الحرب والحدود

في خضم النقاشات التي لا تنتهي حول مسيرة التوحيد الأوروبي ومستقبل الاتحاد الذي توصلت إليه والذي يضم اليوم سبعة وعشرين بلدا أوروبيا تتردد فكرة أساسية مفادها أن هذا «الاتحاد الأوروبي» بما هو عليه أمن السلام في القارة الأوروبية «القديمة» التي كانت قد شهدت حربين عالميتين خلال القرن العشرين وحده.
لكن ما مدى مصداقية هذه الفكرة¿
على هذا السؤال يجيب الباحث والمؤرخ الهولندي «تييري بوديه» الأستاذ في القانون العام في كتاب يذهب فيه نحو «الاتجاه المعاكس» لهذه الفكرة.
ويعتبر فيه أن «الحدود لا بد منها» كما يقول عنوانه. وهو يعتمد في تحليلاته بشكل أساسي على مقولة مفادها أن تجارب التاريخ أثبتت أنه عندما تتخلى الدول ــ الأمم عن سيادتها لصالح كيانات تتجاوز السيادة الوطنية أو تبني صيغ ما فوق الوطنية يتم السير في طريق نشوب النزاعات بشكل شبه أكيد.
على خلفية مثل هذا الفهم يرى المؤلف ــ المؤرخ أنه من الأجدى بالنسبة لمستقبل الاتحاد الأوروبي وللمحافظة على البعد الديمقراطي التأكيد على إعادة الحدود والشروع بحل منطقة اليورو. ويدافع بقوة عن مسألة يمكن أن تلخصها الجملة التالية «الحدود هي شرط لممارسة الديمقراطية».
ويشرح المؤلف من موقع الأستاذ في القانون أنه معارض تماما لما يعرف بالجنسية المزدوجة أي بقبول أن يحمل الفرد جنسية بلدين. ذلك على أساس أن هذه الازدواجية تترتب عليها «نزاعات على صعيد الواجبات» وما يراه متناقضا مع ضرورة «الوفاء الوطني». من هنا لا يتردد «تييري بوديه» بالمطالبة في إلغاء مبدأ ازدواج الجنسية.
ويشرح أن الحدود ليست مجرد خط يتم رسمه على خريطة جغرافية. بل هي التعبير البليغ عن «نزاعات يتم دفنها». وتعني فيما تعنيه أن عدوا تمت مواجهته على أرض المعركة قد غدا «جارا يمكن التعامل معه» على قاعدة «حسن الجوار». وهذا يفرض بالتالي نمطا جديدا غير ذلك الذي كان قائما كما يفرض ثقافة مختلفة تقوم على «قبول الآخر».
ويركز المؤلف من جهة أخرى على القول انه منذ حوالي سبعة عقود من الزمن تجري في القارة الأوروبية محاولات وعمليات «تفكيك عرى الدول ـ الأمم». ذلك «التهديم» تقوم به حسب التحليلات المقدمة مجموعة تيارات تجد مرجعياتها الأساسية في أفكار «عصر التنوير».
ويصل المؤلف إلى توصيف مشروع إلغاء الحدود في أوروبا أنه «مشروع إمبريالي» لكنه «يستخدم أفكار العصر». لكن المؤلف يواجه جميع هذه التوجهات التي «تشغل معاولها في تهديم الدول ــ الأمم» في أوروبا بتأكيده أنه «لا يمكن تجاوز هذه الدول ــ الأمم» التي ثبتت جذورها في الأرض الأوروبية.
وفي المحصلة أن ما يحاول مؤلف الكتاب القيام به على مدى تحليلاته بالاعتماد على التاريخ وعلى القانون هو التأكيد أن مختلف هذه الأطروحات القائلة بإلغاء الحدود وما تعنيه من تغير ستؤدي إلى «خنق المبادئ الديمقراطية» في الإطار الأوروبي. بل لا يتردد في التنبيه أنه «هناك كارثة تقترب» من أوروبا.

قد يعجبك ايضا