كمران قبل أن تصبح جزيرة مهجورة


الحديدة/ فتحي الطعامي –
يتزايد النزوح من جزيرة كمران جوهرة البحر الأحمر وحاضرة التاريخ ومقصد الغزاة والسياح على حد سواء .. بسبب ما يعانيه ابناء الجزيرة من انعدام لمياه الشرب والتي اصبحت تشكل هاجسا مخيفا لأبناء كمران .. فهم بين خيار البقاء في الجزيرة والصبر على انعدام الماء وشرائه من بعض المناطق الساحلية بأثمان كبيرة أو النزوح الى إحدى القرى والمديريات الساحلية لقد تناقص أعداد القاطنين في الجزيرة واليوم ينزحون ولسان حالهم يقول والله إنك لأحب البقاع الى قلبي ولولا انعدام الماء ما نزحت.
على بعد حوالى 6كم من مدينة أو ساحل الصليف وعلى بعد ميل بحري من شمال رأس عيسى ميناء تصدير النفط. تقع جزيرة كمران من أهم الجزر الملاحية في البحر الأحمر.. تمتاز بموقع استراتيجي سياحي وأمني فريد كما تعتبر متنفساٍ طبيعياٍ وساحراٍ وتتمتع بمواصفات تجعلها من أرقى المحميات الطبيعية محاطة بشاطئ واشجار المنجروف والنخيل يقطنها الآن ما يقارب من 2500 نسمة بعد أن كانوا قبل عقد من الزمن 11000 نسمة اضطروا الى الهجرة والنزوح بسبب الظروف المأساوية التي تعيشها الجزيرة يعمل معظم أبنائها في صيد الاسماك يقول الأهالي ان جزيرتهم تعتبر منطقة سياحية من الطراز الأول إذا ما اهتمت بها الدولة

ملكة بريطانيا قضت فيها شهر العسل
> وسبب موقعها الاستراتيجي ولأهميتها البحرية جعلها قبلة للسياح والطامعين على حد سواء .. ففيها قضت الملكة اليزابيت شهر عسلها في خمسينيات القرن المنصرم ذلك لما تتمتع به الجزيرة من أجواء طبيعية نقية وجمال خلاب .. وكانت كمران ايضا وجهة المحتلين البريطانيين في بداية القرن السادس عشر الميلادي ومن بعدهم العثمانيين والذين استخدموها كموقع عسكري مهم يتحكم في الحركة البحرية ومنه يتم انطلاق الحملات الحربية العسكرية إلى البر .. وما تزال آثار تلك الحملات حاضرة وشاهدة على ما شهدته كمران من حضور للغزاة والمعتدين..

بين إهمال المسئولين .. ولوبي الفساد .. يعطش أبناء كمران
عاني أبناء كمران منذ عشرات السنين من العطش بسبب انعدام محطة تحلية او أنبوب مياه كما يطمح اليه ابناء الجزيرة .. هذا الوضع دفع بأبناء هذه الجزيرة الى شراء الماء من الصليف بأثمان ومبالغ باهظة الأمر الذي دفع بالمئات من أبنائها الى النزوح والهجرة بحثا عن الماء فالبعض منهم توجه الى المدينة (الحديدة) والبعض الآخر توجه الى الصليف أو رأس عيسى بحثا عن قطرة ماء .. يقول المواطنون أن محطة التحلية التي نفذتها الدولة في الجزيرة منذ ما يقارب عشر سنوات لم تعمل منذ ان وطأت الجزيرة لأن المحطة لم تكن صالحة للاستعمال .. وأن هناك عملية فساد تعتري صفقة محطة التحلية (الكنداسة).
المحطة والتي كلفت الدولة عشرات الملايين لم تعمل منذ يومها الأول رغم محاولات الاصلاحات المستمرة والعمليات الترميمية التي يقوم بها المجلس المحلي..
تقارير رسمية تؤكد ان هناك مخالفات قانونية في تشكيل لجنة الفحص المختصة بمعرفة وضع المحطة وإهمال اللجنة وتقصيرها حيث قامت بالفحص في ميناء الحديدة فقط دون التشغيل في الميناء أو عند وصولها إلى الجزيرة إلى جانب أن المحطة لم تكن حسب المواصفات المتفق عليها وتشير التقارير الرسمية الى أن الصيانة المتكررة التي تم القيام بها تسبب في إلحاق الضرر بالمال العام إذ ان هناك مبلغ مليون وسبعمائة وثلاثة واربعون الفاٍ وسبعة وتسعون ريالاٍ كرسوم جمارك تم استلامه من المورد رغم اعفائه من قبل قيادة المنطقة الشمالية الغربية ولم يعلم اين مصير هذا المبلغ لعدم توفر الوثائق الكافية.
وأوضحت التقارير المرفوعة الى وزارة الإدارة المحلية قبل سنوات ان هناك تلاعباٍ واهمالاٍ وتجاهلاٍ في هذا الشأن من قبل هيئة الجزر بدءاٍ بعقد الاتفاق مع الجهة الموردة للمحطة وانتهاء بالحالة التي آلت إليها حيث كان من الأحرى بالهيئة الإشراف والمتابعة المستمرة لعملية التشغيل الأولى لمدة «أسبوع» على الأقل للتأكد من سلامة ادائها ومتابعة المورد لإصلاح اي خلل يحدث وكل هذا لم يحصل مما سبب إلحاق الضرر بالمال العام والمصلحة العامة وحرمان سكان جزيرة كمران من الاستفادة من هذه المحطة .. هذا جزء من الفساد الذي يتحدث عنه أبناء جزيرة كمران الذي تسبب في وضع انساني كارثي لهم بسبب انعدام الماء الى وقتنا الراهن..
واليوم يطالب سكان الجزيرة بالعمل على حل مشكلة المياه ولن يتم ذلك إلا بمد أنبوب من رأس عيسى حتى جزيرة كمران لوجود مياه جوفية في رأس عيسى وكذا لقربه من الجزيرة مسافة 1 كيلو متر فقط وهو ما طالبت به اللجنة البرلمانية التي زارت الجزيرة أواخر العام الماضي للوقوف على وضع الجزيرة .

أنبوب الماء والوعود الوردية
> يقول الأهالي في جزيرة كمران والذين أصبح عددهم لا يتجاوز 2500 فرد بعد أن كانوا أكثر من 8000 فرد قبل عقد ونيف يقولون أنه ومنذ ان اقتنع المسئولون في المحافظة والدولة بعدم جدوى الترقيع في مسألة إصلاح محطة التحلية.. ركز المسئولون على إطلاق الوعود بإنشاء أنبوب يمد جزيرة كمران بالماء من منطقة رأس عيسى وبين الحين والآخر يؤكد المسئولون في المحافظة والدولة على ان المناقصة أو الدراسة أو المناقشة جارية للبدء في عمل الأنبوب..!! إلا أن أيا من ذلك لم يصبح حقيقة.. وأصبح المواطنون في الجزيرة يعتبرون تلك الوعود كلها أوهاماٍ.. فهم اعتادوا على تهدئتهم طوال الفترات الماضية بتلك المسكنات التي ما عادوا يصدقونها..
وإضافة إلى أن دبة الماء في كمران أصبحت أغلى من دبة البترول.. إلا أن العديد من الخدمات المرتبطة بحياة الناس غائبة أو منهارة فخدمة الكهرباء لا تكاد ترى إلا قليلاٍ من الليل فالجزيرة تعتمد على مولد كهربائي يعمل من الساعة الـ8 مساءٍ حتى الـ3 فجراٍ فيما بقية اليوم يعيش المواطنون على نور الشمس وطاقتها بالرغم من توصيات برلمانية سابقة بإلزام وزارة النفط بزيادة مادة الديزل للمولد الكهربائي الحالي بما يكفل تشغيله لمدة 18 ساعة وذلك أيضاٍ لم يتم تنفيذه عدا اعتماد 10 آلاف لتر شهرياٍ من قبل المجلس المحلي بالجزيرة وفي الجانب الصحي فإن المديرية تعيش وضعا مأساويا حيث أنه لا يوجد دكتور واحد للجزيرة..
وبالرغم من اعتماد أبناء جزيرة كمران في لقمة عيشهم على الاصطياد إلا أنهم يشكون من تدني الرقابة البحرية والسماح لشركات الصيد المصرية وفي الفترات الماضية والتي كانت تقوم بالتفجيرات للمزارع البحرية داخل البحر وبعضها تعمل عملية جرف شبيهة بمحرثة المزارع التي تجرف الأخضر واليابس مما تسبب في انقراض الكثير من الأسماك واختفائها تماما خاصة وأن الصياد اليمني يقوم بالصيد بالطريقة التقليدية ليحصل باليوم على 150 إلى 200 كيلو وفي المقابل يحصل المصريون على كميات كبيرة تضاف الى ما يقومون به من عبث في المزارع البحرية..

معالم وآثار تشكو الإهمال والاندثار
> تشكو المعالم التاريخية والخدمية في جزيرة كمران من وضع خطير إذ ان العديد منهم أصبح في واقع سيء فمطار كمران والذي بناه البريطانيون لم يعد صالحاٍ اليوم للاستعمال وما عاد هناك رحلات تقلع منه رحلات جوية دولية إلى جيبوتي والحبشة وبومباي كما كان بالرغم من وجود مدرج وصالات استقبال وانتظار ومغادرة.
أما المعالم التاريخية فليست بأحسن حال فقصر الملكة البريطانية اليزابيت التي قضت فيه شهر العسل وهو قصر أثري يجذب كثيراٍ من السياح والزوار لمكانته إلا أن إهماله حوله إلى «خرابة» غابت عنه رمزيته التاريخية السابقة أما المسجد الأثري التاريخي المعروف بمسجد الجبانة فإنه يشكو الإهمال فهذا المسجد الذي بني في سنة 921 هـ كما يقول أبناء كمران أصبح حاله لا يسر يمنياٍ أو زائراٍ فجدرانه تشققت ومعالمه تساقطت دون أن تقوم الجهات الرسمية أو الوزارة المعنية بأي عمل تجاه الحفاظ على هذا المعلم التاريخي والأثري..
قلعة كمران التاريخية التي بنيت قبل الاسلام أثناء الاحتلال الفارسي لليمن وامتازت بجمالها الرائع والجانب الهندسي المتميز هي أيضا تشكو الإهمال والتدمير يقول الأهالي أن هذه القلعة تعتبر من أهم القلاع التاريخية اليمنية من حيث التاريخ والشكل وهو الأمر الذي جعل الأيوبيين والبرتغاليين والعثمانيين يقومون بإعادة ترميمها الا أن الدولة اليمنية لم تلتفت إليها ولم تلق لها أي اهتمام.
اما غابة كمران والتي تبلغ 20% من مساحة الجزيرة توجد أشجار «المنجروف» جذورها تقوم عند نباتها بفلترة المياه المالحة وتحويلها إلى مياه عذبة إلا أن الإهمال وعدم الترويج لها سياحياٍ أدى إلى انقراض الحيوانات والطيور النادرة عدا قليل من الغزلان.. بالرغم من التوجيهات الرئاسية المتمثلة في الاهتمام بالغابة وتحويلها الى محمية طبيعية إلا ان ذلك القرار لم يطبق الى يومنا هذا..

صرخة أخيرة
> اليوم يأمل أبناء جزيرة كمران أن تتغير أحوالهم مثلما تغير الوضع السياسي في البلاد .. ويأملون أن يلتفت اليهم الرئيس التوافقي وحكومة الوفاق للنهوض بالجزيرة والحفاظ عليها أو على ما تبقى منها .. وعمل آلية لتحويلها الى جزيرة سياحية حتى ينعم أبناء الجزيرة والدولة على حد سواء بتلك العائدات ويؤكد ابناء جزيرة كمران أن عدم الالتفات اليها ربما يؤدي بالجزيرة الى وضع غير جميل يخسر اليمن من خلاله جزيرة سياحية لا مثيل لها في البحر الأحمر ويخسر أبناء كمران جزيرتهم لأنهم سيقررون حينها الهجرة..

قد يعجبك ايضا