بالأمس كثيرا ما سمعت جدي يقول بأنهم كانوا – في القرية – يتسامرون على ضوء القمر .. تعجبت : أي سمر هذا الذي يحلو في الظلام ! كنت أنظر إلى السماء من نافذتي كل مساء حتى في الأيام المقمرة .. سماء مظلمة تتلألأ فيها النجوم والقمر يكمل استدارته بعيدا عنا شامخا في قلب السماء .. يوما بعد يوم يختفي ضوؤه ليصير هلالا ..أظل أتساءل عن الإلهام الذي يأتي فيبدع فيه الأدباء .. كيف لهم الاستمتاع في الظلام الذي يبعث الاكتئاب .. أجدادي يتباكون على تلك الليالي الجملية حيث الطبيعة النقية وملتقى الأحباب .. وأن هذه الجدران سجن وإن زخرفت بأبدع الألوان .
اليوم توالت على بلدي الكروب والأزمات .. أزمة نفط وكهرباء وغاز وماء وغلاء ..جاءت (عاصفة الحزم) لتدمر ما تبقى من أمن البلاد .. كنت ملقاة على المرتبة ونظري شاخص في السماء التي تظهر جلية من النافذة المفتوحة … جمال الطبيعة العليا والقمر يقارب الاكتمال ..حيث انقلبت الآية .. الداخل حولي يشكو الظلام الدامس منذ أيام .. السماء متوهجة تسبح بحمد ربها بضياء يملأ الأفق جمالا وعظمة ..لم تعد السماء مظلمة كما كنت أراها ومن حولي إضاءة الكهرباء .. بل ضياؤها يشعرني بنور الفجر وزرقة السماء حتى السحاب ناصع البياض يمر من أمام القمر دون أن يصيبه بأذى أو يخدش منه الحياة .
صعدت إلى السطح لأعقد صداقة مع القمر .. له عنفوان وجمال مثير لانتشال النفس العليلة وجعلها تحق في السماء .. يمحو الهموم ويطري القلب ويزرع الألفة والحنان .. ينبثق من وجهه كل أنواع الفنون ..ففي مخيلتي أرى الإبداع يحلق حولنا فيخرج الشعر شعرا والنثر نثرا جزيل الألفاظ غزير المعنى .. الموسيقى تطرب الأسماع لحنا .. وأجمل القصص تنسج من الأحداث ثوبا تطرز أفواه المتحدثين .. ما أجمل القمر في السماء ..نوره يثلج الصدر ويذيب هموم الحياة .. استنشقت قدرا من الهواء ملأ رئتي .. تأملت القمر جيدا وعدت للداخل المظلم .. أدعوهم إلى السطح لنكمل السمر على ضوء القمر .