
كتب/ عبدالله بجاش –
مهمتي في تعز كانت استقبال الفدائيين المتطوعين لتدريبهم وتجهيزهم وإرسالهم إلى صنعاء
.. رجل السياسة والتجارة حسين السفاري شخصية مرموقة ومعروفة لدى النخبة والعامة باعتباره خليطاٍ من السياسة والتجارة .. أما أنا عرفته عن بعد شخصية اقتصادية وعن قرب مستشارا لوزارة المغتربين لكني لم أعرف ماذا يختزن في وجدانه من ذكريات الربيع اليمني لثورتي سبتمبر وأكتوبر لأنه لم يقترب من الصحافة.. يرفض الحديث عن نفسه لما له من أدوار تجاه ثورتي سبتمبر وأكتوبر معتقدا أنه ليس من الضروري أن يتحدث الإنسان عن نفسه لكنه يرى أن يتحدث الناس عنه لإنصافه ..وبفضولي المهني اقتربت منه لعلى أسمع ماذا سيروي عن ذكرياته السياسية والثورية المرة والحلوة الجاثمة على صدره زمنا طويلا تقديرا للمناسبة الذهبية واحتراما للتاريخ فكشف وللمرة الأولى لـ»الثورة« كل ما كان يخفي من ذكريات قائلا:
كتب/ عبدالله بجاش
تعينت قائماٍ بأعمال سفارتنا في يوغسلافيا السابقة لإخراجي من تعز
قيادة صنعاء بعثت رسالة سرية لعبدالناصر مضمونها «اشبح صاحبك عندك»
اليمن كانت منعزلة عن العالم شمالا وجنوبا عدا عدن لموقعها الاستراتيجي كمركز تجاري بحكم الميناء وكان الهدوء يعم رغم تواجد الاستعمار الانكليزي وبالنسبة لنا نحن أبناء الشمال فقد تعلمنا ودرسنا بكلية عدن وحينها كانت تصدر صحيفة فتاة الجزيرة والتي بدأت الصدور مطلع عام 1940م بغرض نشر الوعي الوطني والثقافي والسياسي في أوساط المجتمع تمهيدا لمقارعة الاستعمار الانكليزي.. وبعد فشل ثورة 1948م تمكن الإمام أحمد من الاستيلاء على الحكم وقام ببطش وتنكيل وتعذيب وتشريد الكثير من الثوار فكانت عدن الملاذ الآمن والحضن الدافئ للذين تدفقوا إليها هربا من انتقام الإمام أحمد لمقتل والده يحيى.. ويتابع السفاري حكايته بالقول: هذه الأحداث أدت إلى سخونة الأوضاع واشتد الحراك السياسي وتكونت في الشمال جماعات سريه مناهضه لحكم الإمام أحمد وفي عدن برزت على السطح تكتلات جماهيرية مثل الجمعية العدنية والاتحاد اليمني ومن ثم أنشاء اتحاد نقابات عمال اليمن بدلا عن الاتحاد اليمني وتدريجيا ظهرت تكتلات أخرى مثل الرابطة وحزب الشعب فالجبهة القومية والنقابات الست كما ظهرت صحف إلى جانب فتاة الجزيرة النهضة واليقظة والذكرى.
كل هذه التطورات السياسية جعلت عدن أكثر لهيبا ثوريا مشتركا مع أحرار الشمال ضد الإمامة والاستعمار وخاصة بعد انتصار الثورة المصرية والتي قادها جمال عبدالناصر وأطاح بالملك فاروق عام 1952م حيث بدأت عدن تنتفض ضد الانكليز والضباط الأحرار في الشمال ضد جبروت حكم الإمام واتحدت القوى اليمنية وانتقل الحراك السياسي إلى النضال في الشمال والكفاح المسلح لإخراج الانكليز بقوة السلاح وهذا ما حدث فعلا.. وهناك تفاصيل أخرى سيتم تناولها في حديث قادم طالما والحديث اليوم عن ذكريات ثورة الـ 26من سبتمبر في عيدها الذهبي.
التبشير بقيام الثورة
❊ حقيقة كان لأعضاء الاتحاد اليمني وهم حسين السفاري ومحمد أحمد نعمان والآسودي والأحمدي وعلي محمد عبده ‘وأحمد علي الآكوع لقاءات عديدة مع الأخ علي أحمد السلامي والمهندس أبوبكر الحبشي ومحمود عشيش لمناقشة الأوضاع الثورية السائدة في الشمال ووضع الترتيبات اللازمة لمواجهة أي طارئ .. وفي أوائل سبتمبر 1962م وصل إلينا من تعز فجأة الأخوة عبدالرحمن أحمد سعيد من القومين العرب وعبده الحروي و قائد الحروي والشيخ قاسم بجاش من مشايخ تعز مرسلين من قيادة تعز وربما من صنعاء ليبشرونا بقيام الثورة وموعدها .. وعلى الفور بدأنا عقد اجتماعات متواصلة بالاتحاد اليمني كان يحضرها الأحمدي ولأسودي وعبدالرحمن نعمان وعبدالقادر علوان وعبدالرحمن عبدالرب .. وتم وضع خطة دعم في حال قيام الثورة وتشكيل فرق لتقديم المساندة الأولية وكانت كتالي:
يتوجه الأخ عبدالرحمن نعمان إلى تعز لمساندة الحرس الوطني.. والأخ حسين السفاري بالفدائيين إلى تعز مع مجموعة بطانيات وفراشات وبعض العلاجات الأولية وتم ترتيب ذلك مع سيارات الأعبوس بواسطة الشيخ علي الوجيه كما تم التنسيق بعدن مع إتحاد العمال ومع الأستاذ القائد عبدالله الأصنج وزملائه عبده خليل سليمان والسلفي.. وبصراحة ما قدمه للثورة الشيخ علي حسن الوجيه رحمه الله من الدعم المالي الكبير لا يقدر بثمن لقد كان بيت الوجيه وسيارات النقل اللندروفر واتحاد العمال وال أعبوس وسياراتهم النقل الكبيرة وقيادة تعز وميدان التدريب للحرس الوطني والفدائيين خلية نحل لم يتوقف عملها ليلا ولانهارا دعما للثورة وكان حينها في قيادة تعز العميد أحمد الآنسي من أخلص العناصر اليمنية الذين درسوا بالعراق وعمل كعسكري محترف مع الإمام والجمهورية.. وعملنا في قيادة تعز منذ لحظة وصولنا وقد مدنا الاتحاد العمالي والآصنج وزملاؤه بكادر إداري لكتابة الشفرة وتسجيل الوارد والصادر من وإلى قيادة تعز وكذا استكمال الربط الإداري بين الثورة في كل من تعز وصنعاء مع عدن وكان ذلك بإدارة المشرف العام الأخ محمود عشيش ونائب القائد العميد أحمد الآنسي وكان حينذاك الأخ العميد محمد علي الأكوع يتواصل مع القيادة والمخابرات العسكرية والأمن الوطني فيما كنا نحن نجهز المرسلين المتطوعين ليلا بالشفرة والرسائل وهم مجموعة من الضباط ونوافي اتحاد العمال بكل ما يلزم من طلبات ومعلومات نستوفيها من صنعاء.. وكان ألأخ علي الضبعي بتعز بالشعبة العسكرية والأخ محمد الخاوي بالحرس الوطني لتدريب المتطوعين المرسلين ويساعده الأستاذ علي اليناعي وكان الداعم الأساسي من مجلس الثورة بصنعاء ألأخ محمد قائد سيف رحمه الله وكان يتولى التنسيق مع السلال والبيضاني وبقية فروع الدولة بصنعاء من جيش وأمن.. وكانت تمدنا بكثير من المعلومات من عدن عن القوات الانكليزية بكامل فروعها الجوية والبرية والبحرية وتحركاتها حيث كان حماس عدن في أشده لكن كان الجميع مشغولين بثورة السلال ولا شيء غيرها حتى ذهل الانكليز على إصرار اليمنيين في دك حكم الإمام وانتصار الثورة في الـ26 من سبتمبر عام 1962م فبدأوا يشعرون أن الدور القادم سوف يكون عليهم .
ذكريات شخصية
❊ بالنسبة لي شخصيا إن الثورة السبتمبرية الخالدة والتي نحتفل هذه الأيام بعيدها الذهبي سوف تعيدني إلى تجربتي وذكرياتي المخزونة في ذاكرتي لمشاهد ضحايا ثورة 1948م وحرب اليهود بعدن وإضراب عبدالله باذيب وهروب الصديق العزيز الفقيد طيب الله ثراه العميد محمد علي الأكوع من تعز عقب فشل ثورة 1955م ووصوله إلى الاتحاد اليمني بعدن وإلى قيادة تعز قادما من صنعاء لاستكمال نصر ثورة الـ26من سبتمبر 1962م وذكريات السبعين يوما .. سأتذكر كيف كان النقاش الساخن بين البعثتين والمستقلين والقوميين والشيوعيين واتحاد العمال والحزب الاشتراكي كل هذا سيعود بي إلى ذلك اليوم والذي كنت في ليله مناوبا ومع طلوع الفجر وصل المناضل والمكافح الصادق سعيد الأبي مرسل من مكتب قائد القوات الجوية بعدن ومعه شنطة (حقيبة) مليئة بملفات وأوراق وخرائط خطيرة تخص عدن والشرق الأوسط ككل ومباشرة أرسلناه إلى رئيس الجمهورية بصنعاء مع نفس الشخص الذي وصل معه لكي يثق المرسل أننا لا نعطل ولا نؤخر في مواضيع عدن بل نهتم أكثر .. ومن ثم لأ أدري كيف أدخلني القوميون العرب في عقولهم وأنني لابد وأن أترك قيادة تعز فوصلت رسالة لاسلكية إلى قيادة تعز ليباشر الأخ حسين السفاري بالطلوع إلى صنعاء ضروري ولم أعلم ما هو السبب .. ولكن العميد محمد علي الأكوع توجس حقيقة وربما عرف عرضهم لأن هناك قنوات أخرى لم أطلع عليها .
محركات الداكوته
❊ طبعا ناقشنا الأمر فأخذنا الطائرة الداكوته وأقلعنا باتجاه صنعاء ولكن محركات الطائرة لم تتمكن من إكمال الرحلة فهبطنا بالحديدة وهناك تعرفنا على الشهيد الرعيني رحمة الله تغشاه . .وكانت الحديدة حينذاك حارة جدا وجرداء .. وكان قد سبق إلينا بلاغ من جيبوتي أن هناك عدد من الجواسيس مرسلين عبر الحرس الوطني وكان لدينا بعض صورهم وحاولنا نبحث عنهم ولم نجد أحدا .. المهم من الحديدة استأجرنا بقايا سيارة صغيرة أوبل وتوجهنا إلى صنعاء عبر باجل وحراز ومناخة والحيمة وبني مطر وعلى الطريق كنا نشاهد الدبابات والمدرعات والجنود متوجهين إلى صنعاء وكانوا دائما يسألوننا فين صنعاء ونقول لهم بعدنا .. كما شاهدنا تهدم بعض البيوت في القرى والتي كانت على الطريق جراء القصف .. وبسلامة الله وصلنا مباشرة إلى القصر الجمهوري بصنعاء وكانت الطرق غارقة بمياه الأمطار حوالي »جوانب« القصر وشارع جمال حاليا .. المهم سلمنا على السلال والبيضاني وأمين عبدالواسع وبقية الأخوان عبدالقادر حاتم ومحمد سيف وطلب العميد الأكوع أن يسمح له بالذهاب إلى سنحان ولم يسمح له .. فبتنا في منزل الأخ محمد عبدالواسع نعمان (الخويل) رحمه الله وحدثنا عن نقاش حاد جرى من قبل الوالد السلال والعميد الأكوع والدكتور البيضاني ومحمد الرعدي ويحيى جغمان وربما كان حينها في الخارجية حول بقائي بقيادة تعز .. لخبرتي بالجنوب ومعرفتي فيها أكثر والبعض الآخر يصر على إخراجي من تعز مع أن الدكتور البيضاني لا يعرفني إطلاقا فعرفوه الأخوان القوميين العرب بزعامة الأخ سعيد الجناحي بأني أعمل بقيادة تعز وفي الأخير تعارفنا بصنعاء ..
إلى يوغسلافيا
❊ الدكتور البيضاني أحالني إلى نائبه فقام الآخر باختباري باللغة الانكليزية وغيرها من المعلومات وكان راض عن مستواي وتم تعييني للعمل بالخارجية كسكرتير أول .. وثم قائماٍ بأعمال سفارتنا بيوغسلافيا والتي كانت تعتبر من الدول الصديقة لمصر واليمن .. وحينها حاول العميد الأكوع مع خاله السلال ليبقيني في تعز .. لكن شلة البيضاني يومها كانت مؤثرة أكثر فأخرجني من تعز وللقصة تكميلية سآتي إليها في سياق الحديث.. فكانت انعكاسات وتأثيرات القيادة سلالي وبيضاني ومصري مؤثرة جدا ..فقد أضافوا لي طيبو الذكر من حال وصولي إلى صنعاء مهمة..للقيام أنا ومحمد أحمد نعمان ويحيى جغمان والرعدي وهي توزيع منشورات ضد المصريين وكانت جزء من الطبخة على نار هادئة لإخراجي مع محمد أحمد نعمان كسفير لبلادنا في يوغسلافيا وأنا قائم بأعمال وسلموني رسالة للوجيه كي أستلم نقوداٍ لشراء ملابس ومصاريف السفر ليتأكدوا من سفرنا إلى يوغسلافيا .. طبعا نزلت إلى عدن واشتريت أصواف لأخيطها بمصر على طريقتنا وعدت إلى صنعاء وسكنت بغرفة بجانب الدكتور حسن مكي.. وكان يزورنا الأستاذ عبدالغني مطهر وقالي: ليش كل هذا الخلاف على سفرك أجلس وكيل وزارة عندي بوزارة التجارة واخبرت بيت السفاري بذلك .. ولكن كان نبأ وتعميم سفري أقوى ومطلوب أكثر جمهوريا وعسكريا ومدنيا.
شهادة لله وللوطن
❊ أنا اليوم أسرد ذكرياتي وهي للمرة الأولى للصحافة وتحديدا لصحيفة (الثورة) وهذا يلزمني أقول الحقيقة وهي شهادة لله والوطن وبراءة للذمة ما تختزنه ذاكرتي منذ سنوات طويلة.. إن الصراع أو الاختلاف الذي كان يحدث بين السلال ومجموعة صنعاء بسبب تشبث أو يمكن القول تمسك الدكتور البيضاني بالمصريين وهذا أثر كثيرا على حماس معظم اليمنيين وخاصة الشباب المندفعين للثورة ووصل الأمر إلى أصابتها بانتكاسة بصرف النظر على الحرب ضد الملكيين وكان من الممكن أن تكون علاقة المصريين ببقية اليمنيين أفضل وأقوى ولكن ليس عن طريق البيضاني .. ولكن إصراره سبب لنا خسائر كثيرة معنوية وعسكرية وحربية نتيجة تعامل السلال والثوار مع القبائل وغيرهم وهذا وللأسف الشديد جعل البيضاني يدفع ثمنا باهظا كما جعل الجميع يتحالفون ضده والى حدا ما ضد المصريين .. إذ كانوا لا يريدون المصريين أن يتعاملوا مع اليمنيين عن طريق البيضاني وكما كان يشاع مع أنور السادات فقط وكانت الكوارث بالمرصاد .. أواصل سرد ذكرياتي المحضة الصادقة لله وللوطن والتاريخ إن السلال رغم كل ذلك استطاع أن يمر بالثورة الى السلامة قدر المستطاع ولإخلاف عن سيرته وسلوكه المعروفة لدى الكبار مثل الإرياني والنعمان والشيخ الأحمر والزبيري وهذه ملاحظة للتاريخ:وكنت أتمنى إن يلم شمل اليمنيين لما يتمتع من قدرات للحوار.
رسالة سرية لناصر
❊ وهنا استدرك في القول خرجنا إلى السفر بعد إصرار الدكتور البيضاني أنا ومحمد نعمان بنفس الطائرة الانتنوف الروسية وكان على متنها أيضا البيضاني متجهين إلى القاهرة وبرفقته العميد الجرموزي صديق السلال يحمل رسالة سرية أمرته القيادة بصنعاء بعد إن يقابل الرئيس عبدالناصر إن تسلم الرسالة لعبدالناصر وكان أهم مضمونها بأن يشبح أو يمسك صاحبه عنده أي البيضاني فيما كانت الإخبار الخارجية أنه سافر إلى القاهرة لطلب سيولة نقدية لليمن الجمهوري ويكفيهم سلاح من مصر ومن روسيا والتي كانت ترسل كل صغيرة وكبيرة إلى اليمن عبر مصر وهذه كانت من أنواع الوصايا التي هزت وصدمت الثورة والثوار الوطنيين الصادقين في الشمال والجنوب..وبالجنوب كان انعكاسا للتلاعب بالسلطة بصنعاء ومؤثرا جدا لوعيهم وتطلعهم لثورة ونضام جديد جمهوري نيابي ومدني وكان كل فريق يحارب الآخر على الرغم من أن السلال كان يجذب جميع التيارات ويقنع الجميع ولم يراد له أن ينجح بتوحيد اليمنيين .. المهم وصلت إنا إلى يوغسلافيا وعملت قائماٍ بأعمال في سفارتنا لمدة سنة تقريبا ومن ثم سافرت إلى ألمانيا ومن ثم عدت إلى اليمن وحملت معي ماطوراٍ كهربائيا تم تركيبه بمحطة كهرباء القاع هذا كل ما هو مخزون لدي منذ سنين طويلة .. مع اعتذاري مسبقا للصحيفة وللقارئ الكريم من أي لبس في الأحداث.