المهندس المناضل حسين القواس لـ « الثورة »


حاوره / رضي أحمد –
أبلغني بطل الثورة علي عبدالمغني بساعة الصفر..
وكلفني بفصل هواتف القصر ومنازل المسئولين
كنت وزملائي طلاب المدارس ضمن مجموعة (الكوخ) برئاسة علي عبدالمغني ورفضنا تسليمه للسلطة إبان العدوان الثلاثي

بين زحام الأسماء الثورية الكثيرة شخصيات مغمورة لم نعرفها بعد ولم تسلط حولها الأضواء.. وهذا المهندس الرائد- رغم بساطة مهمته في ليلة الثورة- إلا أنها كانت كبيرة في نتائجها وأثرها.
ففي ساعة الصفر فوجئ بأحد زملائه يقتاده إلى خارج مقر عمله- في تحويلة قصر البشائر ليخبره بأن شقيقه بانتظاره لأمر هام.. فإذا به أمام بطل الثورة السبتمبرية/ الشهيد علي عبدالمغني يكلفه شخصياٍ وفي سرية تامة- بمهمة صعبة قطعت التواصل بين رموز الحكم البائد ويبلغه بأن ساعة الثورة اقتربت..
موعد لم يعلم به غيره.. ومهمة في غاية الخطورة- تفاصيلها في ثنايا الحوار التالي:
لم ينحصر نجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م في نضال مجموعة من القيادات العسكرية فقط.. بل إن المشاركة شملت أيضاٍ الكثير من الشخصيات الوطنية الذين استطاعوا بطبيعة عملهم تقديم العون والدعم الضروري لتحقيق الانتصار.
المهندس/ حسين القواس واحد من المناضلين الأحرار المشاركين في انطلاق ساعة الصفر وإعلان الثورة على الحكم الملكي وذلك من خلال قطعه خطوط الهاتف عن قصر البشائر وقطاعات أخرى هامة.. الأمر الذي ساعد على نجاح الثورة وإعلان النظام الجمهوري.. التقيناه لأول مرة.. فأجاب برحابة صدر..
سرية تامة
< في البداية نود منك أن تحدثنا عن الدور الذي قمت به عشية انطلاق الثورة¿
– أنا سعيد جداٍ بهذه الزيارة ولقائكم بي.. أما عن ثورة سبتمبر ومشاركتي فيها فقد تمثلت في القيام بقطع خطوط الهاتف عن دار البشائر وبعض المراكز الهامة.
وانوه هنا بأن هذه المهمة كان قد أختير لتنفيذها عدد من الزملاء أذكر منهم الأخ/ أحمد سرحان والأخ/ محمد البرطي لكن في اللحظة الاخيرة كلفا بمهام أخرى.
وجاء أمر تكليفي عندما كنت أقوم بصيانة تحويلة دار البشائر وهو عمل نقوم به بشكل دوري. وفي هذا الوقت وصل إلى مقر تحويلة قصر البشائر المهندس/ لطف أحمد قاطة ليخبرني بأن أخي يريدني لأمر هام وهو ينتظرني في السنترال.. وعندما وصلت إلى السنترال لم أجد أخي واتضح أن الأمر تمويه نظراٍ لسرية العمل الذي سوف أقوم به.. وكانت المفاجأة انني وجدت بدلاٍ عن أخي أقف أمام الشهيد البطل / علي عبدالمغني وكنت سعيداٍ جداٍ بلقائه وقال لي في سرية تامة :«الليلة سنقوم بالثورة على النظام الملكي والمطلوب منك قطع خطوط الهاتف على قصر البشائر وعدد من منازل المسئولين».. وزودني بكشف يضم أسماء الأشخاص المطلوب قطع هواتفهم. كما نبهني إلى ضرورة البقاء بجانب الهاتف والانتظار حتى تصلني مكالمة هاتفية منه لإبلاغي بساعة الصفر وبدأ تنفيذ المهمة.. وبالفعل انتظرت بجانب الهاتف وتلقيت مكالمته بعد ذلك قمت على الفور بقطع الاتصالات وتعطيلها وقد ساعدني في ذلك زميلي المهندس المرحوم/ محمد علي البابلي. واستمر العمل بوتيرة عالية حتى ساعات متأخرة من الليل ثم قمت أنا والزميلان لطف أحمد قاطة ومحمد قاطة بإغلاق أبواب السنترال وانتقلنا مباشرة إلى مقر السكن كما استمر تواصلي مع الشهيد/ علي عبدالمغني لمعرفة التحركات وما سيحدث من مقاومة.
أيام لن تنسى
< ماذا تتذكر من مواقف نضالية عشتها أنت ورفاقك¿
– أجمل ذكرياتي هي تلك الأيام التي قضيتها مع زملائي أيام الدراسة في المدرسة الثانوية ففي هذه المرحلة أي في الاعوام 1955م- 1956م- 1957م واجهت أنا ورفاقي التحديات والصعاب وكنا نعيش ضمن مجموعة يطلق عليها (الكوخ) يرأسها الشهيد/ علي عبدالمغنى وأذكر ان طلاب المدرسة الثانوية وطلاب المدرسة المتوسطة وطلاب المدرسة العلمية وطلاب المدرسة التحضيرية سجلوا موقفاٍ بطولياٍ عندما تضامنوا مع زملائهم الذين تلاحقهم السلطة بسبب مشاركتهم في مظاهرة عام 1956م المنددة بالعدوان الثلاثي على مصر فبعد احتلال المدارس من قبل جنود السلطة قام الطلاب بالنزوح الى خارج المدينة – باب الروم- واعتكفوا ثلاثة أيام رافضين تسليم زملائهم وفي مقدمتهم الشهيد/ علي عبدالمغني . ومن المواقف العظمية أيضاٍ موقف مدير المدرسة الأستاذ القدير/ أحمد الشمسي الذي رفض حينها تقديم كشف بأسماء الطلاب المطلوبين ونتيجة لموقفه هذا تعرض للسجن والعزل من إدارة المدرسة. هذه المواقف دليل واضح على مدى التلاحم والترابط بين المناضلين الثوار وهو تأكيد للغاية أو الهدف المنشود من قيام الثورة والمتمثل في القضاء على التخلف والظلم الذي يعيشه أبناء الشعب اليمني.
لقد كانت مرحلة النضال في تلك الفترة تقوم على الأخلاق والمبادئ السامية والعمل بروح الفريق الواحد هدفه الوحيد وغايته الأساسية انتصار الثورة وإخراج البلد من قبضة حكم جائر حرم شعبه من أبسط حقوقه.
إلى جانب ذلك فقد واجهت أنا شخصياٍ بعض المواقف الصعبة في حياتي أذكر منها: موقف وصول الدبابات والمدرعات التي يقودها الثوار وإحراق واحدة منها أمام دار البشائر واستشهاد الملازم/ محمد الشراعي والملازم / عبدالرحمن المحبشي.
فرق شاسع
< كيف كان التحاقك بمجال الاتصالات¿
– كان التحاقي بالاتصالات بعد تخرجي مباشرة من المدرسة الثانوية سنة 1958م وتم اختياري أنا ومجموعة من الزملاء للعمل في الهاتف وقد ابتعثت للدراسة في هذا المجال إلى المانيا للتدريب وتنمية المهارات ثم عدت إلى الوطن وبدأت أمارس عملي بحماس وجدية.. وأحب أن أذكر بعض المواقف الظريقة التي حصلت لنا أثناء تركيب مقسمات الهواتف في مدينة صنعاء… فقد حدث أن جاء أحد المواطنين يصيح بشكل جنوني ويطلب منا إبعاد المقسم من جدار بيته مبرراٍ عذره بأن هذا الشيء- سوف يخرب منزله وحاولنا بكل الأساليب إقناعه بأن المقسم لن (يهزر) بيته كما يقول أو يخربه وكان هذا التصرف لدى كثير من الناس وهو انعكاس لحالة الجهل الذي كان سائداٍ.
ومن الناحية العملية لمجال الاتصالات فإن هذه الوسيلة لم تكن منتشرة في المدن اليمنية بل إنها نادرة وغير معروفة لدى عامة الناس وكان من يمتلكها الأمراء وكبار التجار حيث بلغ عدد خطوط الهاتف في صنعاء (400) خط وفي الحديدة (200) خط وفي تعز (200) خط. لكن اليوم وبفضل الثورة تغير الحال وأصبح المجتمع ينعم بحياة أفضل والفرق بين الأمس واليوم كبير وملموس.
منجز عظيم
> كلمة أخيرة تود أن تقولها بهذه المناسبة¿
– ونحن نحتفل بذكرى مرور(50عاماٍ) على قيام ثورة سبتمبر المجيدة أتمنى من الله أن يعيد علينا هذه المناسبة ونحن في خير وعافية وأن يديم الأمن والاستقرار ويبعد عن بلادنا كل شر ومكروه ويهلك المتآمرين والعملاء الذين لا يريدون الخير لهذا الوطن.
وأود أن أذكر شباب اليوم وجيل الغد بأن ثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين ضحى من أجلهما الثوار الأحرار وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل نصرتها وعزتها ومن الواجب عليهم حمايتها- والمحافظة عليها. كما لا أنسى منجز الوحدة اليمنية المباركة التي أعادت شمل أبناء الوطن الواحد من الشمال إلى الجنوب بعد أن فرق بينهم المستعمر البغيض.. فواقع الحياة الذي عشناه قبل الثورة تميز بالجهل والتخلف وقسوة المعيشة ونادراٍ من يحالفه الحظ ويلتحق بإحدى المدارس التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد. ولهذا فإن ثورة سبتمبر 1962م لم تأت من فراغ بل إن مساوئ الحكم الملكي الرجعي القائم على القمع والظلم والانغلاق ولد لدى الثوار ضرورة محاربته والقضاء عليه واختيار طريق يقود الوطن نحو مستقبل أفضل ينعم بالرخاء والتطور والوسائل العلمية الحديثة القادرة على بناء جيل جديد.

قد يعجبك ايضا