الثورة نت /..
على أطراف القدس، حيث الريح تهب على خيام الصفيح المتهدمة، يقف سكان “خلة السدرة” البدوي في وجه المستوطنين، يحرسون أرضًا تُحرق وتُسرق تحت أعين العدو الإسرائيلي.
كل يوم هنا معركة: بين النار التي التهمت البيوت، وبين إرادة لا تنكسر، وبين الخوف الذي يتحول إلى صمود.
في هذا الركن المنسي، يكتب الفلسطينيون حكاية صمودٍ وتحدٍ وجودي على أرضهم، رسالة واضحة: من عاش على هذه الأرض، لن يُقتلع منها بسهولة.
في خيام وبركسات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، يعيش نحو 59 فلسطينيًا في تجمع “خلة السدرة” البدوي شرقي بلدة مخماس شرق القدس المحتلة، يقاومون يوميًا للبقاء على أرضهم التي يسعى العدو الإسرائيلي لابتلاعها لصالح التوسع الاستيطاني.
“خلة السدرة” ليست مجرد تجمع بدوي صغير، بل نقطة مواجهة حقيقية مع مشروع استيطاني ضخم يسعى لمحو الوجود الفلسطيني في منطقة استراتيجية شرق القدس.
في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، هاجم عشرات المستوطنين التجمع ليلاً، اعتدوا على السكان وأضرموا النار في تسعة منازل بكل محتوياتها، تاركين خلفهم رمادًا ورعبًا لا يزال حاضرًا في ذاكرة الأهالي.
يقول يوسف كعابنة، أحد سكان التجمع لـ وكالة “صفا” الفلسطينة: “كل يوم نعيش في رعب، لا نعرف متى يقتحم المستوطنون بيوتنا أو يحرقون ممتلكاتنا كما فعلوا في تلك الليلة. نحن نعيش على أعصابنا.”
بدأت معاناة التجمع في نوفمبر 2022، مع إقامة أول بؤرة استيطانية قرب المكان، لتبدأ بعدها سلسلة اعتداءات على الرعاة وآبار المياه، ثم سرقة الأغنام وحرق الحظائر.
يضيف كعابنة: “منذ السابع من أكتوبر نعيش هجمة مسعورة. يريدون اقتلاعنا من أرضنا. لقد فقدنا مصدر رزقنا الوحيد، لكننا لن نرحل.”
يحاول العدو الإسرائيلي خنق التجمعات البدوية عبر سياسة تهجير باردة، لا تعتمد على الجرافات وحدها، بل على خلق ظروف معيشية مستحيلة — من انقطاع المياه والكهرباء، إلى الحصار ومنع البناء.
وجود “خلة السدرة” يشكّل عقبة أمام تنفيذ مشروع استيطاني ضخم يهدف إلى ربط مستوطنات شرق القدس بالبحر الميت، وقطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها.
رغم القهر، يصرّ السكان على البقاء. يرممون ما تهدّم، ويواصلون تربية مواشيهم رغم الخسائر.
المشرف العام لمنظمة البيدر الحقوقية حسن مليحات يقول: إن المعاناة في خلة السدرة ليست عابرة أو مؤقتة، بل معاناة يومية مستمرة، تتمثل في غياب البنية التحتية الأساسية، فلا شبكات كهرباء ولا مياه ولا طرق مؤهلة ولا مدارس ولا مركز صحي.
ويؤكد مليحات أن دعم المؤسسات المحلية والدولية ضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى، لحماية التجمعات البدوية من الزوال، وتعزيز صمودها في وجه الاعتداءات والمصادرة.
ورغم كل ما التهمته النار وسرقته الجرافات، ما زالت “خلة السدرة” تنبض بالحياة.
ففي كل خيمة مهدّمة، تُولد إرادة جديدة، وفي كل رمادٍ يشتعل حلم العودة والكرامة.
هنا، لا يملك الناس سوى الأرض لكنها بالنسبة لهم كل شيء: الوطن، والرزق، والهوية.
وبينما يراهن العدو الإسرائيلي على اليأس، يراهن البدو على جذورٍ أعمق من الزوال، لتثبت أن من عاش على هذه الأرض، لن يُقتلع منها.


