الصراع والأدب

منذ أن ظهر الأدب الإنساني كانت الحرب هي أحد مواضيعه بامتياز. بل كانت موجودة في صميم النصوص الأولى التي تشكل إرث الإنسانية المكتوب. والحرب هي أحد المواضيع الأساسية في أعمال الكتاب والشعراء والمسرحيين.

و«الحرب والأدب» هو عنوان كتاب جماعي تحت إشراف «لورا ايش» أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة أكسفورد و«ايان بيترسون» الشاعر وأستاذ اللغة الإنجليزية في المعهد الملكي البريطاني ومساهمة مجموعة من الباحثين وأساتذة الجامعات الذين يكرسون مساهماتهم لهذه الحقبة التاريخية أو تلك ولذلك المبدع أو ذاك لكن دائما من زاوية العلاقة بين «الحرب والأدب».

وما يؤكده المشرفان على إنجاز هذا العمل منذ الأسطر الأولى لعملهما هو أن «الحرب كانت الموضوع الأول للأدب وهذا صحيح في جميع الأزمنة» هذا إذا لم تكن «موضوعها الوحيد» في العديد من الأحيان كما يضيفان. والتأكيد أن العلاقة بين الحرب والأدب قامت دائما على مدى فترة طويلة من الزمن تمتد منذ زمن هوميروس و«حروب طروادة» في «الأوديسة» و«الإلياذة» وحتى أعمال الكاتب البريطاني الشهير جورج اورويل وغيره من الكتاب والأدباء المعاصرين.

ويقدم المساهمون في هذا الكتاب مجموعة من النصوص ذات العلاقة الوثيقة بالحرب منذ القرن الثاني عشر حتى القرن العشرين. ومن خلال هذه النصوص يتم إبراز الأبعاد المختلفة الكامنة وراء نشوب النزاعات المسلحة بمختلف درجاتها. ذلك ابتداء من العصور الوسطى حتى نهاية الفترة المعروفة بحقبة «الحرب الباردة» التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتغطي المساهمات المقدمة بشكل خاص مختلف الحقب والفترات التي عرفت دورات من العنف مثل «الحروب الصليبية » و«حرب المائة عام» في أوروبا مع محاولة تبيين الكيفية التي انعكست فيها تلك الحروب في الأدب وفي نتاج الأدباء الذين عاصروها الذين ليس أقلهم شأنا وليام شكسبير في العديد من أعماله.

ومن الأفكار التي يتم التأكيد عليها أن الأدب الأوروبي في العصور الوسطى كان تحت تأثير مسارات تطور المجتمعات في تلك الحقبة الواقعة بين القرن الحادي عشر والقرن الخامس عشر. ذلك إلى جانب تأثره بالذهنية السائدة وبأحداث التاريخ. يتم في هذا الإطار تحديد القول ان حربين كبيرتين كان لهما حضورهما الكبير في الأدب الأوروبي عامة. الحرب الأولى هي «الحروب الصليبية» التي عرفت ثماني حملات بين عام 1095 وعام 1291 وانتهت كلها بالهزيمة.

والثانية هي «حرب المائة عام» التي بدأت بعد 46 سنة من نهاية الحروب الصليبية وكان طرفاها هما فرنسا وإنجلترا حيث كان الصراع بينهما على مناطق النفوذ وعلى السيادة على بعض المناطق. وكانت شخصية «جان دارك» أحد رموزها على الطرف الفرنسي حيث يعتبرها الفرنسيون رمز تحرير «اورليان» من الاحتلال الإنجليزي وهي من الشخصيات التاريخية التي شكلت سيرة حياتها و«بطولاتها» أحد المواضيع الهامة في الأدب الفرنسي.

وتدرس إحـــدى مساهمات الكتاب كيف أن حدثا تاريخيا حربيا شهيرا هو «اجتياز جيوش يوليوس قيصر لنهر الروبيكون» غدا «رمزا» في الأدب وأبعد من ذلك في اللغة نفسها. كان ذلك النهر الواقع في شمال إيطاليا الحالية محظورا اجتيازه من قبل أي قائد عسكري مع جنوده حسب القانون الروماني القديم على أساس أنه كان يمثل حدود مملكة روما. لكن يوليوس قيصر خرق «المحظور» واجتاز مجرى النهر الصغير مع جنوده. واعتبارا من ذلك العبور أصبح النهر شهيرا وأخذ دلالات عديدة وجدت أصداؤها في الأدب.

هكذا مثلا واعتبارا من ذلك التاريخ أيضا انتشر استخدام تعبير «اجتاز فلانا الروبيكون» الذي لا يزال استخدامه ساريا حتى اليوم. وتدل استخداماته الأدبية عموما على أولئك الذين ينطلقون في عمل مع التصميم على عدم التقهقر إلى الوراء وتجاوز جميع المحظورات مهما كانت المخاطر.

قد يعجبك ايضا