فرحة استلام الراتب تتبخر بعد يومين

ثلاثة أيام أو أقل هي جل ما يستطيع الموظف اليمني الشعور فيها بالسعاة هذه الأيام إنها أيام آخر الشهر حين يتسلم راتبه الذي انتظره 27 يوما أو أكثر وحينها تذهب تلك السعادة مع إنفاق آخر فلس في مصروفات المنزل ليعود لحالة (الحراف) من جديد ضمن دائرة مغلفة تصيبه بالهم والغم طيلة الشهر معاناة الموظفين أصبحت تفوح ليلا نهارا وهي معاناة يقول خبراء الاقتصاد الاجتماعي أنها تتفاقم وعواقبها خطيرة على الأسر والمجتمع اليمني لأنها تصيبه في مقتل دون أن تحرك الجهات المسئولة ساكنا أما السبب فهو أن الدخل يقل عن الاحتياجات بـ200% .

تقول أحدث الدراسات الاستقصائية: إن حديث موظفي الدولة عن أن الراتب الذي يتقاضونه أخر الشهر لم يعد يكفيهم لتوفير لقمة العيش  انه حديث ليس للمزاح ولا للمبالغة أو التهويل بل هو حديث واقعي ومؤكد وفعلي مجرب في كل منزل يتكون أفراده من خمسة أنفس أما من يزيدون من أنفس عن ذلك فهم تحت خط الفقر.
لكن هذا الحديث يعرفه كل الموظفين الذين يستلمون رواتب آخر الشهر من الدولة فأين هي الدولة وأين حكام البلد من هذه المعاناة  عليهم أن يفيقوا مما هم فيه من التغافل عن تحسين مستوى معيشة الناس تلك المسألة الأهم والأجدر بالحديث في عالم السياسة لأن الناس عند هذا المستوى سينقرضون بالغم والحزن وربما عقب ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية والاستهلاكية حاليا بنسبة 40% لن يكتب لهم الحياة ليصفوا معاناتهم.
مهمة الحديث
للحديث عن المقدار الذي يغطيه الراتب لموظف حكومي تتبعنا نفقات ثلاثة من الموظفين في أمانة العاصمة صنعاء احدهم مدرسا للفيزياء والثاني جندي في الجيش والثالث موظف إداري بوزارة الشئون الاجتماعية وكانت تجربة تتبعنا من خلالها مستوى الإنفاق من الراتب الذي يتم تسلمه آخر الشهر .
مقياس
يتسلم المدرس عبد الله 73 الف ريال فهو بكالوريوس وفي المستوى السابع اما موظف الشؤون الاجتماعية إبراهيم فيستلم 63 الف ريال ويتسلم الجندي حسين محمد 43 الف ريال .
قيم المصروفات
ينفق المدرس 20000 ريال إيجار المنزل و5000 فواتير الكهرباء والماء وتلفون ولهذا فحوالي 33% من راتبه مخصص لنفقات السكن كما ينفق على شراء الخبز وحده 700 ريال يوميا بما يصل إلى 21 الف ريال في الشهر وحوالي 15000 الف ريال لمستلزمات الأكل الأخرى من البقالة و8000 ريال خاصة بالخضروات ويتبقى لديه حوالي 4000 ريال من راتبه يخصصه لنفقات جيب وللأولاد وهو مبلغ زهيد جدا ينفقه خلال يومين بعد استلام الراتب.
اما الموظف في الشؤون الاجتماعية فيقول انه ينفق حوالي 13000 ريال في شراء الخبز والروتي طوال الشهر وينفق 5000 ريال فواتير الماء والكهرباء والهاتف أما مستلزمات أكل أخرى كالخضروات والفواكه واللحوم فتكلفه حوالي 15000 ريال ولاينفق أي مبلغ للسكن حيث يسكن مع والده لكنه يساعد والده ب10000 ريال شهريا وينفق أيضا حوالي 5000 ريال في شراء القات وحوالي 5000 ريال كمواصلات ويبقى معه مصروف جيب 10000 ريال ينفقها خلال أسبوع.
أما الجندي فينفق حوالي 12000 للسكن والماء لأنه يسكن في منزله في اطراف العاصمة ويستهلك موادا غذائية بحدود 12000 ريال وكمواصلات 5000 ريال و2000 ريال لفواتير الهاتف ويشتري لحمة بعض الأحيان بحدود 2000 ريال ومصاريف جيب ب10000 ريال ينفقها خلال أسبوع .
الخبز
ما يلفت النظر إلى موازنة الأسر إن الخبز يعتبر الآن السلعة الأهم الواجب توفيرها يوميا بواقع ثلاث وجبات’ ويقول تقرير للبنك الدولي أن اليمنيين ينفقون حوالي 30% من دخلهم على الخبر والذي يعد المادة المهمة للأكل وبتتبع هذا التقرير على ارض الواقع عدنا للثلاثة الموظفين وسألنهم عن الإنفاق على الخبر كم يعادل بالضبط حيث أفاد المدرس ان لديه أربعة أولاد ولهذا تتكون أسرته من 6 أفراد هؤلاء يحتاجون ب200 ريال في وجبة الإفطار و300 ريال في وجبة الغداء و200 ريال في وجبة العشاء وهذا كله على اقل تقدير أي 700 ريال أي انه ينفق شهريا 21000 ريال لكنه في الواقع ينفق ما يزيد عن 25 الف ريال لانه يشتري أحيانا في ابسط الحدود ملوح وخبز طاوه أيضا وهي نحو 30% من راتبه البالغ73 الف ريال.
أما الأسر التي يبلغ عدد إفرادها 8 أنفس فيقدر أنهم يشترون ب400 ريال في وجبة الفطور و500 لوجبة الغداء و400 ريال لوجبة العشاء أي 1300 ريال يوميا بواقع 39 الف ريال شهريا وهذا طبعا للعلم فإن سعر الخبزة الواحدة من الخاص ب15 ريالا وحبة الروتي الفرنسي 20 ريالا والكدم ب20 ريالا للحبة الواحدة.
الواقع
هؤلاء الموظفون ينتهي النقد من أيديهم خلال خمسة أيام إلى 10 أيام من الشهر وعندها يشعرون بالأسى والحزن حيث يبقون حبيسي المنزل والعمل فقط لا يستطيعون الحصول على دخل من غير رواتبهم ويقول الموظف بوزارة الشؤون الاجتماعية إن الراتب لم يعد يكفي لنفقات الأسر لمدة أيام بسيطة نظرا لارتفاع تكلفة السكن من ناحية وتكلفة المعيشة من ناحية ثانية وبالتالي تستقطع هذه النفقات حوالي 70% من راتب الموظف شهريا.
مشكلة
هناك مشكلة تبرز لدى الموظف وتتلخص انه لم يعد يستطيع التفكير في اقتناء أي شيء خارج إطار توفير مستلزمات الكل والشرب له ولأسرته ويقول المدرس عبد الله إن الوضع أصبح صعبا جدا على محدود الدخل كالمدرس والموظف الحكومي الذي لا يوجد لديه دخل سوى راتبه ويشير إلى انه كمدرس لا يوجد لديه سوى راتبه والذي ينفقه في غضون خمسة أيام فيما يكافح أحيانا لعمل دروس خصوصية يحصل منها على مبالغ بسيطة كل شهر.
وهناك مشكلة أخرى تكمن في ارتفاع تكاليف المعيشة على الأسر اليمنية في الوقت الراهن حيث تشير دراسة أعدها خبراء اقتصاد عن تأثير الأوضاع السياسية على مستوى معيشة الناس إلى أن نفقات الأسر تتركز في الوقت الراهن على المواد الغذائية بنسبة 33% والسكن في المناطق التي لا تتوفر فيها مسكن خاص ملك للموظفين ب30% ونفقات الفواتير والعلاج ب24% ومستلزمات الدراسة ب10% فيما نفقات أخرى تأخذ الباقي .
وحددت الدراسة جملة من النفقات لم تعد الأسر اليمنية تهتم بها كشراء ملابس جديدة وأحذية والترفيه والسياحة وشراء الكماليات والأجهزة الحديثة إذ تقول ان تركيز الأسر ذات الدخل المحدود يقع حاليا حول سبل توفير لقمة العيش وتأمين المعيشة لا أكثر ولا اقل.
الحلول
تطالب الأسر اليمنية أن ينظر إلى وضعها المعيشي بعين العدل من قبل السياسيين في هذا البلد فالبلد التي يعيش أزمة تلو أزمة في إطار السباق على الوصول للحكم لم يكن منهم الالتفاف لمعيشة الناس والعمل على تحسين مستوى معيشتهمفطول أكثر من عقد والمكايدات السياسية تتفجر بين الفرقاء كل يريد الوصول للحكم والثروة ليستأثر بها دون غيره ولم يجد الشعب اليمني أي عدالة في توزيع الثروة وفي توفير ابسط مقومات الحياة له.
يقول المدرس عبد الله إن المدرس لا يحصل على تأمين صحي ولا يوجد له بدل سكن أو بدل مظهر أو بدل غذاء وتقوم الدولة بإرساله للعمل إلى مناطق بعيدة وفي الأرياف وحتى في المدن التي تكون مستوى المعيشة فيها مرتفع ولا يدفع له سوى راتبه وهذا عين الظلم كما يقول أيضا الجندي بنفس الكلام فهو لا يتلقى أي مبالغ للعمل الإضافي ولا يحصل على أي مستحقات أخرى كبدلات تشجيع وغيرها.

قد يعجبك ايضا