تراثه الأدبي قادر على حماية النسيج الوطني

عندما تكون في مهمة الكتابة عن رحيل قامة سامقة بحجم الشاعر والمناضل عبدالله عبدالوهاب نعمان, فهي مسؤولية ومجازفة ترتكبها لدرجة أن القلم الذي تكتب به يرتجف من أصابعك, لكننا نعترف في البداية أنها مجرد مرور بالقرب من بحر الشاعر الراحل عبدالله عبدالوهاب, فقد آثرنا السلامة وعدم الغوص في بحر إبداعه المتلاطم والاكتفاء بالإشارة إليه من بعيد, معترفين بالتأخر في الحديث عن ذكرى رحيله التي صدفت يوم 5 يوليو, متشحين بتلك العبارة التي تقول أن تصل متأخرا خير من ألا تأتي.
وحتى لا يقال – وهو ما حدث – أن الذاكرة الوطنية أصابها الزهايمر لدرجة أن ذكرى رحيل أبرز مناضليها مر دون اهتمام, وهو مؤشر خطير على أن الثقافة الوطنية ونشرها في عقول الأجيال وقلوبهم ليست من أولويات الطبقة المثقفة مع غياب الكيان الوطني الذي يتخلخل في الدولة ومؤسساتها, مع اعترافنا بأن هناك عدم اهتمام وأنانية مفرطة عندما يغيب من اهتمام وسائل الإعلام رجل بحجم الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان, شاعر الوطنية والحب, وهو الرجل الذي ملأ الدنيا ولا يزال بعطائه الأدبي في تخليد نضالات الحركة الوطنية اليمنية ضد الاستعمار والحكم الفردي الكهنوتي.
إن الكتابة عن رحيل عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) حديث عن أحد المناضلين اليمنيين الذين تشربوا الوطنية من منابعها الصافية, وهذا يدلل كيف خاض أدبه وشعره بكل الأحداث التي عصفت باليمن شماله وجنوبه بلغة شعرية عذبة ووضوح للفكرة وتعميق للهدف الذي بذل حياته من أجله, وهو الحرية, حرية الشعب ضد الظلم والطغيان عبر لوحات أدبية نابضة بالحياة, اختلط فيها الاهتمام بالوطن وقضاياه المصيرية مع اهتمامه بأوجاع الإنسان, وفي جانب الشعر الغنائي أنتج كما هائلا من الأغاني العاطفية التي لا تزال قادرة على إنتاج المزيد من العشاق والمحبين.
ونقف هنا عند تجربة إنسانية رائدة جمع فيها من العمل الصحفي عبر صحيفة (الفضول) التي أسسها في عدن والتي كانت مناوئة لحكم الأئمة ومن ثورة أدبية طوعها لصالح قضايا وطنه.
لقد جعل من الحروف والكلمات جيوشا أقضت مضاجع من يمارسون الظلم والاستبداد, فكيف لا نغضب أو يحز في نفوسنا أن يتسيد الفاشلون المشهد حتى في أخبار موتهم ونمارس قطيعة ضد تلك الطليعة الخالدة من المناضلين وفي مقدمتهم الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان, الذي يمثل عدم الاهتمام بذكرى رحيله جريمة ضد صفاء ونقاء الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.
نستطيع القول : إن نتاج الفضول الأدبي محكمة طالما حاكمت الطغيان كثقافة قبل أن تحاكم الطغاة كأفراد مارسوا الظلم والاستبداد ضد شعب حر وشريف.
لقد كان أعظم ما كان يهدف إليه الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان طوال مسيرة حياته الإبداعية والنضالية, إنارة دروب اليمن وضرب تركة الجهل والتجهيل, وكيف يجب أن يثوروا من أجل حريتهم ويسكتون من يعمل على سلبها منهم.
إن عظم أولئك النخبة من المثقفين والمناضلين اليمنيين في ترك حروفهم لا تزال دافئة حية قادرة على إنتاج مناضلين ومحبين وعشاق, فأدبه الغزير لا يزال قادرا على مواجهة كثير من الشرور التي يواجهها النسيج الاجتماعي اليمني, وهذا الجيل الذي تلقى الضربات هو في أشد الحاجة لتراث الفضول لينهل منه ويقف ضد الكثير من التحديات التي تمزق كيانه الوطني.
يستطيع تراث الفضول الأدبي أن يحصن الأجيال ضد المصادر غير الآمنة التي عممت الموت والقتل وحولت الوطن إلى مربع مفتوح للقتل بين المعتدي وبين الحمقى من اليمنيين.
نم قرير العين أيها الشاعر الذي لا تزال كلماتك مدرسة لا غنى عنها نتعلم كيف نحب الوطن ونموت من أجله وفي سبيله.
ومن حدائق الفضول نختار :

هذه يومي نسير في ضحاها
فالضحى أشرق منها واكتسابها
ونسجنا شمسها ألوية تحتها سارت خطانا تتباهى
وأتى الخير إلى هاماتنا لاثما أنوفا وجباها
وأشعار المجد من قاماتنا
قامة لم يعطه طولا سواها.

قد يعجبك ايضا