الإسلام وحرمة الدماء


الشيخ الدكتور / محمد محمد عويس –
الإسلام ليس دين إرهاب وسفك للدماء ولا دين بغي وعدوان بل هو دين السلام ودين الرحمة ودين العدل والسماحة ودين الأخوة الأخوة في الدين والأخوة في الإنسانية كلها.
فقد وضع الله تعالى الأخوة الإسلامية بين الناس جميعاٍ فقال عز من قائل “إنِمِا الúمْؤúمنْونِ إخúوِةَ ” سورة الحجرات الآية10.
وهتف صلى الله عليه وسلم في الملمين قائلا: “المسلم أخو المسلم.. لايظلمه ولا يحقره ولايخذله” رواه مسلم.
وعند ما هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة زادها الله تشريفاٍ وتكريماٍ وتعظيماٍ ومهابة إلى المدينة المنورة.. في مقدمة أعماله التي أرساها بعد هجرته المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ورتب على هذه الأخوة للمسلم على أخيه المسلم حقوقاٍ منها:
رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس.
وربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم – وضع الأخوة الإنسانية بين البشرية جميعاٍ مسلمهم وغير مسلمهم أيا كان المعتقد حتى ولو كان يعبد الحجر والشجر فقال عز وجل في محكم التنزيل ” يِا أِيْهِا النِاسْ إنِا خِلِقúنِاكْم من ذِكِرُ وِأْنثِى وِجِعِلúنِاكْمú شْعْوبٍا وِقِبِائلِ لتِعِارِفْوا إنِ أِكúرِمِكْمú عندِ اللِه أِتúقِاكْمú إنِ اللِهِ عِليمَ خِبيرَ “لحجرات الآية 13.. وقال سبحانه وتعالى ” يِا أِيْهِا النِاسْ اتِقْواú رِبِكْمْ الِذي خِلِقِكْم من نِفúسُ وِاحدِةُ وِخِلِقِ منúهِا زِوúجِهِا وِبِثِ منúهْمِا رجِالاٍ كِثيرٍا وِنسِاء وِاتِقْواú اللهِ الِذي تِسِاءلْونِ به وِالأِرúحِامِ إنِ اللهِ كِانِ عِلِيúكْمú رِقيبٍا “سورة النساء الآية 1.
الإسلام أكد تحريم الدماء
إن الإسلام لم يقم ولا يقوم أبدأ على العنف والإرهاب والتطرف وسفك الدماء وكيف وقد جاء في محكم التنزيل “لاِ إكúرِاهِ في الدين” سورة البقرة 256.. والإسلام حرم تحريما قاطعاٍ وحظر حظراٍ تاماٍ أن تسفك الدماء إلا بحقها.
والإسلام قرر أن المؤمن لا يزال في فسحة من دينه ورجاء رحمة من ربه وإن ارتكب الكبائر ما لم يسفك دماٍ حراماٍ فإذا تردى ووقع في هذه الخطيئة بقتل نفس بغير حق ظلماٍ وعدواناٍ ضاقت عليه المسالك ودخل في زمرة الآيسين من رحمة الله تعالى وقد ورد في ذلك عدة أحاديث عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم منها:
ما رواه البخاري بسنده عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – “لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماٍ حراماٍ.
وجا في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – المرفوع: “من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوباٍ بين عينيه آيس من رحمة الله” أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وروى البخاري بسنده عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال :إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله.
الورطات: جمع ورطة وهي الهلاك.
وسفك الدم: أي إراقته والمراد القتل بأي صفة كان ذلك القتل الآثم.
وفي الحديث المتفق عليه : عن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء” أي الدماء التي وقعت بينهم في الدنيا ويكون البداية بالسؤال عن الدماء في حقوق العباد لأهميتها ولعظم المفسدة المترتبة عليها الإسلام حرم القتل العمد العدوان على النفس التي حرم الله إلا بالحق قال الله تعالى ” وِلاِ تِقúتْلْواú النِفúسِ الِتي حِرِمِ اللهْ إلاِ بالúحِق” الانعام الآية 151.
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور أو قال: وشهادة الزور.
قتل النفس المحرمة كقتل الناس جميعا.
بين الحق تبارك وتعالى في سورة المائدة أحداث أول جريمة قتل وقعت على الأرض ورتب عليها جزاءها.
فقال تعالى” وِاتúلْ عِلِيúهمú نِبِأِ ابúنِيú آدِمِ بالúحِق إذú قِرِبِا قْرúبِانٍا فِتْقْبلِ من أِحِدهمِا وِلِمú يْتِقِبِلú منِ الآخِر قِالِ لِأِقúتْلِنِكِ قِالِ إنِمِا يِتِقِبِلْ اللهْ منِ الúمْتِقينِ27/5لِئن بِسِطتِ إلِيِ يِدِكِ لتِقúتْلِني مِا أِنِاú ببِاسطُ يِديِ إلِيúكِ لِأِقúتْلِكِ إني أِخِافْ اللهِ رِبِ الúعِالِمينِ28/5إني أْريدْ أِن تِبْوءِ بإثúمي وِإثúمكِ فِتِكْونِ منú أِصúحِاب النِار وِذِلكِ جِزِاء الظِالمينِ29/5فِطِوِعِتú لِهْ نِفúسْهْ قِتúلِ أِخيه فِقِتِلِهْ فِأِصúبِحِ منِ الúخِاسرينِ 5فِبِعِثِ اللهْ غْرِابٍا يِبúحِثْ في الأِرúض ليْريِهْ كِيúفِ يْوِاري سِوúءةِ أِخيه قِالِ يِا وِيúلِتِا أِعِجِزúتْ أِنú أِكْونِ مثúلِ هِذِا الúغْرِاب فِأْوِاريِ سِوúءةِ أِخي فِأِصúبِحِ منِ النِادمينِ31/5منú أِجúل ذِلكِ كِتِبúنِا عِلِى بِني إسúرِائيلِ أِنِهْ مِن قِتِلِ نِفúسٍا بغِيúر نِفúسُ أِوú فِسِادُ في الأِرúض فِكِأِنِمِا قِتِلِ النِاسِ جِميعٍا” سورة المائدة الآيات 27 -32.
وقد حرم الله القتل إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس ظلما وعدوانا وإقامة الحدود من اختصاص ولي الأمر.
وقد اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ” فِكِأِنِمِا قِتِلِ النِاسِ جِميعٍا” على عدة أقوال منها ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- أنه قال: المعنى: من قتل نبياٍ أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفاٍ من الله تعالى فهو كمن أحيا الناس جميعا.
وعنه أيضا أنه قال: المعنى: من قتل نفساٍ واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا.
وعن مجاهد : المعنى: أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمداٍ جعل الله جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وقيل: المعنى: من قتل نفسا واحدة بغير حق فالمؤمنون كلهم خصماؤه.
قتل الجماعة بالواحد
من حرمة الدماء المصونة ومكانتها عند خالقها جل علاه جاءت في الإسلام نصوص بأن تقتل الجماعة بالفرد الواحد منها:
ما رواه نافع عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما- أن غلاما قتل غيلة فقال عمر- رضي الله عنه- لو اشترك فيها -أي في جريمة قتله- أهل صنعاء لقتلتهم.
وروى الترمذي بسند حسن- عن ابن الحكم البجلي قال: سمعت أبا سعيد الخدري وأبى هريرة -رضي الله عنهما- يذكران عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : “لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار” بسند الترمذي رقم 1419.
وروى الترمذي وغيره أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:” لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم” أي الدنيا أحقر وأسهل عند الله.
الإسلام ليس دين الإرهاب والعدوان
ديننا الإسلامي ليس دين الإرهاب أو التخويف أو العدوان والإرهاب والتخويف في الإسلام لا يكونان إلا من الله تعالى وله سبحانه وتعالى وصدق الله تعالى القائل “وِإيِايِ فِارúهِبْون” البقرة الآية.
والإرهاب ليس له ديناٍ ولا وطناٍ بل هو بلوى عامة تصيب من شاء الله تعالى.
والإرهابيون: هم الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق أهداف سياسية وهم ليسوا أبدا من الإسلام في شيء والذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لترويع الآمنين أو لتحقيق أهداف يزعمون أنها دينية ليسوا كذلك من الإسلام في شيء بل هم إما منحرفون بالإسلام أو منحرفون عن الإسلام ذلك أن الخوف في الإسلام لا يكون إلا من الله تبارك وتعالى.
ولقد نهى الإسلام عن تخويف المسلم وترويعه في أي صورة من الصور ومن ذلك ما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يديه فيقع في حفرة من النار”.
وورد في حديث أبي سلمة (الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى الآخر بحديدة, وإن كان أخاه لأبيه وأمه) وروى البخاري عن جابر بن عبدالله -رضي الله تعالى عنهما- أن رجلاٍ مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها فأمر أن يأخذ بنصولها لا يخدش مسلماٍ.
والخدش أول الجرح
وما رواه عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مر أحدكم في مسجدنا أو سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها أو قال فليقبض بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين.
وهذا كله يدل على تحريم تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى آذية المسلم بكل وجه.
والله حرم الظلم على عباده كما حرمه سبحانه على نفسه وجاء في الحديث القدسي الذي رواه المعصوم صلى الله عليه وسلم عن ربه: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.
وأخبر ربنا بأنه لا يحب الظالمين قال تعالى (وِاللهْ لاِ يْحبْ الظِالمينِ ) سورة آل عمران الآية 54.
وأخبر سبحانه بأن الظالمين لا يفلحون فقال تعالى في محكم التنزيل (إنِهْ لاِ يْفúلحْ الظِالمْونِ ) سورة الانعام.
وأخبر مولانا بأنه لا يزيد الظالمين إلا خسارا (وِنْنِزلْ منِ الúقْرúآن مِا هْوِ شفِاء وِرِحúمِةَ للúمْؤúمنينِ وِلاِ يِزيدْ الظِالمينِ إِلاِ خِسِارٍا) الإسراء 82.
العدوان على غير المسلمين
ليس لمدع أن يدعي أو القائل أن يقول أن النصوص السالفة الذكر التي تحرم قتل النفس أو إيذاءها أو تهديدها أو الظلم تنهى عن ترويع المسلمين فقط أو إخافتهم أو أذيتهم فإن لغير المسلمين المستظلين بحماية دولة الإسلام وفي مجتمعات المسلمين (كالرؤساء- الوزراء- السفراء- الخبراء- العمال- السياح- أو الحاصلة على أي تأشيرة لدخول بلادنا من قبل الجهات الرسمية) فإن لهم من الحفظ والرعاية والأمن ما لنا وعليهم ما علينا طالما لم يحاربونا وإيماننا لا يزيدنا عنهم في ذلك شيئا ولا ينقصهم عدم إيمانهم عنا في ذلك شيئا فالإيمان ثوابه عند الله تعالى ولم تجعل الدنيا له مثوبة وأجراٍ ولو كانت الدنيا تعادل عندالله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء- لهوانها على الله تعالى.
روى الترمذي بسنده- عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ألا إن من قتل نفسا معاهدة له أي لهذا الشخص المعاهد ذمة الله وذمة رسوله فقد أضفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفاٍ.
والمعاهد: من كان له مع المسلمين عهد شرعي سواء كان بهدنة من سلطان أو بامان من مسلم.
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى (وِلاِ تِقúتْلْواú النِفúسِ الِتي حِرِمِ اللهْ إلاِ بالúحِق) 151 هذه الآية تنهى عن قتل النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهده الا بالحق الذي يوجب قتلها.
وعن أبي داود – رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: “من قتل رجلاٍ من أهل الذمة لم يجد ريحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما” وفي البخاري في الحديث الذي أخرجه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما (من قتل معاهداٍ ذمياٍ لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماٍ).

رئيس بعثة الأزهر الشريف باليمن

قد يعجبك ايضا