إصلاح ذات البين توطيد للأخوة الإيمانية ونبذ للفرقة والخلافات المقيتة


قال رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة فقال أبو الدرداء: قلنا بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين ). إن للإصلاح بين المختلفين والفرقاء وأفراد المجتمع فضلاٍ كبيراٍ في الدنيا والآخرة ولما يسهم في تعزيز الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية.
إن ثمرات الإصلاح بين الناس عظيمة وعاقبة تركه وخيمة ولذا كان المصطفى يبادر إلى حسم النزاعات بالإصلاح العادل فأصلح بين الزوجين وسوى بين الفردين حتى استوضع للدائن من المدين صلحاٍ وأصلح بين الفئتين وسار على ذلك خلفاؤه وصحابته والتابعون وكتب الفقهاء والمحدثون للصلح في كتبهم واعتنى به القضاة والدارسون لشئون المجتمعات والمجاهدون وغيرهم وإن القاضي الناجح لا يصدر حكمه القضائي إلا إذا أعياه الصلح العادل ولعظيم فوائد الصلح رخص الشارع فيه الكذب من أجله عن أم كلثوم بنت عقبه ابنة أبي معيط رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراٍ ويقول خيراٍ).
وقد حدد العلماء شروط المصلح بين الناس ومن ذلك : أن يخلص النية لله فلا يبتغي بصلحه مالاٍ أو جاهاٍ أو رياء أو سمعة وإنما يقصد بعمله وجه الله .. “ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراٍ عظيماٍ ” . وأن يتحرى العدل ليحذر كل الحذر من الظلم ” فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ” . وليكن صلحك مبنياٍ على علم شرعي وحبذا أن تشاور العلماء في ذلك وأن تدرس القضية من جميع جوانبها وأن تسع كلام كل واحد منهما ..
محذرين من التعجل في حكمك وتريث الأمر فالعجلة قد يْفسد فيها المصلح أكثر مما أصلح ومراعاة اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين بمعنى أنك لا تأتي للإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وتنطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما .
أمر الله
( واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءٍ فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناٍ وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).
هكذا استهل فضيلة العلامة إبراهيم العلفي حديثه معنا وأضاف مستشهدا بقوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراٍ عظيماٍ) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
مبينا أن للمصلح بين الناس عظيم الفضل في الدنيا والآخرة خاصة بما يعانيه يومنا هذا الكثير من الصراعات والاختلافات والتصدعات لأمور ما أنزل الله بها من سلطان وقد حذرنا الله منها ودعانا إلى الامتثال لداعي الصلح والخير (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون).
ثمار عظيمة
من جهته يقول العلامة محمد الشامي : إن للإصلاح بين الأفراد والمجتمع ثماراٍ عظيمة تتجلى في الابتعاد عن كل الأحقاد ومنزلقات البغض والاعتداء ودليل على الإيمان وأثره في قلب العبد لإسهامه في التأليف بين القلوب والإصلاح بين المتخاصمين ابتغاء مرضات الله فعن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ناباه فقال عمر ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي¿ فقال : ((رجلان من أمتي جيئا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى فقال أحدهما: يارب خذ لي مظلمة من أخي قال الله تعالى أعط أخاك مظلمته قال: يارب لم يبق من حسناتي شيء قال: رب فليحمل عن أوزاري قال: ففاضت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم أوزارهم فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يارب أرى مدائن من فضة وقصوراٍ من ذهب مكللة بالؤلؤ لأي نبي هذا¿ لأي صديق هذا¿ لأي شهيد هذا¿ قال: هذا لمن أعطى ثمنه قال: يارب ومن يملك ثمنه¿ قال: أنت تملك ثمنه قال: ماذا يارب¿ قال: تعفو عن أخيك¿ قال: يارب فإني قد عفوت عنه قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة)) ثم قال رسول الله : (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة) ما أعظم هذا الحديث وهو عظة لبلوغ درجة التسامح والعفو والمنزلة التي ينالها المصطلحون ,فعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ((ألا أدلك على تجارة¿ قال: بلى يا رسول الله: قال: تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا)).
وأضاف الشامي: ما أحوجنا اليوم لتعزيز هذه القيمة الروحانية والأخلاقية والإيمانية بين المسلمين ونبذ التفرقة والتشرذم والصراع وهل تعلمون أن أول عمل عمل قام به صلوات الله عليه وسلامه حال دخوله المدينة وإرساء دعائم الدولة الجديدة وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وأزال التفرقات والعصبيات الجاهلية فوارق النسب واللون وحتى الوطن وما أعظمها من أخوة ووحدة لله في الله لتأسيس المجتمع الإسلامي الموحد آنذاك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال : لا فقالوا : تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا) وفيهم يصدق قوله تعالى: (وِالِذينِ تبوئوا الدِارِ وِالúأيمِانِ منú قِبúلهمú يْحبْونِ مِنú هِاجِرِ إلِيúهمú وِلا يِجدْونِ في صْدْورهمú حِاجِةٍ ممِا أْوتْوا وِيْؤúثرْونِ عِلِى أِنúفْسهمú وِلِوú كِانِ بهمú خِصِاصِةَ وِمِنú يْوقِ شْحِ نِفúسه فِأْولِئكِ هْمْ الúمْفúلحْونِ).
الأخوة
وأما الداعية إيمان النجدي – جامعة القرآن الكريم وعلومه -فهي تقول: لقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «رد الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن». ولهذا فإن الاحتكام إلى صوت الخير والتسامح هو أصفى للقلوب وأقربها للمحبة والتسامح لا ما تخلفه المحاكم والقضايا من خصومات قد يصعب محوها فياداعي الخير أقبل ويا داعي الشر أدبر.
الحالقة
ومضت بالقول : ومشكلتنا أنه وللأسف الشديد استهان الناس بحق الأخوة فاستهانوا بعظمتها, ولو أحيينا قيم الأخوة الاسلامية وحقوقها وواجباتها لما وجدنا ولا سمعنا منادياٍ ينادي للفرقة والعصبوية بين أبناء الإسلام فعلى المستوى الحقوقي فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يْسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة, وحق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس” وإحياء الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراٍ أو تقضي عنه ديناٍ أو تطعمه خبزاٍ, ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا و من كف غضبه ستر الله عورته و من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).
وكفانا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة¿» قالوا: بلى يا رسول الله قال: «إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هو الحالقة».

قد يعجبك ايضا