المتغير الحضاري والثقافي بعد الثورة في حجة


عبدالرحمن مراد –

المتغير الحضاري والثقافي بعد الثورة في حجة
حجة كغيرها من المحافظات مازالت ترتبط إرتباطاٍ وثيقاٍ بالنظام القبلي وينقسم مجتمعها إلى طوائف وشرائح اجتماعية.

من الثابت تاريخياٍ أن هجر معاقل العلم انتشرت في حجة وأمها الطلاب من كل حدب وصوب وشكلت مدينة »شهارة« التابعة حينها.
-أي قبل الثورة وظلت إلى ما قبل استحداث محافظة عمران- حجة منارة علمية ساطعة تخرج منها معظم قادة الفكر الزيدي بالاضافة إلى »الظفير« التي اتخذها الإمام العالم المفكر أحمد بن يحيى المرتضي مقراٍ له وأصبحت منارة علمية وفكرية بالغة الأهمية وتوقفت عن القيام برسالتها سنه 1340هـ حين وقعت جفوة بين السلطة حينها وبعض أعلام الدين وتحولت تلك الهجرة إلى مدينة حجة وكانت هناك هجرات علمية متفرقة في المحابشة والشاهل وبعض النواحي لكنها لم تبلغ مكانة تلك الهجر التي كانت محط أنظار الكثير من أعلام ذلك العصر.

والمتتبع للتاريخ الشفاهي من أفواه العامة وكبار السن يلحظ أن ثمة نشاطاٍ فكرياٍ وأدبياٍ بلغ أوج ذروته في اربيعينات القرن الماضي إذ نشط فن الأراجيز وفن المقامات بين الخاصة وانتشر بين العامة إذ تحتفظ الذاكرة الشعبية بكثير من ذلك النشاط الفكري والإبداعي ومع امتداد الزمن وإهمال العناية والتوثيق له توارى الكثير وبذلك نكون قد فقدنا علماٍ كثيراٍ قد يفسر كثيراٍ من الظواهر والمصطلحات التي تعيش بين ظهرانينا دون أن نجد لها تفسيراٍ منطقياٍ. ولعل أغرب ما اكتشفته بل أظرف ما اكتشفته هو أن جذر مصطلح »ابن هادي « أو »حق ابن هادي « الشائع في حياتنا وفي ثقافتنا يعود إلى فترة الأربعينات إذ أن ابن هادي كان من ظرفاء زمنه وكان ينتقل من مكان لآخر متصلاٍ بعمال الأمام في المناطق وقد دلت القصائد التي حصلت عليها والتي تصف حال التسامر وتصف ابن هادي في صور كاريكا تورية كنوع من التفكه أنه كان يصر على أخذ حق ابن هادي من عمال الامام مقابل طرفة ومسامرته لهم وشاع هذا المصطلح بين العامة وأصبح دالاٍ على بعد ثقافي واجتماعي معين وابن هادي هذا هو الفقيه محمد بن هادي المسعودي من سكان الظهرين بحجة ولعل تفسير البردوني للظاهرة التي وردت في كتابه »قضايا يمنية« كان مجافياٍ لحقيقة المصطلح ولعل الثقافات المتعادية التي أفرزتها حركات التململ الثوري وارت كثيراٍ من الأرث الثقافي الذي من خلاله نستطيع الوصول إلى جوهر الحقائق وتفسير الظواهر بموضوعية بحتة فالذاكرة الشعبية ما تزال تملك قدراٍ من الثراء بمرويات تتربع على قنن الإبداع فالتاريخ أصبح ملكاٍ للأجيال المتعاقبة وليس من حق أحد مصادرته والأدب في عمومه هو الوجه الآخر إن لم يكن هو التاريخ الفعلي والحقيقي لأي مجتمع أو تجمع إنساني كونه- أي الأدب – نتاج نشاط نفسي وذهني ونتاج معاناة بإمكانها تصوير الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تصويراٍ صادقاٍ يأخذ تفاصيل الحياة بعين الاعتبار وهي تفاصيل يغفل عنها التاريخ ويتحاشى ذكرها وقد تكون في أحيان كثيرة ذات أهمية بالغة في تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية في معانيها الشاملة.

البعد الاجتماعي والحضاري في حجة:
حجة كغيرها من المحافظات مازالت ترتبط ارتباطاٍ وثيقاٍ بالنظام القبلي وينقسم مجتمعها إلى طوائف وشرائح اجتماعية مرتبة في تدرج معين ولعل هذه الظاهرة شائعة في أوساط المجتمع العربي إلا أنها أكثر ظهوراٍ في المجتمع اليمني وقد لعبت المنظومة الدينية دوراٍ مؤثراٍ في البنية الاجتماعية وحاولت تأصيل تلك النزعة التقليدية الصراعات السياسية التي كانت تخرج من مشكاة الدين أو تتكلم باسمه مرتكزة على التراكم العقائدي عند الإنسان اليمني منطلقة بكل حرية نحو تحقيق مطامحها في السلطة والنفوذ والمال وقد عملت تلك النزاعات الطامحة على محاربة كل تحديث سواءٍ بدافع فكري أو مبرر سياسي مما أعاق نشوء شرائح وفئات اجتماعية جديدة في الإطار العام للمجتمع وقد ساهم ذلك المناخ الفكري والسياسي على الحفاظ على البنى الاجتماعية التاريخية التي تعرف أين موقعها في سلم التدرج الاجتماعي.
ولعل الثورة اليمنية بما يحمل مدلولها من تغيير جذري لم تستطع إحداث أي تغيير في تركيب البنية الاجتماعية ويعود ذلك إلى عدة أسباب لعل من أهمها الصراع السياسي وارتفاع نسبة الأمية وتردي الوضع الأقتصادي في مستوى دخل الفرد وتأصل الفكر العقائدي وتراكمه عبر أزمنة سالفة ومن الصعب إلغاء تلك الثقافات التي درج عليها الناس دون أن يكون هناك عدة عوامل مساعدة تعمل على بلورة مجتمع جديد يحمل مفاهيم جديدة لمجتمع أجد.
وبعد مضي خمسة عقود من عمر الثورة اليمنية يمكن القول إنه استطاعت خلخلة المجتمع من داخله لكنها قطعاٍ لم تستطع تغييره فمازالت النزعة الاستقلالية للقبائل قائمة ومازال الولاء للقبيلة وشيخها متأصلاٍ ومازال الاحتكام للعرف القبلي أكثر فاعلية في حياة المجتمع ومازال وجود الشيخ على رأس القبيلة ضرورة يفرضها الواقع الاجتماعي والسياسي ومازالت الحرف الإنتاجية محتقرة من قبل أفراد القبائل حتى أولئك الذين نالوا حظاٍ من التعليم في ظل راية الثورة ومسيرتها كون المجتمع من حولهم مايزال تقليدياٍ والظروف الثقافية والسياسية مازالت توفر له أرضاٍ خصبة لكي ينمو ويترعرع في هدوء وسكينة .
ويمكننا القول إن شرائح المجتمع تنحصر في ثلاث فئات هي حسب التدرج من الأعلى إلى الأدنى:
السادة القبائل شريحة الدون (العبيد الخدم المزاينة) وتتبوأ الشريحة الأولى قمة السلم الاجتماعي معتمدة على الانتماء السلالي والبعد الثقافي التراكمي وقد اعتمدت هذه الشريحة على الوظيفة العامة في الدولة كمصدر أساسي للدخل وقد ندر فيهم ممارسة الأعمال الأخرى.
أما الشريحة الثانية فإن المصدر الأساسي للدخل لديهم هو الزراعة فالأرض تشكل عامل استقرار وتختلف بعض الأسر عن الأخرى من حيث كمية الدخل وغالبية هذه الطبقة ماتزال تحتقر أصحاب الصناعات الحرفية كالدبا غين مثلاٍ وأصحاب المحاصيل المغايرة مثل »القشم« الفجل- الكزبرة- الثوم – والجزر وبعض الرياحين« ويعود ذلك إلى عوامل ثقافية متوارثة بدأت تتلاشى وربما سيكون لعامل الزمن دور مهم في الوصول إلى المجتمع المدني الإنتاجي الذي تشرئب الأعناق إليه.
أما الشريحة الثالثة( العبيد – الخدم- المزاينة) فهي تعتمد في نشاطها العام على الصناعات الحرفية والخدمية التي يحتاجها أفراد المجتمع في حياتهم وعليها يقوم نشاطهم وأهم تلك الأعمال هي الحدادة وصناعة الأواني الفخارية والقيام بعملية الإطراب وإحياء المناسبات وغير ذلك من الأعمال الثانوية في حياة المجتمع التقليدي.

العادات والتقاليد:
يرى علماء الاجتماع أن العادة الشعبية هي نمط السلوك الذي يرتضيه الفرد والجماعة لأنفسهم ويميل إلى الثبات بمرور الوقت والانتقال الوراثي وهي- أي العادة – ذات قوة معيارية وتتنوع بتنوع ظروف المجتمع والعمر والنوع والمهنة..«.
وتتمتع العادات والتقاليد بقوة الإلزام الذي يوازي قوة القانون في المجتمع المدني المعقد إن لم يكن أكثر منه قوة واحتراما وهيبة مستمداٍ كل ذلك من واقع رغبة الالتزام الذاتي من ناحية وقوة الإلزام الاجتماعي من ناحية أخرى.
وحجة يستغرقها النظام الاجتماعي التقليدي ولا ريب أنه كان للثقافة التراكمية التاريخية أثرها الواضح في الاستمرار فيه ذلك أن الصراع وعدم الاستقرار في المسار التاريخي قد يحد من عجلة التطور كما أن العامل السياسي التاريخي قد عمل على بقاء نظام اجتماعي يتسم بنوع من التمايز والترابط وأوجد أعرافاٍ كان لها الدور الأكبر في تكوين نظام عرفي يفرض نفسه على واقع الناس الحياتي ويصل به الحد إلى التعامل مع السلطة في حل نزاعاته وخصوماته فمازال » الهجر« – وهو من العادات القبلية- أكثر العادات شيوعاٍ في حل النزعات والخصومات بين القبائل أو بين أفراد المجتمع ومن عاداتهم الحسنة قيام أفراد المجتمع بمساعدة من أراد الزواج بمبلغ من المال يسمى في المدينة »الرفد« وفي الريف »بالمجابرة« وهي أسماء متأدبة تنأ بنفسها عن مواقع الانتقاص التي يرفضها المجتمع القبلي.
ومن عاداتهم مساعدة أي فرد يقوم ببناء منزل وأكثر حضورهم يكون عند قيام الباني بسقف منزله الجديد وتجد روح التكافل في مجتمع حجة متجسداٍ في دورة الحياة كالعادات المصاحبة للولادة والموت.
تلك أبرز تجليات الإنسان الحضارية والثقافية في حجة حين يقارنها الإنسان المعاصر مع الماضي لا يجد فرقاٍ يذكر وهي تضع الثورة اليمنية بعد خمسين عاماٍ من عمرها أمام سؤال حضاري كبير وسؤال ثقافي أكبر وإثارة الأسئلة الثقافية والحضارية ليس انتقاصاٍ من القيمة الانتقالية للثورة ولكنه تخصير لها لتحقيق الأفضل ومواكبة العصر والخروج من بؤر الصراع التي عاشها الإنسان طوال تاريخه وصولاٍ إلى حالة من الاستقرار المستندة على قيم حضارية بديلة تعترف بالآخر ولاتلغي وجود أحد وتضمن فرصاٍ متكافئة لكل الأفراد والجماعات والكيانات.

قد يعجبك ايضا