موجيتوس رواية من 200 صفحة.. صادرة في 2015عن مؤسسة حورس الدولية. مصر .. للروائي الإسكندراني المتجدد سردا ونقدا منير عتيبة.
الكاتب بمحاولاته ارتياد أساليب سردية مغايرة .. إضافة إلى أن الكاتب عالج فيها عدة مواضيع في غاية الأهمية.. حين يعود بنا إلى الزمن الأندلسي .. مستعرضا صلة الأخلاق والقيم الإنسانية بالدين. وألبس موضوعه ثوبا سرديا غير تقليدي. من حيث أسلوب الحكي وتعدد الأصوات ليصنع بدراية الخبير حبكات حكائية متعددة.
وقد استمعت إلى ما قيل حول الرواية عند حضوري حفل توقيع الرواية في الإسكندرية شهر مايو الفارط.. أكثر من متداخل في هذا العمل .. مشيدين بقدرة الكاتب على الوصف والغوص في عوالم شخصياته. إلا أن كلمة الكاتب أضاءت للجميع جوانب هامة لظروف كتابة الرواية. شارحا أهمية الموضوع.. وكيفية اختياره .. لتطابقه مع ما نعيشه في أيامنا من رعب انتشار الفكر الإرهابي والجماعات المتطرفة باسم الدين لتجتاح دولا وتهدد مجتمعات بأكملها.. ليجد العالم نفسه أمام حرب ضد هذا الفكر الذي لا يمت بصلة إلى قيم الخير والعدالة التي جاءت بها الأديان.
موضوع الرواية حدث منسي من أحداث التاريخ . يقدم فيه مجموعة من المغامرين .. ممن يرون أن الدين مطية يصلون بها إلى غايات غير دينية من أبسطها استعباد الناس باعتبارهم هم وما يملكون غنائم.. ولذلك كان الغزو وسيلتهم .. ومن حصون بنوها لينطلقوا منها يسومون السكان أصناف العذاب والإذلال.. ونهب وسلب وقتل من يخالفهم .. ومن لم يخالفهم.. لم يكن العشرين مغامرا قد خرجوا من الأندلس لغاية نبيلة.. ولم يكونوا الوحيدين فيما يسلكون لكنها سمة وقواعد متعارف بها لشعوب ذلك العصر.. أن للغالب والقوي كل ما يريد صنعه في الضعيف والمهزوم.
ويهمنا هنا الأسلوب المتميز للكاتب في هذا العمل.. الذي يلفت ويثير الإعجاب وهو ما سنقترب منه في مقاربتنا القصيرة هذه.. حيث يقدم لنا فكرته أو أفكاره بكيفية مختلفة. وهذا ليس جديدا عليه فقد تابعناه في أعماله السردية السابقة وهو يحاول التجريب .. وتقديم أساليب جديدة باحثا عن آفاق جديدة .. وفي هذا العمل قدم لنا ما يمكن أن نطلق عليه أسلوب متواليات البناء الحكائي بأسلوب نسج لوحات سردية تتشكل داخليا في أشكال فسيفسائية أو تشظي حكائي. مستخدما في ذلك عدة رواة لتقديم هذا العمل المتميز.. ففي الوقت الذي تروي كل شخصية حياتها وما تقوم من أعمال.. يبرز صوتاٍ آخر داخل الحكاية الجزئية وكأننا أمام أصوات مرتبة ترتيباٍ بؤرياٍ مشوقاٍ..وهكذا تتوالى الأصوات لتضج صفحات الرواية بزخم مثير من الأصوات الحكائية المتتابعة والحكايات المتشرنقة .. محولا تلك الأصوات إلى أصوات تدين عصرها وفكر الغزو الذي تنتهجه.. وذلك ما يمثل جداول حكائية ترفد مجرى نهر الرواية حتى نهاية مصبها.
فرواية من 200 صفحة تضم ما يقارب من أربعين شخصية فاعلة .. تتداخل حكاياتها لتغيم الشخصية المحورية وتبرز عدة شخصيات تمثل كل منها عوامل روائية مكتملة.. وهذا العدد من الشخصيات يستحق الوقوف والتأمل في ما صنعه الكاتب وكيف استطاع الإمساك بكل خيوط تلك الشخصيات دون انقطاع أي خيط . ليظفر حكاياتها المتداخلة..في الوقت الذي يمكن أن نقرأ كل شخصية بشكل مستقل ويمكننا قراءتها ضمن نهر الرواية إجمالا.
ومن خلال ذلك الكم الكبير من الشخصيات يتساءل القارئ: من تكون الشخصية المحورية للرواية: الفتى مجاهد.. مجاهد.. “موجيتوس” أم كريستينا “ماريا” .. صبح .. عبد الرحمن بن سالم.. الغافقي ..الطماشكة.. البلوطي.. أمير البحار يوسف.. الشريف هرمان.. عثمان السندي .. سعيد الاشبيلي.. هشام بن عبد المعين.. عيسى بن احمد.. موسى بن الحكم.. ابراهيم بن عامر.. خلف الصقلبي.. والقائمة تطول. أم أن الكاتب أراد أن يكون الموضوع هو الشخصية.. أم أنه المكان الممتد من الأندلس إلى شمال إفريقيا إلى جزر وسواحل المتوسط إلى أنهار وقلاع وجبال أوروبا. فأي الشخصيات يمكننا الجزم بأنها الشخصية المحورية.
وإضافة إلى ما ذكرناه سابقا دعونا نتساءل: ماهي رسالة الرواية ¿ هل تقديم فكر الأندلس أم الطبيعة الخلابة.. أم الجغرافية بمدنها وبحارها التي قدمتها الرواية بخيال يرتكز على الواقع الجغرافي الذي نادراٍ ما يتغير. أم هو الفكر الذي يعتقد البعض بأن الدين يحمله في الغزو والقتل تحت مفهوم الجهاد. قد نختلف ويقول قارئ أنه يقدم حقيقة الغزو وطبيعته الدموية.. وما ينتج عنه من فظائع وجرائم بحق الإنسانية وباسم الدين.. وتلك الغنائم والسبايا.. مقدما لنا ما يدور في أيامنا من فكر إرهابي مخجل لفهم الدين بالمنفعة والكسب ليس إلا المغلف بالمقدس.. أو بنشر الدين عبر العنف والإكراه كذبا وظلما.
موجيتوس رواية مختلفة في سياقاتها السردية. حكايات متعددة من حيث تنوع الأصوات. وتقنيات مدهشة يقدمها الكاتب ضمن تجربة طويلة من التجريب المتواصل.. وهو القائل أن الفكرة مهمة ولكن الأهم كيف نقدمها.
وهذا ما خطه الكاتب من أسلوب مبتكر في هذا العمل .. ما يتصل بتجربته في أكثر أعماله السردية.. وأحسب بأنه يهتم بكيفية الحكي دون إهمال المضمون بفنيات تقدم رسالة العمل صيغيا وشكليا .
وسيدرك القارئ أن رواية موجيتوس قامت على قاعدة اللوحات الحكائية المتصلة.. عبر تنوع أصوات الرواة.. فالروائي قدم لنا شخصياته كجزر حكائية تقترب من بعضها وتبتعد لتقترب من جديد.
وعودة على بدء.. أسأل نفسي :من الراوي¿ هذا السؤال صاحبني في بداية صفحات الرواية.. هل هو عليم أم مشارك¿ لتكتشف بأن الرواية كما تطرقت سابقا تحكيها شخصيتها المتعددة.. ليدفع الكاتب بالقارئ للشعور بأنه أحد شخصياتها.. بل كل شخصياتها فما أن يتغير الصوت حتى تكون أنت هو.وأنت تعايش عواطفه.. وآماله وصراعاته ولينه وقسوته وعقيدته.
وإذا تطرقنا إلى العناوين الفرعية..أو الداخلية مثل: بداية.. الرجل رقم عشرين.. العشرين في فراكينسستوم.. كريستينا.. خلف الصقلبي.. صفي.. علي.. كريستينا..عيسى بن أحمد.. كريستينا.. عبدالله البلوطي.. سعيد الإشبيلي , موسى بن الحكم.. كريستينا, حسان الغافقي.. أمير البحار يوسف..كريستينا.. هشام بن عبد المعين.
سندرك أن الكاتب يدعو القارئ لمشاركته في لعبة شبيهة بالمتاهة.. متاهة تتداخل فيها الحكايات والشخصيات والمسميات الجغرافية .. والمعلومات التاريخية.. وتلك المفردات المعجمية المستخدمة في ذلك العصر.. ولم يبخل علينا بالأشكال السردية التي أجاد نحتها لكل شخصية.. كل يقدم لنا حكايته أو نظراته لما يدور من الزاوية التي ينظر منها لما يجري.
وإضافة إلى ما ذكرنا يمكننا ملاحظة التالي: تتضح أحداث الرواية بالقسوة.. والتدمير.. وكأن تلك الأحداث تقرب لنا حياة المجتمعات في ذلك العصر.. وقيمهم وأخلاقهم.
استسهال موت الشخصيات.. ذلك الانطباع الذي يتركه موت الشخصيات ببساطة.. أيضا يكرس انطباع عدم وجود قيمة للفرد في ذلك الوقت.. بينما روائيا ينتظر القارئ تطور وتنامي أدوار بعض الشخصيات لأهمية موقعها في أحداث الرواية.. ليفاجأ بموتها ما يترك انطباعا سلبيا على ذائقة القارئ الذي تمنى تطور تلك الشخصيات وليس إنهاءها بموت دون أسباب قوية.
يمتلك الكاتب خيالا جامحاٍ .. فبرغم أن الأحداث التاريخية وكذلك الشخصيات والمواقع الجغرافية تثقل على الروائي بفرض قيود تتمثل في الصياغة التقريرية والوصف الجاف.. إلا أن الكاتب تحرر من كل ذلك ليحلق بخيال مدهش مبتكرا أحداثا وشخصيات وحكايات شتى.
ومن ذلك تلك الحكايات الصغيرة .. أو المنمنمات القصصية الداخلية في الصفحات : ..34..77.. 76..84..111..105.. 344.. وغيها.
هي تحية لرواية أدهشتني .. وككاتب أستفيد من بعض جوانبها الفنية.. فشكراٍ للمبدع الخلاق منير عتيبة الذي يمتعنا دوما بجديد نتاجه.. ونهامسه: ننتظر جديدك بغاية الشوق.