العلامـات السيميائية في المجموعة القصصية ” لسان الأخرس ” 1-3

إذا كانت السيمياء تدرس وتبحث عن العلامات والرموز بمختلف أنواعها ” عينية , اجتماعية , ثقافية ” ما دامت وسط المجتمع كرموز فإن المتأمل لأي نص يرغب بدراسته من خلال العلامات بوصفها دلالات ملفتة في النص المقروء خاصة وأن اللغة هي مجموعة من العلامات كما يقول : دي سوسير لذلك يتحول النص إلى مجموعة من العلامات والرموز التي لها حالاتها فتنتقل دراسة النص اجتماعية ولغوية ودلالية كما يقول : بنكراد وتبحث السيمياء عن المعنى من خلال البنية اللغوية المختلفة للغة والشكل والدلالة فينتج عن ذلك دراسة لمختلف العلامات سواءٍ كانت علامة أيقونة كصورة أو ما يماثلها أو دراسة العلامة الإشارية التي يكتشفها القارئ من خلال دلالة اللغة أو قد يلجأ القارئ لتأويل وتفسير المعاني الظاهرة والخفية من خلال تلك العلامات سندرس المجموعة القصصية ” لسان الأخرس ” وهي للقاص المغربي المتميز / عبد الله المتقي  وهو قاص متمكن من النص القصير جداٍ له أربع مجموعات هي(الكرسي الأزرق , قليل من الملائكة , مطعم هالة , ولسان الأخرس  التي هي موضوع دراستنا ) صدرت المجموعات عن مؤسسة النايا للنشر والتوزيع لبنان .
العنـــــونـــــــة
تشكل العنونة علامة سيميائية تختزل النص ومضمونه وتتميز بالدقة المكثفة والتي تدل على كونها ذاكرة للنص وتتحكم بالنسيج الداخلي كونها مختارة بعناية لتتناسب مع جنس الخطاب المسرود لتعكس جمالية ودليلاٍ مركباٍ للنص وعلامة داخلية تتكون من الاستمرارية التي يخلقها المضمون في المتلقي وفي الإشارات التي يرغب بعكسها المبدع ويشكل العنوان علامة خارجية من خلال المرجعية اللغوية للقاموس وما يعكس من دلالات تتعانق مع النص لتعطي مضامين داخلية وخارجية تشكل ترابطاٍ وتكاملاٍ يعكس قدرات المبدع ومضمون النص والرؤية التي يقصدها في مسكوتةعموماٍ .
والعنوان يشهر النص ويميزه ليكون علامة تجديد وعلامة اقتدار في التماسك والاتساق والمقصدية من الموقف الإبداعي لذلك فهو يطلع المتلقي على الشفرات المختارة في النص والتي ترسم بناءٍ متماسكاٍ من بداية النص حتى نهايته .
وإذا تأمل القارئ في عنونة المجموعة القصصية ” لسان الأخرس ” فإن المبدع عمد إلى عنونة النصوص بالمفردة الواحدة النكرة كمثل ( حب , مقام , سبابة , انسلاخ , ألم , مائدة , خصومة , شيخوخة , ندف , نهاية , ثلج … إلخ ) .
وأظن أن استعمال هذا الأسلوب في العنونة يعكس قدرة المبدع ويتناسب مع النص القصير جداٍ من حيث الاختزال والتكثيف خاصة وأن دلالة تلك العنونة جاءت متعددة تعطي إشارات سيميائية وظيفة اتصالية في نقل مضمون النص ونقل رؤية المبدع ويعكس خطاباٍ موازياٍ كمتن للنص فضلاٍ عن مواكبة السرعة في هذا العصر وتماشياٍ مع التحول الجمالي الإبداعي المتسارع في تجديد النص وسيراٍ مع معايير النص القصير جداٍ واستخدام المصدر والأسماء دلالة في ثبات المضمون وثبات الخطاب وربما ثبات ورتابة وجمود العصر .
ويمكن الاستدلال أيضاٍ بمحذوف في العنونة المستخدمة يقدر باسم الإشارة ( هذا  , هذه ) فتقول  : ( هذا ألم وهذه شيخوخة و هذا ثلج … إلخ ) .
بوصف هذا الحذف خاصية من خصائص النص القصير جداٍ ويعطي إيحاءات وتلميحات وإشارات وصور هي دوال سيميائية جديرة بالتأويل والقراءة خاصة والنكرة تتناسب مع الخطاب الصادم سواءٍ في البنى والتراكيب أثناء السرد أو من خلال الجرأة والمفارقة في نهاية القصة ليكون علاقة متشابكة في خطاب القصة عموماٍ واستخدم النص العنوان المركب ” حرب باردة  , سينما أطفال , سرير السرد , لذة السرد , قبر الأحلام … إلخ ”
وهذا العنوان المركب الإضافي فيه تحديد وفيه قرب من النفس والذات وأيضاٍ هو تنويع في فضاء الخطاب سواءٍ من ناحية الدلالة أو من ناحية الرمز ويعطي تعالقاٍ ما بين العنوان والنص ليخترق النص بكامله وهذا العنوان الإضافي يزيد من استقلالية العنوان وبذلك ينقل دلالته المستقلة إلى الدلالة المترابطة مع النص والمتكاملة معه فكان التنوع ما بين الدالة الرمزية مثل (حرب باردة) الذي ترمز إلى السرعة والتلهي ووسائل الاتصال وتحول الإنسان إلى كائن مستلب وسلبي تجاه نفسه وأسرته ويعطي هذا العنوان الإضافي شاعرية كمثل (سرير السرد , أريكة السرد) وهذه الدالة الشاعرية ممزوجة بالرمز بوصف الجزء الأول من العنوان ويرمز للمتعة والمرأة وصفاء الحياة وتسامي الروح والجزء الثاني قد يرمز للمبدع وللسرد نفسه وللنص أيضا. وفيه إعلاء من شأن السرد مما يجعل العنوان وحدة مترابطة وجزءاٍ لا يتجزأ من نسيج النص وقد ندر في عنونة المجموعة العنوان المتعاطف لأنه يعكس شيئاٍ من الضعف وإن كانت المقصدية والرؤية لا تقل عن تلك العنونة المفردة والمضافة .
خاصة وأن العنوان بناءٍ مدروساٍ ومرسوماٍ بتقنية عالية بالنصوص بلا اعتباطية لا معقولة ليعكس احترافية متقنة. وإذا ما تدارسنا العنوان للمجموعة كاملة ” لسان الأخرس ” عنوان مركبَ إضافي من ” لسان + الأخرس ” فاللسان آلة الكلام وهو وسيلة التخاطب والتحاور والتفاهم ونقل الإرادات والرغبات يتم عن طريقه وإظهار العميق المخزون المترسب في النفس واللسان معجزة وآية من آيات الله قال تعالى :{وِمنú آيِاته خِلúقْ السِمِاوِات وِالúأِرúض وِاخúتلِافْ أِلúسنِتكْمú وِأِلúوِانكْمú إنِ في ذِلكِ لِآيِاتُ للúعِالمينِ }الروم22
وبهذا الخطاب القرآني دعوة للتأمل في اختلاف الألسن ولغاتها خاصة وأن ثمة فروق ما بين الكلام وهو : ما يجري بين أشخاص أو مجموعة من الأشخاص. ويكون غير مرتب وتلقائي وعلى عواهنه وغير ملتزم بالقواعد لذلك قال تعالى في القرآن الكريم :{بلسِانُ عِرِبيُ مْبينُ }الشعراء195
فوصف اللسان بالعربية والإبانة دليل على الوضوح للسان خاصة وأن اللسان يخص أمة بعينها وله مميزاته وخصائصه وأصوله وقواعده وقوانينه وتلك الدلالات تعكس على العنوان مباشرة في الميزات والخصائص والأصول والقواعد وتعكس على النص القصير واستخدم الكاتب اللسان فوسم مجموعته ” لسان الأخرس ” ولم يقل ” لغة الأخرس ” بوصف اللغة عامة تتفرع منها الألسن المتفرقة والمتعددة والأخرس هو (من لا يفهم عنك ولا يتكلم). ليشكل العنوان جدلية ومفارقة مدهشة ما بين الخرس واللسان.
لذلك يتصف اللسان بالحدة قال تعالى :{ سِلِقْوكْم بأِلúسنِةُ حدِادُ أِشحِةٍ عِلِى الúخِيúر أْوúلِئكِ لِمú يْؤúمنْوا فِأِحúبِطِ اللِهْ أِعúمِالِهْمú وِكِانِ ذِلكِ عِلِى اللِه يِسيراٍ} الأحزاب19
فإن العنوان يحيل إلى إشارات رمزية سيميائية بوصف الأخرس لا يتكلم ولا يفهم ممن يتكلم إليه فأفتقد اللسان الملاسنة التي تكون بين أطراف مما يعمق رمزية العنوان ” لسان الأخرس ” يحيل إلى :
– القلم والكتابة بوصف القلم لسان أخرس متكلم والكتابة مقروء لسان ويمتد ويستمر ما امتدت الحياة واستمرت وقد يكون اللسان معادل .
– ويحيل اللسان إلى الرمز فهو معادل رمزي للنص فقط والأخرس للكاتب الذي قد يعاني من كهنوت معين أو استبداد ولا يفصح عما في نفسه وعما يختلج في صدره إلا عن طريق اللسان النص .
ولسان الأخرس لسان رامز ذو إشارة عميقة يستطيع أن يدرك الحياة ويعبر عن مضامينه بإشارة ورموز ليحيل العنوان إلى المجموعة بكاملها وإلى رؤى المبدع ورؤى النص والمبدع ولإعجاز اللغة والنص السري.
الســـريــــر
تكرر السرير في النص السردي وجاء متحولاٍ في الدلالات والمعاني ليشير إلى إحالة وعلامات من خلال سياقات النص ففي نص ” انسلاخ ” جاء لفظ السرير علامة للخوف والرعب وانسلاخ من الطبيعة المستقرة إلى طبيعة وسجية مرعوبة مشحونة بالخيال المخيف (في بيت النعاس كان هو نفسه يرقد على السرير , عيناه مثبتتان في السقف أستيقظ من نومه وهو يشعر برعب فظيع )صــ183 .
والمتأمل في النص من خلال عبارة ” هو نفسه ” فهو ليس المروي له بل ذلك المقتول الذي أزهقت روحه الذي جاء في أول النص لتكون العبارة منسجمة مع العنوان ” انسلاخ ” أي انسلاخ من الحياة الإنسانية إلى حياة متوحشة مرعوبة ملاحقة في أماكنها وهو السرير لذلك تولد منه إنتاج دلالة الرعب والخوف والانتقام والتأمل في الشفرات التي أعطاها النص ” هو نفسه , رعب فظيع , بيت النعاس , مثبتتان في السقف ” فتثبيت العينين في السقف علامة إشارية للموت خاصة ودلالة تلك الشفرات كلها عموماٍ تعكس دلالة الرعب والانسلاخ من الطمأنينة , لكن إذا تأمل القارئ نص ” سرير السرد ” 
” كانت الثلوج تدثر المداخن من السقوف
بمحض الصدفة يزغ رجل شتوي
كان كل شيء أبيض بالثلج
حيث تبدو امرأة بمعطف بنفسجي
وبين أصابعها سيجارة منطفئة
ويفكران في زجاجة نبيذ
وسرير من السرد ”  صـ185
ومن خلال المشهد السردي يمكن للقارئ أن يطلق على النص نص الدفء وسط البرود خاصة وإن السرد تحول إلى معادل رمزي للدفء الروحي والإنساني ومن ذلك تحول السرير إلى علامة للدفء وعلامة لرغبة الروح خاصة إذا ما قطع القارئ الخطاب إلى شيفرات ” بزغ رجل , معطف بنفسجي , زجاجة نبيذ ” وتلك الشفرات أو الشفرات علامة للدفء في وسط كثافة البرود ” رجل شتوي , كل شيء أبيض بالثلج –سجارةمنطفئة تبدد امرأة بمعطف ” هذه إشارات لكثافة الجمود والبرود في المحيط المادي والروحي لذلك كان رسم المشهد بصور مشهدية سردية لتعكس حالة من التأزم بلحظة تنوير ” سرير السرد ” لذلك كان سرير السرد علامة مناقضة للبرود وعلامة للتوافق والتواؤم والتسامي الروحي والتآلف والتوهج فهو بديل للثلج والشتاء والمعطف والإنطفاء فالنص كان مترعاٍ بالعلامات الإشارية التي تعكس الدفء والبرود وعلاقة الرجل بالمرأة 
فإن نصوص عبد الله المتقي ترسم السرد وتضيفه للجمال ….. فمن عناوينه ” أريكة السرد ” ليعكس علامة للمزاوجة ما بين الاعتلاء والتجدد والتوهج بوصف السيمياء تعطي تصورات تأويلية ودلالية واشارية وأيقونات بصرية فجمع النص السردي هذه المضامين السيميائية بأسلوب متميز وعميق حتى تشكل إثارة ذهنية وتأويلية لدى المتلقي ولأن السرير علامة للطمأنينة والاستقرار  والتآلف فإنه أيضاٍ علامة للرحيل وعلامة للوحشة والوحدة .
ففي نص ” بيت العناكب ” ومن خلال العنوان بوصفه علامة وأيقونة فإنه يحيل للوحشة والخواء . حيث يقول النص ” في أحلامها رأت سريراٍ من نسيج العنكبوت  , مخدتين كالقوقعتين ( لم تكن نائمة , ظلمة وضوء أصفر يتحرك على الأرض )
فالسرير يحيل إلى غياب الرجل الذي هجره مدة طويلة حتى نسجت عليه خيوط العنكبوت فهي سرير واهن ضعيف موحش لذلك اللغة تعكس جدلية في العلامات ” في أحلامها ” إشارة إلى السرير الخيال ولكن تأتي ” رأت سريراٍ ” على وجه الحقيقة ” من نسيج العنكبوت ” موحش مهجور خال من الألفة والدفء ليعكس أيقونة الرجل المهاجر مما يفضي إلى حضور الوحشة والضعف والوهن العاطفي وغياب الرجل والمرأة معاٍ فألمح النص للمرأة روحياٍ خاصة والشفرات اللونية تعكس نفسية الشخصية ” سرير من نسيج العنكبوت , مخدتين كالقوقعتين , ظلمة وضوء أصفر ” إنها ألوان الوحشة والموت والخوف والوحشية والعدمية التي تنتج عنها حياة ميتة يخيم عليها الفراق والمعاناة والاغتراب الروحي والأحلام التي لا تتحقق فتحولت الحياة كابوساٍ .
وإذا كان السرير علامة للشوق وللرجل والمرأة فإن المرأة كانت معادل رمزي للسرير الميت ومعادل للبرود والإهمال واللامبالاة وانعدام الإنسانية والقيم الإنسانية – من المرأة تجاه حياتها ” …. يداها تلعبان بضفيرتها الشقراء السماء حزينة والشارع تخلص من أحذية المارة”….
في الوقت نفسه , كان زوجها يحتضر في سريره وموسيقى ناصعة الساخن تنصت لموسيقى السراب .
في العاشرة صباحاٍ . كان هناك موت بشقه باردة لم يحترمه أحد ”
فكان السرير معادلاٍ رمزياٍ سيميائياٍ لعلاقة الرجل والمرأة المتناقضة ” تفك ضفيرتها , تنصت لموسيقى الراب , ويحتضر في سريره .
فمن خلال تلك العلامات اللغوية في الخطاب السردي عكست الإشارات انعدام القيم الأخلاقية والإنسانية عند المرأة وعلاقتها بزوجها قائمة على الخيانة فهي ” تفك ضفيرتها , والشارع تخلص من أحذية المارة ” ليعطي إشارات العودة المتأخرة وصارت تنصت للموسيقى فكشفت اللغة بإشاراتها السيميائية تلك العلاقة من ” تفك ضفيرتها , تنصت للموسيقى ” ” زوجها يحتضر ” ليدل على عدم اكتراث بالرجل وبالأخلاق وبالقيم ليفضي الخطاب رسم صورة للمرأة . فهي تتميز باللامبالاة وتعدد العلاقة في حياة المرأة  تفضي إلى أنها تضرب بالقيم والأخلاق والمسؤولية عرض الحائط .

قد يعجبك ايضا