تقع المسؤولية على الأحزاب والحكومـــة والتشدد الديني
● يستغلون وقوعك في مأزق.. ينتظرون مرورك بظروف صعبة جداٍ.. وما أن توهم نفسك أنك ضعيف وأن كل أحلامك وأفكارك ستموت ولن تجد من يسمعها ويتبناها.. تجدهم قد استعدوا للتقرب منك وتبنوا فكرتك ويصورون لك بأنك أمير المؤمنين لهذا العصر وقائد جيش فرسان المسلمين حتى تصبح أحد عناصر تنظيمهم وأبرز أعداء الوطن.
كثيرة هي العوامل التي ساعدت وساهمت في انحراف الشباب واستغلها تنظيم القاعدة في استقطابهم وتعبئتهم تعبئة خاطئة ومضللة ومتنافية مع الإسلام والقانون والواقع.. والكثير يعتبر الأسرة من أكثر الأسباب التي ساهمت في انحراف الشباب لذا ومن هذا المنطلق كان لا بد لنا أن نقف عند هذه القضية ونتواصل مع أخصائيين.. الحصيلة في السطور التالية..
أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور/فؤاد الصلاحي تحدث لنا حول مدى صحة أن الأسرة هي السبب الرئيسي لانحراف الشباب بقولة « ليست الأسرة العامل الأول خلف انحراف الشباب, وإنما هي جزء بسيط ومؤسسة واحدة من مؤسسات عدة.. منها التعليم المدرسي والجامعي ووسائل الإعلام المختلقة وكذا الأحزاب وغيرها من المؤسسات والتنظيمات».
وأكد الدكتور الصلاحي على أن ضعف المؤسسة التعليمية بكافة مستوياتها هي السبب الرئيسي والأول وراء انحراف الشباب وتوجههم نحو التنظيمات التكفيرية والمتشددة.. لما تعانيه من ضعف في الأداء وتقديم الخدمات التي تقع على عاتقها مثل تربية وتعليم الشباب وتنشئتهم على الطريق الصحيح والمستقيم وخلق وعي وتعليم في أوساط المجتمع .. إلا أن معظم من يستقطبهم تنظيم القاعدة ما يزالون في صفوف التعليم ولم ينتهوا بعد من التعليم الابتدائي أو الأساسي أو الثانوي بالإضافة إلى العاطلين عن العمل والباحثين عن مصدر دخل يؤمن لهم حياتهم ويتمكنون من خلاله البقاء على قيد الحياة.
وشدد الدكتور فؤاد الصلاحي على ضرورة رفع مستوى التعليم بمختلف صفوفه كونه أهم الحلول للقضية والعنصر الأول الذي سيساعدنا على رفع الوعي في أوساط الشباب والمجتمع بشكل عام, وكذا تعديل الخطاب الديني الذي يلقى من منابر المساجد, بحسب الدكتور الصلاحي.. واعتبر أستاذ علم الاجتماع الخطاب الديني لم يعد وسطياٍ ومعتدلاٍ وقد غطى عليه الطابع السياسي والمذهبي والتشدد البعيد عن الإسلام ومثله الخطابات السياسية الصادرة عن الأحزاب من أهم العوامل والأسباب التي تساعد وتساهم في دفع الشباب إلى طريق الانحراف والجهل والتخلف.. طريق أعداء الوطن.
وعن أهم الحلول للقضية قال الدكتور الصلاحي « لا بد أن يكون للحكومة مشروع ثقافي مدني كبير مهمته إيجاد وتحقيق وعي ثقافي مدنية واسعه وحديثه.. تشارك في تنفيذ هذا المشروع الثقافي المدارس والجامعات والمساجد ووسائل الإعلام وكل منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة.. وهنا سيستقيم الأمر وسنضع حداٍ للانحراف الشباب وإبعادهم عن التنظيمات المتشددة والتكفيرية.. لذا لا بد أن يكون للحكومة حضور قوي وكبير في أوساط الشباب وكذا تتبع حالاتهم وسلوكهم وتوجهاتكم الفكرية وذلك من خلال تنفيذ وإجراء عدد من الدراسات الاستباقية حتى يتم استدراك خطورة الطريق التي هم بصدد المرور والمضي فيها..».
من جانبه أكد الطبيب النفساني بمستشفى الاستشاري الدكتور/ عبده محسن الشليلي على أن إهمال الأسرة في تربية وتنشئة الأبناء وعدم مراقبتهم وتتبع تغيرات سلوكهم وتصحيح ما اعوج منها يلعب دوراٍ كبيراٍ في ضياع الشباب وانحرافهم أخلاقياٍ وعلمياٍ ودينياٍ وسياسياٍ وفكرياٍ.
واعتبر الدكتور الشليلي انشغال الأسرة بأمور أخرى كتوفير متطلبات الحياة وغيرها من الأعمال المفروضة والواجبة على المسئولين في البيت ورب الأسرة وتجاهلهم لأبنائهم وعدم تتبعهم وما يقومون به وما الأنشطة التي يمارسونها يساعد ويساهم بشكل كبير في انخراط الشباب والأولاد في صفوف ومعسكرات التنظيمات التكفيرية والمتشددة لاسيما تلك التي تزعم وتدعي, بحسب الشليلي, أنها تحقق أفكار الشباب وطموحاتهم وتوصلهم إلى أعلى مراتب الجنة وأنها وجدت لتلبية متطلباتهم.
وقال الأخصائي النفساني أن أغلبية من استطاع التنظيمات الإرهابية استقطابهم منذ سنوات يكون لديهم يأس كبير من الحياة ومواصلة العيش بين المجتمع المحيط بهم خصوصاٍ وأن أغلبيتهم فشلوا تعليمياٍ وأسرياٍ واجتماعياٍ واقتصادياٍ مما يسهل على تلك التنظيمات عبء البحث عن شباب كون هؤلاء يكونون في جاهزية واستعداد تام للمشاركة والانخراط في أعمال التنظيم وذلك مجرد أن يقال لهم بأن الآمال التي رسموها على حائط أحلامهم ستترجم على أرض الواقع وفي أقرب وقت بالإضافة إلى أنهم سيحصلون على الاحترام والتقدير الذي فقدوه بين أصدقائهم وأهلهم ومجتمعهم بسبب فشلهم وعجزهم على مواصلة الحياة والعيش كالآخرين.
وبحسب الدكتور الشليلي, فإن استغلال أوقات الشباب وتنمية قدراتهم وملاحظة تغير سلوكهم وإنشاء أندية رياضية ثقافية ملائمة ونشر ثقافة التسامح والولاء الوطني وغرس الوازع الديني سيساهم وبشكل كبير جداٍ في تعديل مسار الشباب والحفاظ عليهم من الانحراف… ويؤكد الدكتور الشليلي بأن تحقيق ذلك يتطلب جهوداٍ واقعية وفعلية على أرض الواقع وبعيداٍ عن الخيال والتصريحات الإعلامية والتوجيهات التي سرعان ما ينتهي مفعولها بمجرد حبسها داخل أدراج المختصين, خاصة وأن بلادنا تعاني وتفتقر للأندية الرياضية والثقافية وكذا المنتزهات والحدائق والمناظر الخلابة السياحية التي يتوافد إليها الشباب والأطفال وكافة أبناء المجتمع لقضاء أوقات ممتعة فيها وتغيير الجو الذي يعيشوه.. لكن ما هو أهم من ذلك هو هل الحكومة ستهتم بإيجاد وإنشاء تلك المنشآت التي تضعها حكومات الدول الأخرى من أولويات اهتماماتها ومهامها.
وشدد الدكتور عبده الشليلي على ضرورة اهتمام الأسر بأبنائها ومتابعتهم خاصة حين يجدون أولادهم يحبون المكوث بمفردهم والانعزال بذاتهم.. كون ذلك مؤشراٍ أولياٍ خطيراٍ يهدد مستقبلهم وحاضرهم.. باعتبار ذلك الأمر أول خطوات وحركات الانحراف, حد قول الأخصائي الشليلي, مشيراٍ إلى أن المجتمع لا بد عليه أن يساعد ويساهم في إخراج الشباب المعتزلين مع ذاتهم وأنفسهم وإخراجهم من الحياة المأساوية التي يعيشونها منطوين عن المجتمع منعزلين عن الحياة.
وطالب الدكتور الشليلي الحكومة والمجتمع بشكل عام بالاهتمام بواقع الشباب وتثقيفهم وإتاحة فرص العمل لهم واستيعاب أفكارهم والمساهمة في تحقيق طموحاتهم وكذا تلبية رغباتهم وتهيئة الأجواء النفسية لهم وإبعادهم عن التطرف والغلو.. منوهاٍ بأن تنظيم القاعدة يستغل الظروف التي يمر بها الشباب خاصة من يفشلون في الدراسة ويأتون بنسب ضعيفة أو يرسبون في التعليم فيكون لدى العناصر الضالة وسيلة وفرصة ثمينة ولا تتطلب وقتاٍ وجهداٍ كبيراٍ للسيطرة على أولئك الشباب وإدراجهم في قائمتها ومسح وحذف من عقولهم كل علم وثقافة اكتسبوها بحياتهم.. وملء عقولهم بفكر تكفيري وغير واقعي وضلالي.
مراقبون وخبراء أمنيون يؤكدون أن الشباب الذين انضموا وانخرطوا في صفوف تنظيم القاعدة كانوا يعيشون في عزلة عن أسرهم ومجتمعهم ومن حولهم وكانوا يعانون أيضاٍ من انكسار داخلي لطموحاتهم وآمالهم وكذا لعدم إتاحة الفرصة لهم في العمل وإثبات وجودهم وأن بإمكانهم فعل وتحقيق شيء ما على أرض الواقع..
كما أن التشدد الديني والقبلي والعادات والتقاليد تقيد الشباب عن فعل شيء يشعرهم بوجودهم وإنسانيتهم وتبادل أفكارهم وآمالهم بالإضافة إلى حالة الكتب التي ترافق بعض الشباب من قبل المجتمع خصوصاٍ مع الانفتاح الذي يعيشه العالم وكذا أن يكون لدى الشخص المنعزل من يبوح له بحزنه وفرحة وسره وجهره ويجد من يشاركه الرأي والمشورة ويقترح عليه ويساعده في تنفيذ قراراته ومشاريعه.
إذاٍ وكما ورد في الآراء السابقة يقع على الحكومة دورهم لحل المشكلة وذلك بإيجاد مشروع ثقافي حقيقي تتبناه أكثر من مؤسسة حكومية وكذا تصحيح الخطاب الديني وتفعيل الرقابة والإشراف على منابر المساجد التي عزف عنها الكثير بسبب تطرف وتشدد الخطباء واقتحام السياسة صفوف الجوامع وعقول وأفكار القائمين عليها.. بالإضافة إلى تأهيل المعلمين والمدرسين في المدارس ودكاترة الجامعات وكذا إيجاد قانون فعال يحرم ممارسة السياسة داخل المباني التعليمة وكذا الخدمية.
وكذلك على المجتمع أيضاٍ يقع دور كبير وهو متابعة ومراقبة الشباب وتحركاتهم وتعديل سلوكياتهم الخاطئة وتشجيعهم على الأعمال والخطوات الممتازة والجيدة في الطريق الصحيحة والمستقيمة.. وإذا لم يسع الجميع إلى الحفاظ على شباب الوطن فلا يستبعد بأن النتائج الوخيمة والسلبية ستطالهم وفي الوقت القريب.