النجم الثاقب

* السفير السعودي
تعرفت على السفير السعودي فصار لي صديقٍا حميمٍا عندما كنت في العاصمة المغربية بالمناسبة هو يكره أن أنسبه إلى أسرة “آل سعود” وكان يقول لي حينما أناديه نادني بـ (فلان بن فلان الفلاني) طلبت منه تحديد موعد لإجراء مقابلة نشرتها لاحقٍا في كتابي “الأيام الأولى في الرباط” ووافق فورٍا على طلبي وأخبرني أنه سيرسل سائقه إلى الحي الذي أقطنه المسمى “الحي الجامعي الدولي” وبالفعل جاء السائق بالسيارة في اليوم المحدد وخرجت معه باتجاه منزل السفير في منطقة “زعير” المعروفة بحي السفراء وهي من ضواحي الرباط كان الوقت بعد العصر والجو ممطرَ وغائمَ أما أوصاف المنطقة فواسعة الطريق وفللها ضخمة ورائعة تمتاز المنطقة بأشجار غابوية طويلة الأخشاب وتبدو مهارة التنسيق واضحة للعيان وفخامة التخطيط وبديعية البناء وكل شيء حولي غاية في التأنق والإلهام وبعد لحظات وصلنا إلى منزل السفير الذي كان في استقبالي ودخلت إلى “حوش” مسكنه الكبير وفيه بعض الكلاب الأليفة الضخمة.
الصالة الذهبية
أكمل: أنا الآن في فناء السفير وقد أشار إلى الخادم ببشاشة إلى مكان اتجاه الصالة سرت قليلٍا ثم صعدت الدرجات وهو واقف وقد فتح البوابة الزجاجية للحجرة هو بنفسه وسلم علي مرحبٍا بأخيه اليمني الذي باهى بنسبه وانتمائه إلى أرض الحكمة اليمنية كما جاء في الحديث المشهور: “الإيمان يمان والحكمة يمانية” سرت معه حتى الصالة وهو يحدثني عن مناقب أهل اليمن ثم جلست في مقاعد الضيوف أتلفت بإعجاب إلى جدارات الصالة المصقولة بنقوش ذهبية اللون وسألني وأنا اعيش الدهشة اختيار القهوة التي سأشربهاº فأحضر لي الخادم صحنٍا فاخرٍا من التمر المغربي الكبير الحجم محشوٍا بالمكسرات مع فنجان قهوة باللوز وبعد المقدمة والترحيب وتبادل التباريك والتهاني بقرب قدوم شهر رمضان الكريم بدأنا اللقاء الصحفي صوتٍا وصورة ودار الحوار في محاور: شخصيته نشأته كتاباته مؤلفاته هواياته (أتكتم على اسمه) وبعد ساعة تقريبٍا انهينا اللقاء بدأت استعد للتوديع أنوه بإن علاقتي به طيبة لكنها انقطعت منذ سنوات.
الاعتراف الصريح
أكمل: بعد الفراغ من اللقاء الرسمي الذي جئت إليه من أجله سألت صديقي سعادة السفير السعودي ثانية وهذه المرة كان السؤال من أخ إلى أخيه وخارج اللغة البروتوكوليةº وبعد مقدمات قلت له: ما رأيك في سياسة “الهيئة العليا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في بلدكم وهل توافق (آل سعود) في نهجهم السلفي من خلال فكر محمد عبد الوهاب فقال لي سأجيبك لكن اجعل هذا الكلام خارج إطار المقابلة وبصورة شخصية أجيبك أنني شخصيٍا وكثير مثلي لا أعترف كلية بالمذهب الوهابي ولا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قلت له لكن “آل سعود” يفرضون عليكم في هذه المناصب الحساسة الولاء المطلق لكل ما يبدر أو يصدر منهم قال لي مؤكدٍا صدقني يا عبد الرحمن نحن نعمل لكننا لا نتدخل في سياسة العائلة الوهابية الحاكمة أتكلم على الأقل عن نفسي فلهم دينهم ولنا دين ولا نعترف بالفكر الوهابي ولا بما يعتنقه “آل سعود” من أفكار سلفية تكفيرية جاهلية وقتئذ أنهيت الدردشة وفي الختام نحوت بالنقاش في شؤون المغرب قليلٍا ثم ودعته بعد أن اعجبتني صراحته واعترافاته وشكرتهº ولهذا أقول وأؤكد كما كل مرة أن شعب الحجاز ونجد لا دخل له بسياسة “آل سعود” إلا من ظلم نفسه ومن حمل السلاح كما يفعل أجلاف وفاسقو “آل سعود” اليوم.
الشعوب المقهورة
أواصل: في سياستنا الإعلامية ومن خلال خطابنا الصحفي الذي نذكر فيه البلدان المشاركة في العدوان “السعودي الأمريكي” ضد اليمن الميمون لا نتعرض فيه للشعوب وتعليل هذا الاتجاه لمعرفتنا الحقيقية أن من يشارك في العدوان هم ضعاف النفوس وعملاء الأمة العربية والإسلامية ممثلا ببعض القادة والرؤساء والأمراء والملوك الذين إذا دخلوا قرية أفسدوها فهم الذين ارتموا في أحضان (آل سعود) وقبلوا بأموالهم أما شعوبهم المقهورة على أمرها فليست على علم بهذا العدوان ولو سمح لها بالحرية لخرجت ضد أنظمتها الديكتاتورية تطالب بإسقاطها لهذا نحن لا نذكر شعب نجد والحجاز إلا بكل خير أو الشعب الكويتي أو الشعب المصري البطل لا من قريب ولا من بعيدº فعدونا الأول والأخير هو ممول الدواعش والنصرة والقاعدة المعروفين بـ “آل سعود” والدليل على عمالة وسقوط ملوك ورؤساء الدول المشاركة في العدوان أنها لم تستأذن مجالسها الشوروية ولا النيابية ولم تستفت مراجعها الدينية ولا أحزابها للدخول في الحرب من عدمه.
النائب الكويتي
أتابع: هؤلاء الملوك المعتدون لم يتشاورا مع أحد وإنما ذهبوا بخيلائهم وغرورهم وخبثهم المبطن ليخوضوا مع الخائضين واتخذ هؤلاء الزعماء لأنفسهم قرارات فردية مصيرية وكان “آل سعود” هم من التزموا بتمويل تكلفة هذه الحرب الخاسرة المستنكرة من كل البلدان والشعوب الحرة والحقيقة المرة إزاء الملوك والرؤساء الذين قبضوا الثمن وعضوا على كراسيهم بالنواجذ هي أن شعوبهم التي كانت آخر من يعلم تعاني من المشاكل الداخلية المعيشية والديون واستشعرت هي نفسها بحرارة “عاصفة الحزم” في بيوتها لشدة الظلم وحرارة الجور لهذا تجدوننا لا نتطرق لأسماء شعوبهم ولنا في موقف النائب الكويتي البطل الذي استنكر العدوان على اليمن أكبر دليل حين انتقد مشاركة بلاده في هذه الحرب الخاسرة فتعرض للضرب والهجوم من أعضاء المجلس النيابي الكويتي.
السلاح “الفشنق”
كنت في المغرب كان الحس الصحفي يلاحقني في كل شيء أي شيء أراه ملفتٍا للنظر كنت أسأل عنه ربما لحاجتي يومٍا من الأيام أن أكتب عن هذا البلد الجميل المسمى المغرب المهم بطبيعتي كنت معجبٍا بالأسواق التقليدية وبالأحياء وبالمعمار وبالأزقة والشوارع والحياة الشعبية الطبيعية البسيطة وكذا بحداثة وفخامة شارع محمد الخامس المشهور والمعروف في وسط مدينة الرباط وذات يوم مررت من الشارع الذي ذكرته ورأيت مجندٍا مسلحٍا واقفٍا كعمود الكهرباء أو خشبة بدون حراك باستثناء عيونه التي ترمش وتدور يمنة ويسرة كحارس أمام بوابة البنك العربي المغربي يحمل في يده سلاحٍا قصيراٍ “آلي”º فتوجهت لصديقي المغربي الذي كان برفقتي بسؤال مستنكرٍا لم هذا العسكري يحمل سلاحٍا في يده¿º فضحك وقال لي لا تصدق ما في يده إنه سلاح “فشنق” أي غير مشحون بأية طلقة وأنا واثق من كلامي فحمل السلاح ممنوع كلية في العواصم المغربية لكن بالمقابل توجد كليات عسكرية خاصة بالتأهيل العسكري النظري والتقني ومؤسسات ومصالح حكومية يستطيع المرء أن يعرفها وهو سائر في الطريق من خلال الرصيف الموازي لهذه المنشأة أو تلكº فالرصيف عادة أمام هذه المنشآت يبدو مميزٍا باللون الأحمر وفيه يمنع منعٍا باتٍا ونهائيٍا و”خالص مالص” وقوف سيارة أو أي وسيلة نقل أو حتى دراجة هوائية يمكنك أن توقف في أي مكان في الدنيا إلا أمام معهد أو كلية أو منشأة إدارية عسكرية باستثناء المؤسسات التي لها ارتباط بخدمة الجمهور.
خيانة الأوطان
أكمل: استميحك عذرٍا يا وطني في هذه السطور فقد استباحك آل الأحمر” طيلة 33 عامٍا وجعلوك مخزنٍا لأسلحتهم التي كانوا يقمعون بها الشعب اليمني المسكين ولم يحتاطوا من الغارات والتفجيرات ومن قد يفشي الأسرار عن مواضعها وأماكن وقوعها كما يحدث اليوم لم يبالوا بهذا المصير المفجع لأن مثل هذه الجرائم لا تنتظرهم فهم في مأمن من الأخطار والكوارث وإن وقعت لن يكونوا إلا بعيدين كل البعد عن مصدر الألم سيكونون وقتئذ في الرياض أو تركيا أو جنيف أو أي مصيف أوروبيº فأنت أيها الشعب العزيز الذي لا تملك إلا غرفة في لوكندة أو رصيفٍا في شارع أو مسكنٍا في غرفة صغيرة مستأجرة أو في زاوية من مسجد أو زقاق فأنت في الأول والأخير من سيدفع فاتورة هذا البركان الذي يتفجر أمام هذا التخزين العشوائي للأسلحة حتى أصبح كل مواطن يعيش تحت أرض من البارود القابل للانفجار في أية لحظة فهكذا جعلوا الوطن يسير في فلك النظام العشائري الأحمري الغبي الجاهل فقد حصنوا أنفسهم من كل شيء حتى يكاد أن يطلق علينا بلد المليون صاروخ إن لم يمت بهذا اللغم أو بهذا الصاروخ مات خوفٍا ورعبٍا بغيره تعددت الأسباب والموت واحد جعلوك مصيدة لهؤلاء المجرمين “آل سعود” واستقطبوا أولئك الرجال الذين كانت بصماتهم موجودة ومعروفة أمام كل ضربة جوية وأمام كل انفجار هنا أو هناك.
وطن للزعامات
أكمل: أنت يا وطني من جعلك هؤلاء “آل الأحمر والعفافشة وعملاء آل سعود” دولابٍا للأسلحة القريبة منهم ليقتلوك ويقمعوك بها متى ما شاءوا ليحموا بها أنفسهم وكصحفي وكمواطن وكمتابع لم أجد بلدٍا في العالم تخزن في داخله وفي قصوره وفي معسكراته وفي جباله المطلة على العاصمة -أية عاصمة – الأسلحة إلا في بلدي من قبل أولئك الذين انتهكوا خصوصية اليمن الثقافية والدينية والتاريخيةº فجعلوا الوطن “عرصة” من عرصاتهم و”توثرة” من توثراتهم الواسعة و”حقٍا مملوكٍا” من “احواشهم” التي لا ينازعهم فيها أحد كما لا يوجد بلد زرته وتأملت فيه تنتشر فيه المعسكرات أو تظهر فيه امارات التسليح أو التجييش أو ما شابه إلا في وطني اليمن أو من كان في درجته أو مثله في التخلف وحكم الأعفاط هذه هي الحقيقة يا وطني فلا “تزعل مني” إن قلت لك أن شعبك صار ضحية للجهلاء القادة الذين يلعبون بمقدراتك كأنك “دمية” في غرف نومهم وما فعله الجهلاء “المصوعين” من الزعماء والزعامات والقادة العسكريين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة حتى آخر عميل وواشُ بك إلا أكبر دليل حيث باعوا أسرارك بحفنة من الريالات السعودية وكفى بالله شهيدا.
النجم الثاقب
حين سافرت مدينة صعدة عاصمة السلام كنت أتلمس المشهد المختلف بعد الحروب العدوانية الستة لهذا أتحدث بشفافية فأقول لكم من هنا بدأت حكاية “النجم الثاقب”º فقبل ست سنوات تقريبٍا وتحديدٍا بعد الحرب العدوانية السادسة التي شنها “الزعيم علي صالح وعلي محسن وآل سعود وعصابات الإصلاح” ضد عاصمة السلام “صعدة” وبعد أن هدأت البندقية تجولت في أنحاء صعدة وزرت ضريح الإمام الهادي يحيى بن الهادي عليه السلام وباقي الائمة الأطهار عليهم السلام والتقيت بالعشرات من مواطني صعدة ورجالاتها الشجعان واختزنت في ذاكرة صحفي متجول مشاهد تاريخية وثقافية وتراثية لشوارع صعدة العتيقة وارتسمت في وجهي صور الدمار الشامل للبيوت وزاحمت الإنسان الصعدي في قراءة انثروبولوجية وسوسيولوجية لثقافته ومدى تحمله لضربات جيش عفاش وآل الأحمر وعصابات الإصلاح وآل سعود ووجدت من خلال “شخصيته التأملية” الصابرة بكل ما تحمله بيئته الخشنة من معالم الرجولة تفسيرٍا واكتشافٍا أكيدٍا لسر القوة والتحمل وعظمة الانتظار وتعليل عدم السكوت على الظلمº لذا لم أعد استغرب المكونات العامة لهذه “الشخصية” التي صقلته وكان لها الأثر البالغ في ظهور هذا الإنسان ومنذ تلك اللحظة بدأت أشاهد صعدة الخارجة من غبار العدوان وقد أصبحت محافظة نظيفة بسواعد ابنائها صعدة التي خطت لنفسها نظامٍا جامعٍا مانعٍا يتساوى فيه الجميع ويمنع فيه الإخلال بالنظام حتى تم منع التدخين والإتجار في السجائر وتم منع استخدام الأعيرة النارية أو حتى “قريحة” في الأعراس وما شابه وفرضت غرامة مالية تصل إلى خمسة آلاف ريال يدفعها فورٍا ويستلم سندٍا بذلك وقاطع أبناء صعدة البضائع الإسرائيلية والأمريكية بقدر المستطاع وبدأت تجربة صعدة الفريدة بشكل مختلف ورائع.
الحلاق الهارب
أتابع: في صعدة توقفت بسيارتي أمام صالون حلاقة اطفأت المحرك ودخلت المحل سلمت على الزبائن لكن حينونة جلوسي على كرسي الحلاقة لم يزل بعد رحب صاحب الصالون بي وقال أهلا وسهلا بصاحب صنعاء رديت عليه بالسلام كيف عرفت أنني من صنعاء سألته قال: من ملابسك ومن لوحة سيارتك الخصوصي ضحكت وقلت له مرحبا بك وأنت باين عليك لست من صعدة ولهجتك تدل على أنك من تعز قال لي نعم أنا كنت اشتغل في صنعاء وأصلي من تعزº فسألته وأنت كيف جئت إلى صعدة وتركت العاصمة هل الشغل هنا في صعدة أحسن من صنعاء قال لي تشتي الصدق أنا هربت من صنعاء من كثرة “هب لي خذ لك” الشغل في صنعاء أكثر لكن المشاكل فيها خيرات الشغل هنا متوسط لكن لا توجد مشاكل على الإطلاق قلت من أي جهة تقصد بالمشاكل قال لي بالحرف الواحد لا موظف بلديات يشغلك ولا موظف ضرائب ينهبك ولا متسلبط يشتي حق القات هانا تقله شاشتكي بك لأنصار الله يقوم يعطف لداته ويهرب خلف الشمس ضحكت من كلامه وعدت أساله يعني مافيش من هاذولا السرق الطرق مثل الموظفين حق صنعاء قال ما سطى أبوه هذا كان زمان اما اليوم فلا يوجد من هذه الصور القطيعة قلت له قدك بتتكلم بلهجة صنعانية قال لي ماشتيت أتكلم معك أتكلم: صعداوي صنعاني رازحي ولك الاختيار وجاء دوري في الحلاقة ونعيمٍا تسبقه.
المعمار العتيق
أتابع: قبل اقتراب موعد صلاة الظهر كنت وصديقي الفنان كمال شرف الذي يصر على أن يذكر الناس بالأصل الآدمي في لوحاته الفنية الجميلة المهم دخلنا سويٍا صعدة العتيقة ووضعنا السيارة بمقابلة مؤسسة الشهيد زيد مصلح ودخلنا محلات التسجيلات وتذكرت أنني نسيت زجاج السيارة مفتوحٍا فقال لي أحد المرافقين خليها زيما هي ولو حتى شغالة فتعجبت من كلامه وهو واثق من نفسه فاشتريت بعض المسابح وبعض الهدايا والمطبوعات للشهيد السيد حسين والسيد عبد الملك والعلامة بدر الدين الحوثي ثم رجعت إلى السيارة وفكرنا نذهب للصلاة في جامع الإمام الهادي عليه السلام حيث السكينة والراحة النفسية وقبل الموعد بنصف ساعة توقفنا في الأسواق نتفرج في الأنحاء شربنا شراب الشعير وتأملنا في الأزقة القديمة والبيوت البسيطة نشاهد تارة في صنف الأبواب الخشبية وتارة في النوافذ الصغيرة وعنصر البناء المعروف بـ “اللبن” الذي بنيت عليه هذه البيوت والصديق الفنان قد ناله من غرام الأشكال الحرفية التقليدية وهذه الفنون ما ناله واقتربنا من أمام بوابة المسجد ووجدنا بواباته الخشبية السوداء وزخارفه فالتقطنا صورٍا تذكارية مع هذه البوابات وهذا الصرح الديني والعلمي المشهور منذ مئات السنين.
أنصار “المدنية”
أكمل: في الصرحة المقابلة للمسجد أخذنا الفضول في مشاهدة عشرات البسطات والفرشات المغطاة بالمشمعات الخاصة بالبائعين من الملابس والأحذية والجنابي والاكسسوارات والإليكترونيات لكن لا أحد من الباعة أمام كل هذه البضائع المفروشة كان موجودٍا سألت طفلٍا كان يتجه معنا إلى المسجد أين هؤلاء أصحاب البسطات قال لي مش موجودين قد دخلوا الجامعº فدخلنا وصلينا الظهر جماعة كبرى والعصر جماعة صغرى وقرأنا الفواتح لإئمتنا الأطهار من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعدت بذات السؤال الذي يدور في خاطري لم الناس في صعدة يتركون بضائعهم دون حراسة من أحد فقالوا لي: هكذا تعود الناس هنا خاصة عندما دخل أنصار الله المدينة والمدنية ومكنوا الناس من حقوقهم غير منقوصة ومن حياتهم بحريةº فوجدوا الأمن والأمان متلازمين وعرف كل إنسان حدوده ومساحة تحركه مع الجيرة والاحترام المتبادل ومن خرج عن النظام والقانون فسيدفع غرامة غلطته أما اللصوص فلا يجرؤون على الفعل لأنهم يعرفون قبل غيرهم مصيرهم واسأل مجرب ولا تسأل طبيب.
الجريمة والعقاب
أواصل: مع صديقنا أيضٍا محمد حمران الذي رافقنا في كثير من الجولات التقيت بأناس بمختلف المهن والاهتمامات فبعد أن شاهدت وسمعت وقرأت وتعايشت مع عدد من أهالي مدينة صعدة عرفت أنها تسير في خط جديد واحد لا ثاني له يعوض ما خسرته بالأمس وما افتقدته في سنوات تهميشها وما تعرضت له في حقبة تاريخية من فترة الجمهوريات التي أهملت في عهدها صعدة ولم يتساو الناس أمامها وما أصابها من ظلم وإفقار ومحاربة ومطاردة وإهمال متعمد لتنهض على صبح يوم مشرق على هيئة جديدة من التعايش والتعاضد والتآخي الكل يعمل من أجل صد العدوان وكف الظلم عن أهلها ومواصلة العمل من جديد لاستعادة صعدة هيبتها ومكانتها العلمية والدينية والتاريخية فقال لي إن في صعدة يجري الاكتفاء الذاتي وبقناعة راسخة مؤمنة بأهمية التصنيع واستصلاح الأراضي الزراعية بعد أن أهملت لردح من الزمن إلا لمصالح خاصة بآل الأحمر والمشايخ فقط وبدأ عهد صعدة الجديد بخطوات في تصدير المنتجات الزراعية للمحافظات اليمنية ونشر مفهومات النظام والقانون في المدينةº فالتدخين ممنوع والضرب بالنار الحي ممنوع والتجاوزات المخالفة تضع الإنسان في مرمى الجريمة والعقاب.
السيد والوعد
أكمل: كل هذه الممنوعات كانت نتاج مرحلة ما بعد العدوانº فقد طوت صعدة صفحة مكلومة مكتظة بالحروب والمآسي والتداعيات التي أعقبتها لتمحو عن كاهلها شيخوخة وجع السنين وعقودٍا من الدمار والخراب وبدأت بالاكتفاء الذاتي حتى في مجال التسليح هذه العبارة أخذتها ببرودة أعصاب من أحد المرافقين وإن كنت مصدقٍا مثل هذا القول بما شاهدته ومؤمنٍا بعقلانية الشاب القائد السيد عبد الملك الحوثي حفظه الله تعالى في هذا الطريق فهو عالم وقائد محنك وغير مستعجل لكنه يسير بسرعة متدين ضعيف جدٍا وذليل أمام خالقه الجبار قوي وخشن أمام نفسه حداثي لكنها حداثة الفاتحين لا يسير مع الوجاهات ولا مع الجهالات ولا مع المسرفين يتجنب الكبرياء إلا على الظالمين يتجنب القوة إلا على المجرمين أيقنت بعدئذ أن صعدة في اتجاهاتها المتعددة المتبصرة التي تسير فيها بتؤدة غير المنبهرة تصنع أسرارٍا يكشفها قادم الأيام من نتائج ذلك: الثاقب واحد والثاقب اثنين وزلزال واحد وزلزال اثنين والحكاية كما قال استشهد صاحب الوعد الصادق بقول الله تعالى: “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل.
الحلف المخفوض
الحلف الذي تقوده مملكة “آل سعود” هو الحلف الموعود بالخفض والكسر ولن يخرج إلى نتيجة مهما تمادى في عدوانه اللئيم على اليمن ومهما طغى واستكبر وتحيمر وتجبر وأجزم بكل قوة ومعرفة ويقين أنها فتحت نار جهنم الحمراء على نفسها من كل الجهات لن يخمد وقودها أحد لأن لا قوة أرضية تستطيع أن توقف حمام الدماء إلا طريق واحد لا ثاني له وهو اعتزال “آل سعود” من الحياة السياسية: إما بموته أو بالانقلاب عليه وكل الطرق التي تؤدي إلى احالته للتقاعد أو إزاحته أو إزالته حينئذ ستمضي السفينة إلى التهدئة وإلى السلام وغير ذلك فلا يمكن لأي مواطن يمني بعد اليوم أن يتعايش مع دولة جارة يتربع فوقها نظام مصاص للدماء ديكتاتوري سلطوي غاشم قاتل فاشي كهنوتي حيواني غير إنساني تكفيري ضال وهابي داعشي مجرم مهما تعاقبت الأيام والسنين وبالمقابل نعلم أنه لن يهدأ لآل سعود بال بعد اليوم أو يناموا حتى ساعة من نهار في أمان واستقرارº فنحن نعرف أن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستبقى طوال حياتها تتابع أمرنا وتتوجس خيفة من كل تحرك منا مرعوبة مفجوعة مهبولة مسطولة متخوفة متحينة الضربة القوية في الراس وستبذل كل ما في وسعها من قوة وبطش من أجل تحاشي مواثيق وعهود القبيلة اليمنية بالرد مهما طال الزمنº فلا قانون محلي أو عالمي أو عرف في العالم كله يستطيع أن يمنع استرداد الحق في العيش بحرية من غير قيد ولا شرطº فاليمنيون قدموا الثمن باهظٍا وهم في طريقهم حتى يجدوا القوة الرادعة التي تبطش العربيد وتضع القيد في “آل سعود” مثله مثل أي حيوان مسعور كاسر طائش ماكر قد يرى “آل سعود” من سكرتهم أن ذلك بعيد لكننا نراه قريبٍا جدٍا وسيأتوننا وهم صاغرون.
ممكنة وكبيرة لهذا نقول لن يطفئ نار الفتنة أو يحل مشكلة الخلاف من الجذور ويستأصل جذوتها إلا أهل العزم من الرجال الأوفياء وأهل الخير وكل من يسعى بصدق وإخلاص من ليس لهم مصلحة إلا الإصلاح بين الناس والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

alkepsinet@hotmail.com

قد يعجبك ايضا