الإسلام دين التراحم

إن رحمة الله ينالها العبد إذا أخذ بأسباب الرحمة ومن أسبابها رحمتك بعباده أي رحمة العبد بأخيه قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن) (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فالذين يرحمون عباد الله يرحمهم الله جزاء على قدر أعمالهم وأخبر صلى الله عليه وسلم: إن الرحمة لا تنزع إلا من شقي (لا تْنزع الرحمة إلا من شقي) وأخبر أن الله يرحم الرحماء من عباده فقال: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) .. (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله).
 من هم أهل الرحمة
1- إن أولى الناس بالرحمة رحمة العبد بنفسه ورحمته بها بأن يسعى في فكاكها من عذاب الله بطاعته والقيام بما أوجب على العبد (قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها) ويقول صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).
2- الرحمة بالوالدين: فهما السبب في وجود العبد بعد الله فرحمتهما يتذكر أفعالهما وسيرتهما وأيامهما ولياليهما التي أمضياها في الإحسان والتربية والإنفاق فرحمتهما ولاسيما عند ضعف قوتهما وقلة نشاطهما وغيرهما عن الحركة (إما يبلغن عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاٍ كريماٍ. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراٍ) فترحم الأم عند كبر سنها وعجز قوتها. فالخطاب طيب والسمع والطاعة والنفقة وبذل المعرفة والأب عند عجزه وضعفه وقلة حيلته فتحسن إليه كلاماٍ طيباٍ وخدمة وإحساناٍ وقيامه بواجبه.
3-  الرحمة بالأبناء: تتمثل في الإنفاق عليهم وتربيتهم وتوجيههم وتحذيرهم سبل الفساد فتلك الرحمة الحقيقية وليستا بمجرد إعطائهم ملذاتهم وتمكينهم من شهواتهم فهي رحمة ضعف وخور إنما الرحمة الصادقة هي المشتملة على كل الخير عند باب النفقة واتلإحسان يرحمهم ويعاملهم بالحسنى ولكن مع هذا يرحمهم بتربيتهم وتوجيههم وتنصيرهم بطرق الهدى فتلك التربية النافعة التي ينال العبد لذتها في حياته وبعد مماته.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث منهم: (ولد صالح يدعو له).
وكذلك قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي ابن ابنته فقال له رجل من الأعراب: أتقبلون أبناءكم¿ فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من لا يِرحم لا يْرحم) ماأملك إن نزع الله الرحمة من قلبك وكان صلى الله عليه وسلم رحيماٍ رفيقاٍ يصل وبنت ابنته معه إذا سجد وضعها وإذا قام حملها ويأتي الحسن والحسين فيصعدان ظهره وهو ساجد فينظرهما حتى ينزلا وهكذا فالرحمة بالأولاد تكون بالتربية والتوجيه والدعوة إلى الخير والحث على احترام الصغير للكبير ورحمة الكبير بالصغير.
4- الرحمة بالرزوجة: ورحمتها بحسن عشرتها وأمرها بالخبر وتوجيهها إليه لا جفاء ولا غلظة ولا سوء معاملة ولكن حكمة ورفق قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
وكيف كانت سيرته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته¿ بساطة ولطف وتخفيف أعباء ومساعدة بقدر المستطاع من اعمال البيت.
الرحمة بالضعفاء: كاليتيم رحمة تحمل العطف عليه وتفقد أحواله والسعي فيما يصلحه ورحمة المريض والعاجز والمحتاج للمساعدة وتيسير المهام وتتأكد إذا كان ذا رحمك فتعظم الرحمة عنده والمحتاج بتيسير أموره وإعانته قال صلى الله عليه وسلم: (أتى الله بعبد من عباده آتاه مالاٍ في الدنيا فقال له: ماذا عملت في الدنيا¿ قال ما عملت من شيء يارب إلا أنك آتيتني مالاٍ فكنت أبايع الناس وكان من خلقي أن أيسر على المعسر وأنظر المعسر قال الله: (أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي).
تحقيق الرحمة وثمرتها
إن الرحمة هي الإحسان إلى النفس بالقيام بفرائض الله والابتعاد عن محرماته والإحسان إلى الخلق بفعل ألوان الخير الذي ينفع العباد ويصلح البلاد وكف الأذى والشر فمن اتصف بها أدخله الله في رحمته وأصلح له شأنه (وِرِحúمِتي وِسعِتú كْلِ شِيúءُ فِسِأِكúتْبْهِا للِذينِ يِتِقْونِ وِيْؤúتْونِ الزِكِاةِ وِالِذينِ هْم بآيِاتنِا يْؤúمنْونِ. الِذينِ يِتِبعْونِ الرِسْولِ النِبيِ الأْميِ الِذي يِجدْونِهْ مِكúتْوبٍا عندِهْمú في التِوúرِاة وِالإنúجيل يِأúمْرْهْم بالúمِعúرْوف وِيِنúهِاهْمú عِن الúمْنكِر وِيْحلْ لِهْمْ الطِيبِات وِيْحِرمْ عِلِيúهمْ الúخِبِآئثِ وِيِضِعْ عِنúهْمú إصúرِهْمú وِالأِغúلاِلِ الِتي كِانِتú عِلِيúهمú فِالِذينِ آمِنْواú به وِعِزِرْوهْ وِنِصِرْوهْ وِاتِبِعْواú النْورِ الِذيِ أْنزلِ مِعِهْ أْوúلِئكِ هْمْ الúمْفúلحْونِ).
وهي تثمر الألفة والمحبة بين الخلق وهي سعادة في القلب وطريق إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم القلب وضعيف متعفف ذو عيال).
والرحمة ترقق القلب فيرحم ما دونه حتى البهائم عن ابن مسعود: كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها ردوا لها ولدها إليها).
ومع أن رحمة الخلق خالية لرحمة الله فهي صفة هذه الأمة (وترى المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى).
الرحمة تحصل بحسب الهداية
كلما كان نصيب العبد من الهدى أتم كان حظه من الرحمة أوفر فبرحمة الله تعالى أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو نبي الرحمة بعثه ربه فسكب في قلبه من العلم والحلم وفي خلقه من الإيناس والبر وفي طبعه من السهولة والرفق وفي يده من السخاوة والبذل مما جعله أزكى عباد الرحمن رحمة وأوسعهم عاطفة وأرحبهم صدراٍ.
(فِبمِا رِحúمِةُ منِ الله لنتِ لِهْمú وِلِوú كْنتِ فِظٍا غِليظِ الúقِلúب لاِنفِضْواú منú حِوúلكِ)..
والإسلام رسالة خير وسلام ورحمة للبشرية كلها وجعل الرحمة من دلائل كمال الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم: (لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا يارسول الله كلنا رحيم فقال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه وإنما هي رحمة العامة).

قد يعجبك ايضا