن تحت القصف!!
استطلاع/ نجلاء علي الشيباني
لم يكن مجرد مصنع نسج القماش وعزل الألبسة ودعم الاقتصاد بل مصنع رجال وذاكرة وطن خرج للتو من معركة ثورة إلى ملحمة دفاع أسطوري عن عاصمة على وشك السقوط!!
في هذا المصنع .. لم يكن الرجال وحدهم يعملون .. بل من هنا خرجت أول امرأة صنعانية إلى سوق العمل لأول مرة .. وإلى جانبه تحملت أزيز الرصاص وهدير المدافع وحملت السلاح .. لتطلق صرخة رفض مدوية في وجه الارتداد!!
هنا دافعت النساء عن صنعاء .. وسطرن ملاحم!!
وهنا أيضاٍ .. لم يكن اليمنيون وحدهم يعملون تحت القصف المروع .. بل بجانبهم الصينيون -بناة المصنع- قرروا البقاء رغم المخاطر .. فتربص بهم الموت مراراٍ – دون جدوى!!
هؤلاء جميعاٍ لم يكونوا يعملون فقط -أو ينسجون فحسب- بل إبان حصار السبعين الشهير في صنعاء – تحولوا من صناعة الملبس إلى صناعة كفاح ومن إنتاج نسيج إلى إنتاج مقاومة شعبية امتد دخانها إلى أرجاء صنعاء وتحول الرجل والمرأة إلى رفقة عمل وسلاح!!
هنا كان عمال المصنع مع إخوانهم الثوار ينسجون خيوط فجر جديد – ليمن على أعتاب العصر – استحق أن يخلدهم!!
> تعد هذه القلعة الوطنية التي تم تأسيسها مواكبة للفعاليات التي أحدثتها الثورة السبتمبرية الخالدة في حياة شعبنا ففي عام 1964م انطلق الشعب نحو تحقيق الاستقرار والانعتاق من هيمنة التخلف والجهل والمرض أشرقت شمس قلعة صينية متميزة في مجال التصنيع القطني والغزل والنسيج ليصبح أول تحول تنموي تصنعه الثورة منذ انطلاقها ويحتل موقع الصدارة بدوره المرموق والرائد في تدعيم الاقتصاد الوطني وسد احتياجات المواطن اليمني من الأقمشة والملابس الجاهزة والشاش الطبي بجانب مشاركته النضالية في حصار السبعين يوماٍ .. فقد تم بناء هذا المصنع من قبل الصين.
وفي عام 1967م بدأ أول إنتاج له من خلال ورديات عمل واحدة ثم تلا ذلك تطوير المصنع بإدخال خطوط جديدة استطاع من خلالها صناعة الأقمشة المخلوطة حيث شمل المصنع على عدد من الأقسام منها قسم التنظيف – الغزل وقسم النسيج وقسم الطباعة والصباغة والتجهيز النهائي ومحطة خاصة لتوليد الكهرباء ومحطة لتوليد البخار ومعمل متكامل للملابس الجاهزة ويوجد في المصنع خمسة آبار ارتوازية وجميع مباني المصنع من الخرسانة المسلحة وشملت منتجات المصنع ثلاثة أنواع رئيسية وهي الأقمشة القطنية الخالصة والمخلوطة بالألياف الصناعية البولستر والشاش الطبي.
المقاومة الشعبية
في هذه المرحلة تبدى لكل المسئولين والمواطنين أن العاصمة والنظام الجمهوري على وشك السقوط وأن العاصمة في خطر .. أصدرت القيادة العامة قراراٍ بإنشاء المقاومة الشعبية من العسكريين والمدنيين وتعيين رئيس ومقر لها .. وتم استدعاء المواطنين وعمال وعاملات مصنع الغزل والنسيج على وجه الخصوص وتسليحهم بالبندقية التشكيلي وعلى إثر ذلك تشكلت المقاومة من قطاعات العمال والطلبة وقطاع المواطنين وقطاع الحرف الحرة .. وتم اختيار ضابط لتدريب هذا القطاع وتشكيل قيادة عسكرية وقيادة مدنية وذلك من صفوة الضباط وكانت القيادة العسكرية بقيادة العميد المرحوم غالب الشرعي والمدنية برئاسة الأستاذ المرحوم عمر الجاوي عملت رئاسة المقاومة تحت شعار واحد «الجمهورية أو الموت» على أن تكون المقاومة رديفاٍ للقوات المسلحة والأمن والقوات الشعبية لحراسة المدينة من أي اختراقات من قبل القوات الملكية المعادية وكان التدريب على النحو التالي:
– مصنع الغزل والنسيج ومدرسة المظلات -لأفراد المصنع وسكان منطقة شعوب والطلاب والعمال والحرف- بمدرسة جمال عبدالناصر .. العامل المتقاعد ورئيس قسم الصيانة والمحطات وإطفاء الحريق في مصنع الغزل والنسيج محمد غالب عبده سلام الشعيبي يعود بذاكرته للوراء ليذكر لنا ما حدث في حصار السبعين يوماٍ ودور عمال المصنع النضالي قائلاٍ: «كنا في المصنع عمالاٍ وعاملات نواجه أنصار الحكم الملكي في ذلك الوقت حين كان المصنع يتلقى الضربات من قبل القوات التابعة للحكم الملكي بقيادة قاسم منصر في ذلك الوقت قامت مجموعة من الضباط بتدريب العاملات في المصنع على حمل السلاح وكانت فاطمة المدني أول فتاة تدخل بوابة المصنع وهي تنشد بأبيات شعرية لبست رداء العلم ياأهل بلدتي .. وترفع صوتها قائلة: (مصنع الغزل يشتغل وينتج أحسن الألوان .. والغزل جاهز خذوا لكم الأكفان)..
ودخلت المصنع هي وأخواتها العاملات اللواتي حملن السلاح وصمدن معنا أثناء الحصار والدفاع عن المصنع والثورة والجمهورية دون خوف أو تراجع ومنهن فضة المقدام وسيدة بسباس وغيرهن وقفن إلى جانب زملائهن من العمال داخل المصنع وأذكر منهم في ذلك الوقت علي محمد الهمداني وعبدالله عروة وأحمد شرف الكوكباني وغيرهم حيث كان العمال يدافعون عن المصنع أثناء القصف الموجه علينا من قبل قاسم منصر وهو من أتباع الملكية في ذلك الحين بإطلاق القذائف علينا ونحن عمال وعاملات بداخله مما جعل المصنع يصاب بأضرار في المبنى إلى جانب أن بعض القذائف تسببت في إحداث حريق بداخل المصنع في قسم الغزل بالذات وقمنا بعدها أنا ومجموعة من العمال بإطفاء المستودع المحترق داخل المصنع بعدها أخذنا إلى الحبس والزنازين وحبسنا مدة ثلاثة أيام وتعرضنا أنا و12 عاملاٍ كانوا معي في نفس المعتقل للضرب والتهديد والتخويف .. وبعضنا أخذوه للحبس في سجن دار البشائر ومنهم من أخذ للحبس في مكان آخر لا تسعفني ذاكرتي لذكر اسم السجن الذي وضعوا فيه زملائي العمال .. وبعدها قام العمال والعاملات داخل المصنع باعتصامات ورفضوا دخول المصنع أو العمل إلا بعد أن يتم إطلاق سراحنا أنا وزملائي وحينها اتصلوا بالأستاذ علي سيف الخولاني وكان وزير الداخلية وقتها وحضر إلى المصنع مع مسلحين وقام بتهديد العمال والعاملات لإجبارهم على دخول المصنع ومباشرة العمل لكن محاولاته باءت بالفشل وأصر العمال والعاملات على تواجدنا وإطلاق سراحنا أولاٍ .. وفعلاٍ حدث ذلك وأخرجونا بعد ثلاثة أيام وعدنا نحن وزملاؤنا لمباشرة عملنا في المصنع مع إخواننا العمال وأخواتنا العاملات» هذا ما قاله الشعيبي.
زيارة مفاجئة
ويتابع:
– «في يوم فوجئنا بزيارة غير متوقعة من قبل قاسم منصر الذي كان من أتباع النظام الملكي والذي ضرب المصنع بعدد من القذائف التي تسببت بإحداث أضرار جسيمة في المصنع .. يقول الشعيبي: «قمت أنا وبعض زملائي باستقباله بطريقة مهذبة ودون أن نثور أو نغضب في وجهه أدخلناه المصنع وقمنا بتوضيح الأماكن التي أصيبت بالأضرار من جراء القذائف التي أرسلها مباشرة إلى المصنع وكنا نريد معرفة السبب فالمصنع لم يكن موقعاٍ عسكرياٍ وإنما هو مصنع لإنتاج الأقمشة .. وبعد أن رأى الأضرار بداخل المصنع وأماكن سقوط القذائف – رد قاسم منصر قائلاٍ: نحن لم نكن نقصد المصنع بهذه القذائف الموجهة على وجه الخصوص وإنما قصدنا المظلات ولم أكن أتوقع أن يصاب المصنع بكل هذه الأضرار .. وغادر المصنع دون أن نعرف ما هو السبب الحقيقي من وراء هذه الزيارة المفاجئة.
ويضيف الشعيي: أيام حصار السبعين يوماٍ بذل العمال والعاملات في المصنع جهوداٍ جبارة خلدها التاريخ اليمني حيث كنا نعمل بثلاث ورديات لمدة 24 ساعة وكان يصدر المصنع يومها (45) ألف ياردات من إنتاج المصنع في ذلك الوقت».
العمل تحت القصف
ومن جهته يقول خالد أبو قاسم – مدير إدارة النسيج بمصنع الغزل والنسيج: «كان المصنع يعمل وبصورة مستمرة أثناء الحرب رغم القذائف التي كانت تأتي إلى المصنع من عدة اتجاهات لم يتوقف المصنع ورفض العمال والعاملات التوقف عن العمل وكانوا يخرجون من المصنع في منتصف الليل بعد الساعة الثانية ليلاٍ .. وقد سقطت قذيفة على سطح قسم النسيج أثناء تواجد العمال بداخله وتسبب الأمر في أضرار للمبنى والعمال مستمرون في العمل وكأن شيئاٍ لم يكن فهم يعملون بصورة مستمرة ليل نهار وكانت معظم هذه القذائف تأتي من اتجاه قرية الدجاج.
أما رئيس قسم الصيانة في مصنع الغزل والنسيج في ذلك الحين والمتقاعد حالياٍ العامل علي حسن محمد العبادي قال:
– أتت مجموعة من الضباط العسكريين لتدريب العمال والعاملات داخل المصنع وأنضم العمال في المصنع إلى جيش المقاومة الشعبية وكان أساسها من عمال المصنع .. وكانت هذه أول مرة تحمل فيها المرأة اليمنية في مصنع الغزل والنسيج السلاح داخل المصنع وأثناء ضرب المصنع من عدة اتجاهات بقذائف وخصوصاٍ من جبل الطويل وبني حشيش من قبل قاسم منصر الذي كان مع الملكية تحديداٍ كان في جبل الطويل الذي وجهت منه الضربات للمصنع وتسبب في حدوث أضرار جسيمة لمبنى المصنع والحمد لله لم يصب العمال بأي شيء رغم أنهم كانوا يعملون داخل المصنع في ذلك الحين .. رغم ذلك وضع العمال والعاملات أيديهم في أيدي بعض لحماية المصنع والاستمرار في الإنتاج والعمل رغم كافة المخاوف المحيطة بهم وبالمصنع في حصار السبعين يوماٍ.
المرأة حملت السلاح
تم توزيع القوات على عيبان وبراش وتبة المظلات والحفا وجبل الطويل ونقم إضافة إلى الاستعانة ببنات المصنع اللاتي حملن السلاح وخرجن مدافعات باستبسال عن الثورة والجمهورية حيث كانت العاملات يشكلن طوقاٍ على المصنع وقمن بحفر الخنادق والمقصود «ببنت المصنع» هي المرأة العاملة داخل مصنع الغزل والنسيج فهذه المرأة كانت في مقدمة المدافعين بجانب القوات المسلحة لأن معظم العمال كانوا ضمن المقاومة الشعبية وتم توزيعهم في المطار الشمالي وعيبان ومواقع أخرى.
فاطمة محمد المليكي وفضة المقدام وسيدة بسباس ونجاة المهندس وغالية محمد حسن وفاطمة المدني ومريم الياجوري إلى جانب عاملات أخريات بلغ عددهن في ذلك الحين حوالي (150) عاملة هؤلاء العاملات قمن أولاٍ بالتدريب على حمل السلاح والدفاع عن الوطن والثورة والجمهورية..
فقد كان حب المرأة العاملة في المصنع لوطنها أقوى من المدافع والقذائف والدبابات التي تضرب المصنع وبشجاعة ودون خوف بما قد يحدث من أخطار واصلت المرأة العاملة التدريب على الأسلحة والآليات الحربية على يد نخبة من المدربين العسكريين والمظليين بقيادة عبدالجبار نعمان.
ولم يقتصر دورهن على التدريب بالأسلحة بل امتد إلى إسعاف الجرحى ورعاية المصابين وقد شاركت المرأة العاملةvw في مصنع الغزل والنسيج كذلك إلى جانب زملائها العمال في وضع خطط الدفاع عن صنعاء ومسيك والمواقع التي لم تكن المرأة تدع أخاها الرجل يتقدم وتقف متفرجة بل إنها لعبت دوراٍ هاماٍ وفاعلاٍ في الدفاع عن وطنها وقد كانت عاملات مصنع الغزل والنسيج أول من خرجن من بيوتهن للعمل إلى جانب الرجال ولقد شاركن في العرض العسكري بعد ذلك الذي كان في ميدان التحرير.
الحركة النقابية
العمال كان لهم دور في الدفاع عن الثورة والجمهورية وضد الاستعمار في الجنوب حتى تحرر الوطن من الطغيان كانت الحركة النقابية في المحافظات الشمالية بعد قيام الثورة جاءت للاعتراف بالحق النقابي ولقد قدم عمال مصنع الغزل والنسيج دوراٍ وطنياٍ هاماٍ في فك الحصار عن العاصمة صنعاء في جبل الطويل وعيبان كما شكلوا مع نقابة الأطباء فرق ميدانية من العمال والعاملات للدفاع المدني ومعالجة الجرحى والإسهام إلى جانب أبطال القوات المسلحة في مختلف المعارك.
نبيل محمد السلامي -رئيس نقابة العمال والأمين العام لعمال مصنع الغزل والنسيج في الجمهورية يوضح بأن مشاركة عمال مصنع الغزل والنسيج لم تكن بالأرواح فقط وإنما بالأموال ودعم الدولة بالمنتجات القطنية ومنها الأقمشة والملابس العسكرية والأكفان للشهداء والشاشات الطبية والملايات «مفارش الأسرة في المستشفيات» وهذا إلى جانب النساء العاملات في المصنع واللواتي وقفن مع أشقائهن الرجال في المصنع والأمن والقوات المسلحة من أجل فك الحصار وانتصار الثورة.
الصينيون والقذائف
ورغم تعرض المصنع لعدد من القذائف من قبل مناصري النظام الملكي وإصابة مجموعة من العمال والعاملات بجروح سطحية أثناء تأدية عملهم النضالي وحتى لا نكون جاحدين لابد لنا أن نذكر دور الخبراء الصينيين الذين ساعدوا في بناء مصنع الغزل والنسيج وكانوا يسكنون بجوار المصنع وفي أثناء حصار صنعاء رابطت إحدى وحدات القوات المسلحة الأمنية في معسكر قرب المصنع ولكن الخبراء الصينيين والعساكر الأمنيين كانوا يتعرضون يومياٍ لقصف مدافع القوى الملكية التي احتلت الجبل المطل على مصنع الغزل والنسيج والمعسكر وكانت هذه القوات الملكية تقوم بأعمال تجسس وتخريب باستمرار مما ألحق خسائر بالخبراء الصينيين والمعسكر الأمني وبرغم ذلك ظل الخبراء الصينيون يعملون كالعادة في المصنع واهتدوا إلى الوسائل المختلفة لحماية وسلامة أرواحهم وممتلكات المشاريع..
حاولت القوات الملكية في بداية الأمر إجبار الخبراء الصينيين على الفرار لكنهم فشلوا فأرسلت عدداٍ من الجواسيس إلى مصنع الغزل والنسيج للحصول على المعلومات الدقيقة عن الخبراء الصينيين مثل شخصياتهم وأوقات عملهم ومساكنهم ومطعمهم …الخ وبعد توفير المعلومات بدأت القوى المعارضة تنفيذ خطتها لإبادة الخبراء الصينيين في المصنع وذات يوم ركزت القوى المعارضة على قصف المطعم في وقت الغداء واستمر القصف أكثر من نصف ساعة مما أدى إلى تدمير كل شيء في المطعم وتصورت القوى المعارضة أن جميع الخبراء الصينيين قد ماتوا ولكن المحاولة باءت بالفشل مرة أخرى إذ أن رئيس بعثة الخبراء الصينيين قرر أن يدعو جميع أفراد طاقمه لاجتماع طارئ في المقر السكني قبل الغداء فنجا عشرات من الخبراء الصينيين بفعل هذا الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه رئيس الخبراء بهذا القرار المفاجئ .. وواصل الصينيون أعمالهم وأدوارهم في المصنع برغم الظروف الصعبة والمخاطر الجسيمة التي كانت تحيط بمصنع الغزل والنسيج.