القراءة على (الألواح الخشبية) لمن استطاع


الأسرة / عبدالواحد البحري –
* شكل الحكم التركي البدايات الأولى للتعليم المعاصر
* منذ عقود والعراقيل توضع تجاه تعليم الفتاة
* الإمام يحيى أحس بخطر المدارس التي خلفها الأتراك وقام بإغلاق بعضها وإنها بعض المنجزات وإهمال البعض الآخر

يمكن القول بأن التعليم في اليمن كان مرتبطاٍ بالدويلات التي حكمتها فقد أنشئت قرابة 13 مدرسة تعليمية أثناء حكم الأيوبيين لليمن توزعت في كل من تعز زبيد إب أبين ويعود إليهم الفضل في إدخال نظام المدارس بالمفهوم الحديث تقريباٍ في عهد الدولة الرسولية تم بناء قرابة 40 مدرسة تركزت في المناطق السابقة إضافة إلى عدن.. تلى ذلك بناء بعض المؤسسات التعليمية خلال فترة العثمانيين قيل أنها تميزت بتشييد بعض المستشفيات في عهد ولاية حسين حلمي باشا سنة 1895م تأسست إدارة للمعارف والمكاتب ودار للمعلمين ومكتب الصنائع وأنشئت خمس مدارس للصناعة وتعليم الأيتام والفتيات في كل من صنعاء وأبها (الأخيرة أصبحت ضمن الملكية السعودية بعد معاهدة الطائف).
بعد ذلك جاء دور المملكة المتوكلية ولكن بأسلوب أبطأ من سابقيه يرجح أسبابها خشية الإمام يحيى حميد الدين من التأثير الخارجي على اليمن فأسس في عهده المدرسة العلمية أو كلية دار العلوم في 1925م في ما يعرف اليوم بميدان التحرير بصنعاء لكنها اقتصرت على ذوي المراكز الاجتماعية العليا وكانت تشبه في مستواها جامعة الأزهر في القاهرة, وفي نفس العام أنشأ الإمام أيضا مدرسة أو مكتب دار الأيتام بصنعاء وتماثل في مستواها المدارس الابتدائية حالياٍ.
وتميزت تلك الفترة بحرمان المرأة من التعليم مما يمنع مساواتها بالرجل وليس مصادفة ان يكون لدى الدول التي توجد بها نساء متعلمات تكون المساواة نسبتها جيدة وإمكاناتها أكبر لازدهارها.. وبما أن التعليم قاطرة التنمية في جميع البلدان وأن التعليم مدخل رئيسي للتنمية الشاملة من هنا نتعرف على مراحل تطور التعليم في اليمن مستعرضين بعض المراجع والدراسات واللقاءات مع أوائل الطلاب ممن تعلموا في دور الأيتام كما التقينا ببعض الأخوة المهتمين بتوثيق التعليم ممن جمعوا الوثائق التي تحكي مراحل تطور التعليم في اليمن بثنايا السطور التالية:
بداية نستعرض مراحل تطور التعليم في اليمن منذ حكم الاستعمار التركي لليمن حيث اتسم حكم الاتراك لليمن بالإهمال للتعليم وهذا ما أكده الدكتور حمد علي الحاج في كتابه (التعليم اليمني) الذي أشار إلى وجود محاولات للأتراك في الفترة الثالثة لحكمهم في اليمن خلال (1849- 1918م ) بهدف التقرب من الأهالي من خلال ادخال بعض الاصلاحات وإقامة بعض المنشآت التعليمية ومن ضمنها التعليم وتذبذب ذلك الاهمال بتعاقب الولاء وقليل ما وجد ولاة قاموا بإجراء اصلاحات , وتقديم الخدمات البسيطة بهدف تقوية سيطرتهم.
منفى للعصاة
وأوضح الدكتور في كتابه (التعليم اليمني) أن بعد اليمن عن مركز الحكم في الاستانة اعتبرت منفى للعصاة والمجرمين , ومن تريد عقابه الحكومة التركية او التخلص منه ترسله إلى اليمن , وهذه العوامل من خلال تولي ولاة فاشلين فاسدين وعجزهم عن دفع رواتب الجند او تأخرها, نتج عنه أن انصرف قادة الجيش والموظفين والجنود إلى جمع الثروة بالحيل والنهب والسلب فعم الفساد , وانتشرت الرشوة والفوضى, وما رافق ذلك من اضطرابات قبائلية وعشائرية في اليمن عملت على تدهور احوال السكان وكان ذلك مصدرا لـ الثورات والحروب التي استنزفت موارد السكان , وشلت قدراتهم على تطوير شئون حياتهم , حتى مع فترات الهدوء التي رافقت بعض الولاة المصلحين فإنهم لم يجدوا الامكانات والموارد والوقت الكافي لإجراء تلك الاصلاحات التي كانوا يتوقون اليها لأن الخراب والمأسي التي خلفها اسلافهم كانت حجر عثرة أمام اي جهد صادق فضلا عن الجانب السياسي كان دافعهم للاهتمام بالتعليم وغيره فركزوا من الناحية العامة على كسب رضا السكان والتقرب إليهم أما من الناحية العملية فقد ركزوا على تشجيع بناء المدارس السنية بقصد إذكاء الخلافات المذهبية واستغلالها لتمزيق صفوف اليمنيين, وفي الوقت نفسه أقاموا الحواجز أمام المدارس الزيدية وحرموها من مواردها المشروعة لكونها تزعمت مقاومة الأتراك..
ومن خلال ما سبق فإن من الطبيعي ان يظل التعليم خلال فترة الحكم التركي جامدا ومحدوداٍ بحاجة السكان الدينية وفي أحسن أحواله النواحي الفقهية والأدبية كما ان معاهد التعليم التي وجدت في عهد بعض الولاة لم تخرج عن النمط الذي تشكل في عهود الدويلات المستقلة في اليمن , باستثناء بعض التغيرات التي وجدت في آخر فترة حكم الأتراك .
واشتمل التعليم الأولي على تعليم القرآن الكريم والتعاليم الدينية والقراءة ويتسع في بعض الأحيان ليشمل مبادئ الحساب, واللغة, وبعض الأمور الشرعية.
استقلت اليمن رسميا من النفوذ التركي عام 1911م واصبح الإمام يحيى الحاكم الفعلي, بجانب كبير من السلطة القضائية والمالية ولإدارية.. وفي الجانب المقابل عمد الوالي العثماني إلى إبراز شخصيته باعتباره الحاكم الشرعي.
وبعد جلاء الأتراك عام 1918م بموجب معاهدة (لوزان) بين تركيا والحلفاء فقد أممت الممتلكات العثمانية للإمام يحيى, وبدأ الإمام يحيى عقب تسليمه مقاليد الحكم, يظهر بمظهر المصلحين, فقام بجملة من الإصلاحات, حيث حول العديد من القصور التركية الى مدارس ودوائر حكومية ودور ضيافة.
الإمام يغلق المدارس التركية
كما أنه استعان بما يقرب من (900) من الخبرات والكفاءات التركية, والعسكرية المدنية, ممن فضلوا البقاء في اليمن, فأسهموا في إعادة تنظيم الإدارة, وتدريب الجيش على النظام, والإشراف على تسيير مهام المدرسة الحربية وغير ذلك., غير ان الإمام قام بإغلاق بعض المدارس التي خلفها الأتراك وانها بعض المنجزات وإهمال البعض الآخر فتخلى عن مبنى مدرسة المعلمين لبعض الأهالي وحول المستشفى الذي بناه الأتراك لمعالجة جنودهم الى قصر للإمام وديوان للحكم أسماه قصر السعادة.
ويشير الدكتور حمد علي الحاج إلى بعض الشهود المصريين الذي كان عضوا في اول بعثة تعليمية تصل اليمن والذي اكدا انه لايوجد تعليم في اليمن ففي القرى وبعض المدن اليمنية تنتشر بعض الكتاتيب التي تدرس القرآن وحفظه اما المدارس فهي خمس مدارس ابتدائية في صنعاء والحديدة وتعز وزبيد وذمار والتعليم فهيا لايتعدى رياض الاطفال في مصر مع فارق الترتيب والنظافة وثلاث مدارس ثانوية في صنعاء وتعز والحديدة ومستوى التعليم فيها لايتعدى التعليم في المدارس الابتدائية في مصر ومدرسة علمية واحدة بصنعاء تشبه معاهد الأزهر في مصر, وان المناهج مرتجلة وكانت تجرى محاولات من المعلمين لإصلاح المناهج والبرامج الدراسية إلى ان السلطة تتدخل لعرقلة ذلك.
واكد ذلك تقرير للأمم المتحدة عام 1962 الذي يجزم بعدم وجود تعليم في اليمن بالمعنى المتعارف عليه, حيث كانت الدروس تقام في الكتاتيب المرفقة غالبا بالمساجد ويذكر الكتاب على سبيل المثال أن شخصا أسمه احمد وصفي أحضره الإمام للتعليم الزراعي وبمجرد مغادرته اليمن انتهى تدريس التعليم الزراعي.
ويؤكد الدكتور حمد علي الحاج انه لاتوجد مناهج دراسية تذكر قبل الثورة وكل ما هنالك كتب مقررة صارت مع مرور الزمن أساسيات التعليم في الكتاتيب والمعاهد الدينية حيث طغت المواد الدينية على كل محتوى التعليم, ويبدأ التدريس في الكتاب غالبا بقراءة القرآن الكريم قراءة وحفظا وبعض مبادئ الحساب ثم ينتقل من استخدام (اللوح) إلى القراءة في القرآن ويتدرج إلى بعض الكتب الدينية والأدبية وقد يتسع المحتوى ليشمل عددا من المواد الدراسية دون ترتيب او تنظيم محدد.
وايا كان المنهج المقترح ودرجة مناسبته للتلميذ فهو يعكس سيادة المحتوى التقليدي للتعليم بأساليب التدريس والتقويم .
وفي هذا الخصوص يشير عبد الله البردوني – في كتابه اليمن الجمهوري إلى أن منهج دار العلوم كان مجرد وسائل جاهزة في العبادات والمعاملات وفي النحو والصرف والبلاغة وفي اصول الدين وأصول الفقه.
المراجع :
لدكتور حمد علي الحاج محمد : التعليم اليمني
محمد سعيد العطار: التخلف الاقتصادي والاجتماعي في اليمن
عبد الله البردوني: اليمن الجمهوري
الصور مرفقة
طلاب يحملون الألواح الخشبية التي كانت تستخدم كراسات للكتابة عليها
مدارس قبل الثورة
طلاب مدرسة الأيتام في زيهم
صور تؤكد بؤس الحياة التي كان يعانيها طلاب اليمن قبل الثورة المباركة

قد يعجبك ايضا