اليمن بعد الأزمة: الفرصة التاريخية

 - اليمن بعد الأزمة: الفرصة التاريخية
د. غازي الشبيكات –
يكاد كل ما يقال ويكتب عن اليمن هذه الأيام يتعلق بالتحديات التي يواجهها البلد بعد الأزمة التي ألمت به خلال العام 2011م ولاشك أن التحديات التي كان اليمن يعاني منها جسيمة والواضح إنها تفاقمت بعد الأزمة وخاصة في الشأن الاقتصادي والتي تمثل كما أشار إلى ذلك فخامة الرئيس هادي مؤخرا “75% من التعقيدات التي تحيط باليمن.” ويكفي الإشارة هنا إلى تقرير في غاية الأهمية نشرته منظمة الغذاء العالمي استنادا إلى مسوحات ميدانية يبين التدهور الخطير التي شهدته معدلات الأمن الغذائي في اليمن. حيث سلط التقرير الضوء على حجم المعاناة الإنسانية التي يرزح تحتها أكثر من عشرة ملايين يمني لا يحصلون اليوم على كفايتهم من الغذاء كما يعاني أكثر من نصف هذا العدد من انعدام الأمن الغذائي. وهي مؤشرات خطيرة وشاملة تشير إلى تفاقم الفقر وتراجع الدخل وتزايد البطالة. وتضاف إلى قائمة طويلة من المؤشرات التنموية والاقتصادية المتداولة التي تبين حجم التحديات التي يواجهها المواطن اليمني.
ولكن كما تواجه اليمن تحديات جمة إنسانية وأمنية واقتصادية وتنموية فانه وبالمقابل يقف اليمن اليوم أمام فرصة حقيقية تهيأت كنتيجة مباشرة للأحداث التي شهدتها البلد وللتسوية السياسية المدعومة دوليا. وتأتي هذه الفرصة في مرحلة حرجة من تاريخ اليمن تتطلب التقاط كل الفرص المتاحة والتجاوب الفعال معها. إن الفرصة الماثلة أمام اليمن تتمثل في مجموعة من العوامل الايجابية لم تكن متوفرة قبل الأزمة.
ولعل أهم هذه العوامل هو التحول السياسي الذي يشهده المجتمع اليمني والذي يصاحبه تفاؤل بمستقبل أفضل وإدراك بحجم المسئولية التاريخية الملقاة على الجيل الحالي من السياسيين والتكنوقراط ورجال الأعمال والأكاديميين. كما أن القناعات التي أوجدتها مستجدات ثورة الربيع العربي أحيت الثقة مجددا بالقدرة والتأثير الايجابي على مجريات واقع ومستقبل البلاد. إن هذا التغيير الفكري يمثل أحد أهم العوامل الايجابية التي يمكن استغلاله في الجانب الاقتصادي من خلال إجراء مراجعة شاملة للنهج الاقتصادي والتنموي لليمن الجديد. ويجب أن يشمل ذلك إعادة النظر في المنظومة التي تحكم العلاقة الاقتصادية بين الدولة والمواطنين وإعادة ترسيم الأدوار التي يلعبها القطاع الخاص والقطاع العام والاستمرار في تحديث أسلوب إدارة موارد الدولة والمالية العامة وعلى الأخص باتجاه تحفيز الموارد غير النفطية وتهيئة بيئة مناسبة للأعمال والتي تستهدف خلق فرص عمل للشباب اليمني ورفع مستويات الدخل على المستوى الفردي والوطني.
الظرف المواتي الآخر يتعلق بالدعم الذي يمكن أن يحصل عليه اليمن في المرحلة المقبلة. إذ لم تشهد اليمن اهتماماٍ عالمياٍ من قبل كما هو اليوم حيث ساهمت الأحداث السياسية التي مرت بها اليمن وكذلك التحديات الأمنية والإنسانية في جعل هدف استقرار اليمن سياسيا واقتصاديا على رأس الاهتمامات الدولية في المنطقة. ودلالة ذلك الاهتمام سياسيا هو الإجماع الدولي حول المبادرة الخليجية ودلالته اقتصاديا الدعم السخي الذي حصل عليه اليمن من المجتمع الدولي منذ التسوية السياسية وعلى الأخص منحة المشتقات النفطية من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبرنامج التسهيل الائتماني من صندوق النقد الدولي والذي يزيد إجمالي المبالغ المقدمة خلال هذه الفترة القصيرة عن إجمالي المساعدات المقدمة لليمن خلال الثلاث السنوات الماضية مجتمعة. كما أن المجتمع الدولي جدد التزامه بالوقوف إلى جانب اليمن سياسيا واقتصاديا خلال مؤتمر أصدقاء اليمن المنعقد في الرياض والذي نتوقع أن يترجم عمليا إلى التزامات دولية بتقديم العون المالي لليمن خلال مؤتمر المانحين المقرر عقده في الرياض أيضاٍ في 27 يونيو الجاري.
وفي هذا المجال على الحكومة اليمنية اعتماد الآليات الواضحة لاستخدام المساعدات الخارجية بحيث تساهم في سرعة استيعابها في تنفيذ مشاريع مركزة تصب مباشرة في خدمة أولويات النهج الاقتصادي وإدارة تلك الموارد بصورة شفافة والتعامل معها بعيدا عن الروتين والبيروقراطية الإدارية القاتلة لتلك المساعدات. وفي المقابل على الدول المانحة إدراك واقع التنمية في اليمن والتحديات الإدارية التي يجب أن لا تكون حجة لتأخير المساعدات والعمل سويا مع الحكومة على إيجاد الحلول المناسبة وبما يتلائم مع الوضع الاستثنائي الذي تعيشه اليمن.
إلا أنه لابد هنا من التأكيد على أن المساعدات الخارجية لا تمثل الحل لمشاكل اليمن ولايمكن أن تكون بديلا عن قيام اليمن بترتيب أوضاعه الداخلية والاعتماد على نفسه من خلال تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية شاملة وكل ما توفره تلك المساعدات هو إتاحة الوقت المطلوب والمساحة المالية لتنفيذ ذلك.
أما الفرصة الأخرى التي يجب استغلاها فتتعلق بتوفر عملية سياسية تشاركيه والحوار الوطني الشامل الجاري الترتيب له. إن العديد من القضايا الاقتصادية والمالية الأساسية تتطلب تضافر جهود كافة الأطراف لمعالجتها ووجود قناعة مشتركة بأهميتها والعمل بروح موحدة نحو دعم اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية حيالها ودعم آليات تنفيذ ومتابعة تلك القرارات. سيطرح في الحوار الوطني قضايا سياسية ولكن الحوار الوطني يجب أن يتطرق أيضاٍ إلى قضايا تمس الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وتؤثر على قدرات الدولة في توفير الخدمات والبنية التحتية التنموية بل وحتى قدرته على دفع المرتبات والأجور واذكر هنا قضايا مثل إصلاح وتأمين أنابيب النفط والغاز والتي تمثل عصب الاستدامة المالية للحكومة وكذلك طرح قضايا لا تقل أهمية مثل الالتزام الضريبي بالقوانين النافذة و معالجة الاختلالات الهيكلية في موازنة الدولة وكذلك الحوار الجاد المثمر حيال التفاف مجتمعي رافض لتصرفات شاذة مثل تدمير البنى التحتية الأساسية كالكهرباء وتفشي المظاهر المسلحة.
بقي القول: أن اليمن اليوم أمام مفترق طرق ونحن على أمل أن تْـستغل العوامل الايجابية المتاحة والموارد البشرية والطبيعية الغنية المتوفرة خير استغلال لبناء مستقبل واعد بالخير لشعب أصيل صاحب حضارة ضاربة في عمق التاريخ.

الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي

قد يعجبك ايضا