التونسيون متخوفون من تبخر حرية الرأي والتعبير

تساور التونسيين خلال هده الأيام “مخاوف جدية” من “تبخر” أهذاف ثورة يناير 2011م وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير بعد إحالة حكومة الحبيب الصيد مشروع قانون يتعلق بـ”زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح” على أنظار البرلمان لما تضمنه من “تضييق” على الحريات الأمر الذي أثار “غضبا” واسعا في صفوف منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي دعت إلى “إلغائه فورا” فيما قال خبراء إن مشروع القانون أعده القيادي في حركة النهضة علي العريض لما كان وزيرا للداخلية في حكومة الترويكا.
وتعتبر حرية الرأي والتعبير المكسب الوحيد الذي تحقق للتونسيين خلال السنوات الأربع الماضية نتيجة “استماتة” نشطاء المجتمع المدني والصحفيين والإعلاميين عن الدفاع عن “الحق في الحرية” فيما بقيت الأهداف الأخرى وفي مقدمتها “التنمية المستدامة” معلقة في ظل غياب أية خارطة طريق واضحة للحكومة على الرغم من مرور أكثر من 100 يوم على تشكيلها.
وتزايدت مخاوف التونسيين بعد أن كشف خبراء أمنيون وعسكريون أن “مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح” أشرفت على إعداده حركة النهضة الإسلامية عام 2013م وتم “حفظه” تحت ضغط انتقادات واسعة من الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني وأيضا من الأمنيين.
وقالت رئيسة المركز الدولي للاستراتيجيات الأمنية والعسكرية بدرة قعلول في تصريحات صحفية: “إن مشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح من الأمن والجيش المعروض حاليا على أنظار البرلمان هو مشروع أشرف عليه علي العريض حين كان وزيرا للداخلية وتم حفظه بعد تعرضه للانتقادات والرفض”.
وتولى العريض حقيبة وزارة الداخلية بين 2011م و2013م في حكومة حمادي الجبالي إثر فوز النهضة في انتخابات 2011م.
ويشدد الرافضون لمشروع القانون على أنه “تضمن مجموعة من الفصول التي تؤسس لدولة ديكتاتورية بوليسية وذلك من خلال التنصيص على العقوبات السالبة للحرية في مجال الصحافة التي تصل إلى عشر سنوات سجنا بتهم فضفاضة مثل كشف أسرار الأمن الوطني” وكذلك من خلال غياب التنصيص على “حقوق الصحفيين والتضييق على النشر بالتراخيص المسبقة وجعل المؤسستين الأمنية والعسكرية فوق كل نقد وتوصيف أي موقف فكري تجاهها على أنه تحقير لها يستوجب عقوبات تصل إلى سنتين سجنا”.
ويعلل السياسيون ونشطاء المجتمع المدني والإعلاميون رفضهم لمشروع القانون بالتأكيد على أن القانون يعد “ضربا لحرية التعبير من خلال تجريم حق التظاهر وتشديد العقوبات على القائمين بذلك وكذلك من خلال التنصيص على عقوبات قاسية لا توجد إلا في الأنظمة الديكتاتورية على غرار السجن مدى الحياة لكل من يقوم بتحطيم عربة أمنية” إضافة إلى “استباحة قتل المواطنين من طرف الأمنيين في حال حصول اعتداءات عليهم دون أن تترتب عن ذلك أية عقوبة وهو ما يتناقض مع آلية التدرج في استعمال القوة”.
ويقول المحللون السياسيون إن مشروع القانون “سيؤدي حتما إلى حد كبير من حرية الإعلام خاصة وأنه قد أقحم ‘الاعتداء على أسرار الأمن الوطني’ بنبرة زجرية نعتقد أن مرورها بهذه الصيغ سيمثل حتما مسا واضحا وصريحا بحرية الإعلام”.
ويشدد المحللون على أن “القانون يعرف “السر الأمني” باعتباره “جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بالأمن الوطني” ملاحظين “أننا هنا أمام تعريف فضفاض يوسع من دائرة الأسرار المتعلقة بالأمن الوطني”. وأكدوا على أن التوسعة في تعريف “السر الأمني” منافية لمبدأ دستوري ضبطه الفصل 32 من دستور تونس والذي ينص على أن الدولة تضمن “الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة”.
وشددت المنظمة التونسية لدعم مسار الانتقال الديمقراطي على أن مشروع القانون “انتقل برمته من محاولة وضع حد للفوضى والتسيب بعقاب الاعتداءات الواقعة على حاملي السلاح ومقراتهم وتجهيزاتهم وعائلاتهم إلى محاولة لبسط السيطرة المطلقة للأجهزة الأمنية والعسكرية”.
واعتبرت المنظمة أن مشروع هذا القانون “يحاول بسط السيطرة أيضا على تداول المعلومة وبالتالي على الحريات ومن بينها حرية الصحافة بدعوى منع الاعتداء على أسرار الأمن الوطني”.
وينص الفصل الرابع من مشروع القانون على أنه “يعتبر سرا من أسرار الأمن الوطني جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلقة بالأمن الوطني مهما كانت الوسائل المعتمدة لاستعمالها ومسكها وحفظها وتداولها والتي يجب أن لا تكون معلومة إلا ممن له الصفة في استعمالها أو مسكها أو تداولها أو حفظها” فيما ينص الفصل السادس على أنه “يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل شخص ليست له صفة في مسك أو استعمال أو حفظ أو تداول سر من أسرار الأمن الوطني تعمد بحسب الحال إما الاستيلاء عليه أو النفاذ إليه أو الاطلاع عليه أو إتلافه أو نسخه أو إفشائه أو تغييره”.
وأثار القانون “غضب” الأمنيين أيضا إذ عبرت نقابة موظفي الإدارة العامة لوحدات التدخل عن “رفضها لمشروع القانون”.
واعتبر الناطق باسم النقابة مهدي بالشاوش المشروع ”تكميما للأفواه وضربا للحريات”.
وأشتد غضب التونسيين على مشروع القانون بعد أن خرج الاتحاد العام التونسي للشغل أقوى منظمات المجتمع المدني اجتماعيا ونقابيا وسياسيا عن صمته وأعرب عن “رفضه” للقانون” معتبرا إياه تمهيدا لمنع الاحتجاجات الشعبية والاجتماعية ولتدخل “البوليس” في “النزاعات الشغلية”.

قد يعجبك ايضا