
رصد /عبد الملك السلال – قاسم الشاوش –
سجون كالغياهب.. ونزلاء لم يردعهم “رادع”!!
* الطغيان الكهنوتي ..تعددت السجون والسيف واحد
* القاضي الأكوع يروي قصة الاعتقال و”الدردحة” من صنعاء حتى سجن حجة!!
* قفل غثيمي وسلسلة حديد يَجرجر بها المحبوس حتى تدمى قدماه
* القاهرة الرادع الزاجر نافع.. منجزات إمامية لوأد الكرامة
* “عكفة الإمام” قساة غلاظ.. يتلذذون بتعذيب السجناء.. سماهم الإمام “حمران العيون” ووصفهم
الزبيري بالبلداء
تفننوا في صناعة السجون ليوغلوا في الاستعباد وأبدعوا في مسمياتها ليمعنوا في الإهانة هكذا كانت
سجون الإمامة.. سجون ليست ككل السجون كل سجن منها بمواصفات قبر.. ومن الحرام أن نسميها
قبوراٍ.. فذاك وجد لإكرام الميت فيما سجون هؤلاء لامتهان الحياة.. والأحياء..
مثلما عاش اليمني غربتين: غربة المنفى وغربة البلد عاش أيضاٍ رهين المحبسين سجن الإمام وسجن
كبير اسمه اليمن!!
هنا سجن السلال والنعمان والزبيري والمطاع والبردوني وكوكبة النضال الأولى ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الثورة.
وهنا أيضاٍ صرخ ابراهيم الحضراني ورفاقه صرختهم المدوية:
تعذبت في سبيل بلادي… وتعرضت للمنون مراراٍ
وأنا اليوم في سبيل بلادي… أطلب الموت راضياٍ مختاراٍ
من هذه السجون الكالحة الظلمة والسواد شع نور ثورة وشمس ضحى بددت عتمة القرون وزلزلت
عرش الطغاة.. إليكم الحكاية: ” ” هيئة التحرير”
رصد /عبد الملك السلال – قاسم الشاوش
عششت الإمامة منذ اللحظة الأولى في عموم اليمن على الدجل والتضليل تحت ستار الدين وامتد البطش والتنكيل من بيت حميد الدين ليطال الإنسان قبل الأرض لقرون طويلة كان فيها الإنسان اليمني – الميت الحي -على وقع الجبروت والطغيان الكهنوتي الثالوث المخيف – الفقر والجهل والمرض ومن كهنوت بيت حميد الدين أنهم أسموا أماكن العذاب وسجون العقاب بأسماء قصد بها التلبيس
والتدليس وباسم الدين لتصفية المعارضين من العلماء والمفكرين وأبطال الثورة اليمنية وهذه
الحصيلة تسلط الضوء على الطغيان الكهنوتي البشع كي تتعرف الاجيال المتلاحقة من أبناء اليمن
على شدة مالاقاه آباؤهم وأجدادهم من الهوان والاضطهاد والسلاسل والأغلال وما لحقهم من نفي
وتشريد وجوع وظلام وصنوف الضيم والظلم لشهداء الثوره الذين أرووا بتضحياتهم و بدمائهم شجرة
الحرية التي نتفيأ اليوم بظلالها وننعم بنسائم الحرية والسيادة والحياة الكريمة.
سوط الطغيان والجبروت
فقد واجه الشعب اليمني بكافة مكوناته ومستوياته الطغيان والجبروت الإمامي الذي أودى بحياة
الكثير منهم إلى مقصلة السياف وقطع مئات الرؤوس في صنعاء وحجة وتعز وتعليقها على الاشجار
وفي باب اليمن امعانا في ترهيب ابناء الشعب اليمني فامتلأت السجون بالاحرار والرافضين للخنوع
والهيمنه الكهنوتية والمتطلعين لافاق الحرية ولم يكن غائباٍ عن الثوار ” أن اليمن أعظم بلاد أصيبت في
رجالها وأصبحت ما بين قبيلة تقدس الشخصيات المزيفة التي تحكمها باسم الدين والشريعة وتتخذ منها
آلهةٍ تقدسها وتسبح بحمدها في الوقت الذي تطول عليها بسياطها المحرقة ثم تصول بها على العاملين
في إنقاذها فهي كالآلة العمياء يجمعها طبلَ من الدجل والتضليل ويفرقها سوط من الطغيان والجبروت
وما بين أشخاص مذبذبين يميلون مع ما يتفق ومصالحهم الشخصية فنضجت الفكرة والتف الشجعان
ومحبو الحرية للتخلص من ذرات العبودية المعششة .
أن المستعرض لتاريخ نضال اليمنيين ضد حكم ال حميد الدين الكهنوتي سيخلص إلى نتيجة مؤداها
ان هذا النضال خلال الدويلات الإمامية كان سلسلة من محاولات الانعتاق من الثالوث المخيف {
المرض المجاعة الجهل } والديكتاتورية الإمامية المستفحلة طيلة ألف عام ونيف } التي حولت
ارض السعيدة إلى جانب ما رافقها من تخلف في جميع نواحي الحياة إلى أرض تنبت القبور
حتى أن حجة وصنعاء صارت أمثولة لبقية مدن وقرى اليمن لجور عدد الذين يموتون يوميا أو
يعدمون من الثوار – – بفعل عوامل الثالوث الرهيب المذكورة مما حدا بأحدهم القيام برصد حالات
الوفاة على سبيل إيجاد إحصائية فعمد إلى الجلوس طيلة اليوم في باب اليمن وامامه طنجرة” برمه”
من الفخار والاف من الزنب كان يضع كل زنبة بمرور كل جنازة معينة حتى وخلال اسبوع زمان
من الرصد _ ورغم أن القائم بهذا العمل أمي لايجيد الكتابة – إلاٍ انه كان يحفظ في ذاكرتة أسماء
الأموات من مختلف الاسر ليفاجأ آخر الشهر ويفجع لتكدس الطنجرة { أي البرمة }بمئات الموتى
التي تقارب 500- 700 حالة وفاة ومن كل بيت في صنعاء أغلبهم من الأطفال والشيوخ والنساء
ومن باب التندر على هكذا حالة مأساوية كانت تعيشها اليمن كانوا يسألون ذلك الرجل من باب الاستعلام
عن وفاة شخص معين فيرد عليهم باللهجة المحلية { قدوه في البرمه } دلالة على أن ذلك الشخص قد
توفي .حتى أنه لجور الحكم الامامي كانوا يصفون حياة اليمنيين بانها كلها كربلاء .
السجون محطة ترانزيت للمقصلة
وعمد الأئمة إلى تخصيص السجون فأسمى الإمام يحيى سجنه بصنعاء ” الرادع” الذي كان شرقي دار
السعادة الواقع أمام المتحف الوطني حاليا وقد تم هدمه بعد قيام عدالة الجمهورية وأضحى حاليا موقفاٍ
للسيارات.
وأحمد الطاغية الذي لقبه الشهيد زيد بن علي الموشكي – بالمجنون المسلح ولقبه علي ناصر العنسي
الطفل الملتحي ونعته الأديب محمد عبدالله الفسيل ” الرجل الشاذ” ووصفه أحمد بن عبدالله الوزير في
كتابه حياة الأمير علي الوزير “قاطع الصلاه وقاطع الرؤوس أيضا” فقد قطع خمسة رؤوس من آل
الوزير..
سمى سجنه نافع ” وهو عكس اسمه وضده .
أما حسن بن الإمام فقد أسمى سجنه بمدينة إب ” الزاجر ” وهكذا السجون سموها بتلك الأسماء ” ان
هي إلا اسماء سميتموها أنتم وآباؤكم مانزل الله بها من سلطان ” كانت تستقبل اليمني بأنواع العذاب
والشتائم والاهانة والامتهان.
الإمام وحجة
ترجع أهمية مدينة حجة إلى كونها تقع على جبل متوسط الارتفاع ويمتاز بأنه جبل حصين ويمتلك مواقع
جبلية مجاورة حصينة تمنع أية قوة عسكرية في ذلك الوقت من السيطرة أو دخول تلك المدينة بسهولة..
لذلك فقد لجأ الإمام أحمد يحيى حميد الدين إلى هذه المدينة عقب ثورة 1955م واحتلها وأرسل كبراء
المشائخ والأعيان من مختلف مناطق اليمن وألبهم على الثوريين بل ووصل به الأمر إلى أنه منح القبائل
إذناٍ خاصاٍ بإقتحام صنعاء ونهبها مما ساعده على وأد الثورة واسترجاع زمام مقاليد السلطة مرة أخرى
إليه بعد أن كان قد جرد منها وسمح له بمغادرة مدينة تعز عقب سيطرة الثوار على مقاليد السلطة هناك
واستسلام الإمام «أحمد» للأمر الواقع في تعز وخروجه التكتيكي منها إلى مدينة حجة..
وخلال مكوث الإمام في مدينة حجة تعرف عن قرب على أهلها وعلى مختلف القبائل في مناطق
المحافظة فوجد أن الجهل والأمية لدى هؤلاء المواطنين كانا متفشيين على درجة كبيرة من الغفلة
وسلامة النية وأنهم يختلفون عن قبائل تعز وإب وبقية المحافظات الجنوبية والوسطى وأن ولاءهم للإمام
شديد لا تشوبه شائبة لذلك قرر أن يتخذ من مدينة حجة ملاذاٍ خاصاٍ وأراد أن يكسب هذه المدينة الهيبة
والرهبة فأقام بها سجن القاهرة المنيع وسجن نافع الرهيب والمظلم.. واتخذ من ميدانها مسرحاٍ مفتوحاٍ
ليكون ميداناٍ لسفك الدماء الزكية لأبطال النضال الوطني في بلادنا..
تراكم التعذيب في سجني القاهرة ونافع
وسجن القاهرة هو عبارة عن قلعة حصينة تعلو مدينة حجة تحيط بها أسوار و«نوب» »الحراسة وتوجد
بها مخازن للأسلحة والذخائر والحبوب كما يوجد بها دار شامخ وأبنية صغيرة تابعة له عبارة عن
زنازن كان يسجن بها كبار القادة والمشائخ والمفكرين والأعيان الذين كانوا يحملون بين جوانبهم أمل
التحرر والإنعتاق من حكم الأئمة الجائر.. كما يوجد في هذه القلعة مبان للحراس وعدة برك لحفظ
وحجز مياه الأمطار ومسجد صغير..
ومن الذين تم إيداعهم في هذه القلعة الإمام عبدالله بن أحمد الوزير وابن عمه الأمير علي بن عبدالله
الوزير وسائر آل الوزير ما عدا أحمد بن علي الوزير فسجن في سجن «نافع» لمزيد من الإهانة
والتحقير كما سجن في القاهره المشير عبدالله السلال والسيد حسين الكبسي وعدد كبير من الثوار
الذين لقوا حتفهم إما في «ساحة الاعدام» الموجودة في داخل القلعة أو سيقوا إلى ميدان حورة مع
مجموعة أخرى من سجن نافع لإعدامهم..
كما يعتبر سجن نافع من أرهب السجون الإمامية في ذلك التاريخ يتكون هذا السجن من طابقين إلى
ثلاثة وفي أحد أطرافه تقع نوبة وهي تسيطر على البنايتين – فيها أماكن وأدخال مظلمة وفي أعلى
النوبة مكان للحارس فيه نافذة يبصر المحابيس ” السجناء ” ويتكون السجن الأعلى من طابقين
الطابق الأسفل جدرانه إلى الجبل وأبواب أماكنه مفتوحة تسيح فيها القاذورات من الأبوال والأزبال
كانها نهر جار وعليه مظلة من النامس ” البعوض” وأنواع لحشرات وفيه مستراح “حمام ” مفتوح
الباب تنزل الارجل لقذارته وتصدر عنه روائح القاذورات إلى عنان السماء المتفرع منها نحو
عشرة أذرع طولا وعرضا وأماكن هذا الطابق زاخرة بالسجناء “المقاطيع” كان يطلق عليهم
انذاك
وعلى شمال من يدخله كان يوجد مكان يسمى «العشة» وفيه يقابل السجين من يأذنون له بمقابلته من
أهله وزواره ويوجد في الساحة «مدقة» هي مكان يقيد عليها من يرد إلى السجن من السجناء أو يفكون
القيود عنهم في حالة الإطلاق أو عند الموت أو في حالة أن حكم عليه بالاعدام بحيث تخفف القيود على
المحكوم بالاعدام حتى يستطيع أن يسير إلى ميدان «حورة» لاعدامه هناك
سجن نافع ..لا نوافذ له وبابه عبارة عن دهليز مظلم مثل المغارة التي يسكنها الشياطين والأشباح.. وإذا
ما دخلت إلى السجن فإنك تجد في الجهة اليمنى منه درجات قليلة ترفعك إلى مكان الحرس ومنها إلى
مكان مدير السجن وعلى اليسار يوجد باب آخر يخرج منه الرهائن والمساجين يؤدي إلى ساحة
مستطيلة تطل عليها أمكنه صامتة وأخرى مظلمة وكان السجن عادة ما يكون مليئاٍ بالسجناء حيث
كان يسجن فيه القتلة واللصوص وأصحاب الجرائم الكبيرة والمجانين .
..
فكان الإمام يتلذذ بحبس العلماء والمفكرين والثوار من الأحرار والمناضلين مع أولئك السجناء الخطيرين
إذلالاٍ وقهراٍ لهم ومعاقبة على ما فكروا به وقاموا به من أجل شعبهم ووطنهم..
وكانت الزنازن مليئة بالمساجين ومن بين من سجنوا في هذا السجن الرهيب من تم القبض عليهم في
الحديدة منهم الثائر زيد الموشكي والقاضي عبدالله عبدالاله الاغبري والخادم الوجيه وزملاؤهم وبعض
من المساجين القدامى مثل الشيخ صالح المقالح والشاعر محمد بن علي المطاع حيث كانوا يحتلون
السجن الأعلى من سجن نافع بينما كان السجن الأسفل يضم بعض المساجين مثل سالم عمران
اليهودي الدروبي سالم الزرنوقي وعبدالله «المجنون» ومجنون آخر أسمه «شمسان» وضم إليهم من
العلماء والثوار عبدالله الشماحي وأحمد الشامي القاضي أحمد العنسي والشيخ محسن هارون من مشائخ
بني الحارث إبراهيم الحضراني وغيرهم من الثوار والمناضلين
و في ميدان «حورة» حجة.. يتجرع المحابيس صنوف العذاب الجسدي والنفسي على أيدي سجاني
الإمام الذين كانوا يبالغون في اذاقة الثوار صنوف التعذيب.. حيث كان «الإمام» يختار أولئك السجانين
بعناية تامة من بين أفراد الجيش والعكفة فلا يختار إلا الأشخاص الجهلة الذين لا يعرفون ولايدركون أي
شيء عن الواقع الرهيب الذي يعيشون فيه مع الشعب اليمني.. فهم لا يعلمون إلا كلمة واحدة «نصر الله
مولانا الإمام» وما دون ذلك فهو حرام وأن الإمام قد رفعهم إلى درجة كبيرة بأن أولاهم ثقته وعينهم
مسؤولين عن سجنه.. وعلى هذا الأساس كانوا ينفذون الأوامر التي تصلهم بكل دقة بل كانوا يتفننون
أكثر في تنفيذها وبقسوة أشد ظناٍ منهم أن ذلك العمل سوف يرفعهم لدى الإمام ويجعله راضياٍ عنهم بحثاٍ
عن المكافآت والعطايا الزهيدة التي كان الإمام يمنحهم إياها كلما واصلوا بشراسة العذاب والحصار
والحرب النفسية ضد الوطنيين والاحرار والمفكرين والشعراء والعلماء والمشائخ الذين كانت زنازن
سجن «نافع» و«القاهرة» مليئة بهم وتكون ظروف معيشتهم في تلك الزنازن حزينة وكئيبة.
من صنعاء إلى حجة رحلة التعزير والدردحة
ومن قصص التنكيل الإمامي يروي القاضي اسماعيل بن علي الاكوع مأساة ومعاناة اعتقالهم :
لما اعتقلنا سنة 1944 مع الشيخ جازم الحروي والوالد عبدالسلام صبرة , وثلاثة من آل السياغي وهم
يحيى ومحمد وحمود أرسلنا من سجون صنعاء مكبلين بالسلاسل والأغلال الحديدية وعلى عنق كلْ
واحد منا طوق حديدي جلف وعليه قفل غثيمي أجلف من نوع تلك الأقفال المحليه التي كانت تصنعْ
باليمن والتي يكادْ وزن بعضها يصل إلى وزن الرطل , ولكل منا جندي محافظ عليه لئلا يهرب
وموكل به ليسومه سوء العذاب ومن العجيب أن بيت حميد الدين وأسلافهم مثلهم لا يختارون لمثل هذه
الوظائف الا العساكر القساة الاغبياء وكانوا يسمونهم – تضليلا بهم- حمران العيون –
فكانت السلاسل متصلة ببعضها من عنق أحدنا إلى عنق الآخر بحيث لايستطيع أي من السجناء الستة
ان يكون حر الحركة أو التصرف الا بما يعود على رفاقه بالمحنة والإضرار فتسبب ذلك في قدرتنا
على على المشي فأبطأت خطواتنا وقتلتنا الشمس وأذتنا الريح والبرد والغبار ووعورة الطريق .
ويتابع القاضي الاكوع قائلا:
وقد طاف العسكر بنا على شوارع صنعاء للتشهير بنا وتعزيرنا ” دردحه” بلغة صنعاء / وتجمع
الناس حولنا ورمتنا العوام والأطفال بكل الأوساخ وبذاءة الكلام وأشد التهم وكان كله شئ لايطاق
حتى كادت نفوسنا ان تزهق من الغيظ وقد يتعجب أحدنا الآن كيف احتملنا ذلك وكيف لم نمت جميعا
من الغم والقهر / ولكن الله جل شأنه قوى عزائمنا ومنحنا الصبر والجلد وقوة الاحتمال لأننا كنا نستند
إلى عظيم ايماننا بالله ورسوله وبعدالة رسالتنا التي حملناها في أعناقنا قبل أن يضعوا عليها تلك
الاطواق الحديدية والسلاسل والأغلال فكانت درعا حصينا يقينا ضد الاهانات والتحقير والاذلال
والعذاب الروحي والجسدي .
قضاء الحاجة بفلوس
واتذكر اننا في أول رحلتنا الموجعة تلك فوجئنا بأن الجنود كانوا يصرون على أن يدفع أي فرد منا
ريالا كاملا مقابل أن يسمحوا له بقضاء حاجته بعيدا عن الطريق على شرط أن يبقى مربوطا في تلك
السلاسل المتصلة وكم لاقينا من الضيق والحرج وكم قاسينا من آلام مخجله لمواجهة تلك الحالة
وذلك التعنت وكان عذر الجنود ان ذلك احتياطا منهم لئلا يهرب أحدنا لو فكوا عنه طوقه وقفله من
المؤلم أن البعض منا كان يتعذر عليه قضاء الحاجة ونحنْ بالقرب منه بل كنا في الحقيقة متلاصقين
معا .. ولكن بعد أيام وبعد التلطف مع أولئك الجنود القساة وبعد أن أكلنا معا وعلى حسابنا طبعا فقد
استأنسوا بنا وأطمانوا بعض الشيء وسمحوا بفك الرباط الحديدي عن رقبة من يضطر منا لقضاء
حاجتة و حدثت لي كارثة فقبل أن نصل إلى محطة { معبر} بعد ان قضينا اربعة ايام في الطريق
فقد أرسلوا الجندي الموكل بحراستي ليهيء لنا الأكل في{ معبر } بحيث لا نصل إلا وهو جاهز ..
نظرا لضرورة السرعة في سيرنا التالي ونسي ذلك الجندي مفتاح قفل طوقي معه وبهذا الاشكال لم
نجد بدا من أن تفك الأطواق والأقفال والسلاسل الحديدية التابعة للخمسة السجناء وان تبقى معلقة
كلها في عنقي الضعيف وعلى جسمي النحيل .. وكم لاقينا متاعب جمة طيلة الطريق خاصة أثناء النوم
حيث لم يطمئن الجنود نهائيا إلى اننا لن نهرب عليهم لو فكوا أغلالنا ونمنا منفردين { ويستطرد
القاضي اسماعيل بن على الاكوع } ولنترك الوصف لما لاقيناه من معاناة للأستاذ محمد محمود
الزبيري حيث نظم ذلك في قصيدته الهجائية التي تجاوزت ستين بيتا وكأنه كان معنا لدقة تصويره
لما لاقيناه .. وكان أشدها ظلما عدم السماح لنا بتوديع أسرنا ومعارفنا أو إعلامهم بذلك وكان القصد
بدون شك أن لانتزود بزاد أو نقود ولولا أن يسر الله بالأخ جازم المتيسر بالنقود لكنا متنا جوعا
وأغرب من ذلك ان الجنود كانوا يتألمون لأنه كان يصرف علينا مما هداه لأن يستكتبنا مستندا بأن
ذلك علينا دين له فإلى القصيده :
طافوا بهم حول صنعاء يطمسون بهم
حقا يضيق به الطاغي ويخشاه
وطوقوهم جميعا ضمن سلسلة
من الحديد يهول الناس مرءاه
يكب بعضهم بعضا بمنكبه
وتلتقي أرجل منهم وأفواه
إذا تحرك منهم واحد فزع الباقون
واضطربوا مما تجناه
كل امرئ منهم خطب لصاحبه
يؤذيه وهو بريء حين أذاه
ضاقت رقابهم في الغل واحترقت
أقدامهم من رحيل طال مناه
اذا استغاث أسير من متاعبه
لبته بندق الجندي ورجلاه
فن من البطش والتعذيب مبتكر
خليفة الله للأجيال اهداه
سيقوا جياعا ولم يسمح معذبهم
أن يستعدوا بزاد يوم بلواه
وسار من خلفهم جند زبانية
اذا اتوا خزية من أمرهم تاهوا
يستمنحون من الاسراء مأكلهم
يالؤم من راح يستجدي ضحاياه
والعسكري بليد للأذى فطن
كأن أبليس للطغيان رباه
لولاك “جازم” لم يطعم رفاقك
غير الموت أو يشربوا إلا حمياه
شاطرتهم كلماقد كان مدخرا
لديك لم تنفرد عنهم بنعماه
وخفت ان يفطن الطاغي بنبلك
فاستخدمت انبل تضليل سمعناه
طلبت أن يكتبوا ماقد وهبت لهم
دينا يدق على الحراس مغزاهْ
لذاك أنقذتهم من شر مهلكة
قد كان ” يحيى ” طواها في نواياه
ماكان يقصد الا قتلكم سغباٍ
فعقته أنت عن أمر تمناه
يريد قتلا بلا سيف لتحسبه
الدهماء ولياٍ دعى المولى فلباهْ
ويدعى أنكم متم بمعجزة
من السماء وأن الله حاباهْ
وانه يربط الدنيا بسبحته
وانه يكشف البلوى برؤياه
مكرْ و غدرْ وتضليلْْْ ومهزلةْ
كم أضحك الشعب مراءهْ وأبكاهْ