الثورة نت /..
على تلال الضفة الغربية الموشّاة بأشجار الزيتون العتيقة، يتحول موسم الحصاد كل عام إلى موسم معركة، بين أصحاب الأرض الذين يحملون المناجل والسلال، ومستوطني العدو الإسرائيلي الذين يأتون مدججين بالسلاح.
هناك، بين جذوع الزيتون، تُروى حكاية شعب يقاوم بصموده ودمه ليحافظ على ما تبقى من تراب وطنه.
في بلدة ترمسعيا شمال شرقي رام الله، كان المزارع الخمسيني “أبو سامر” يستعد مع عائلته لقطف الزيتون كما يفعل كل عام، حين باغتهم عشرات المستوطنين المسلحين.
يقول بصوتٍ متعب لـ وكالة “صفا” الفلسطينية: “خرجنا فجراً نحو أرضنا، نحمل الطعام وأدوات القطف، لكننا فوجئنا بالمستوطنين يهاجموننا بالرصاص والغاز.. أصيب ابن أخي، واحترقت سيارتنا أمام أعيننا، ولم نستطع حتى إنقاذ الزيتون الذي تعبنا عليه عامًا كاملاً.”
مشهدٌ مشابه يتكرر في عشرات القرى الفلسطينية. في طوباس وبرقة وسنجل، تُقتلع الأشجار كما تُقتلع الأرواح.
ورغم هذه الأرقام المفزعة، يرفض الفلسطينيون الاستسلام.
تقول المزارعة “أم محمد” من قرية سنجل: “نأتي إلى الأرض ونحن نعلم أن المستوطنين ينتظروننا، لكننا لا نخاف.. الزيتون حياتنا وذاكرتنا، ولن نتركه لهم.”
الناشط في هيئة مقاومة الاستيطان، عايد غفري، يرى أن ما يجري ليس مجرد اعتداءات فردية، بل سياسة ممنهجة لإرهاب المزارعين ودفعهم إلى ترك أراضيهم.
ويضيف: “هذه حرب منظمة على شجرة الزيتون؛ لأنها رمز الوجود الفلسطيني. حين يقتلعونها، يظنون أنهم يقتلعون جذورنا، لكنهم لا يدركون أننا مثلها، كلما اقتلعونا نزرع أنفسنا من جديد.”
ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن الضفة شهدت 71 هجومًا للمستوطنين خلال أسبوع واحد فقط، نصفها مرتبط مباشرة بموسم قطف الزيتون، وامتدت الاعتداءات إلى 27 قرية فلسطينية.
ورغم الدمار والخسائر، يبقى الفلسطيني متمسكًا بغصن الزيتون كرمز للحياة لا للاستسلام.
يقول “أبو سامر” وهو يحدّق في شجره المحترق: “سيحرقون زيتوننا اليوم، لكننا سنزرع غدًا ألف غرسة مكان كل شجرة اقتلعوها. لأننا لا نملك إلا الأرض، ولا نعرف إلا أن نبقى.”
رغم نيران المستوطنين ورصاص العدو الإسرائيلي، يبقى الفلسطيني متمسكًا بغصن الزيتون، يزرعه بيدٍ و يقاوم بالأخرى. فكل شجرة تُقتلع، تُنبت في الذاكرة ألف جذر جديد، وكل زيتونة تُحرق، تُشعل في القلب نار الصمود لا الرماد.
موسم الزيتون في الضفة ليس موسمًا للقطاف فحسب، بل موسم للكرامة والبقاء، حيث تتحول الأرض إلى ساحة مقاومة، والمزارع إلى حارسٍ للهوية، حيث يعلن للعالم أن الزيتون سيبقى ما بقيت فلسطين.
وقال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، مؤيد شعبان، إن جيش العدو الإسرائيلي والمستوطنين الصهاينة نفذوا ما مجموعه 259 اعتداءً ضد قاطفي الزيتون، منذ انطلاق الموسم في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري وحتى اليوم الثلاثاء في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة.
