من الخطأ أن ننسب القمة التي عُقدت إلى المكان، لأن المكان وأصحابه نكسوا رؤوسهم بمجرد وصول الطاهش الأكبر، حيث وصل نافشاً ريشه وجنون العظمة يعتريه، يتحدث عن انجازاته والتي يعتبر آخرها الانتكاسة التي حدثت في غزة، والتي أجبرت المجاهدين الأبطال من أبناء فلسطين أن يسلموا لرغبات العجزة وماسحي الأحذية من الحُكام العرب .
وهنا نُدرك أن المكان لم يستفد أي شيء من هذه القمة، وكان المستفيد الوحيد هو هذا الترامب، فحتى من يدعي أنه حاكم المكان أضطر للانحناء والنزول عند رغبات هذا الطاهش، الذي ظهر مثل الطاووس نافشاً ريشه يوزع الكرامات هُنا وهناك .
بأسلوب مخابراتي فظيع ابتكر الرجل فكرة الاختلاء بعدد من الأشخاص الذين حضروا القمة كزعماء، وكانت وظيفته فقط إذكاء الفتنة وإغراء العداوة بين من حضروا، حيث همس في آذان من التقى بهم كما يلي :
* لـ “أردوغان”: أنت الآن الرأس الأكبر، لقد ساءني أنك قلت بأنك ستغادر القاعة إذا حضر نتنياهو، تأكد أنك ستكون رجل الأمر والنهي في المنطقة، لا تُفكر في زعماء الخليج فهم مجرد جيوب للعطاء فقط والتمويل، أما فكرة المغادرة لاكتساب الشعبة فلم تعد مجدية، لقد عرف الكل مثل هذه الأساليب منذ الحركة التي أقدمت عليها في دافوس .
* لـ “محمود عباس”: ما الذي جاء بك أنت غير مدعو ؟! أجاب عباس ورأسه مطأطأ نحو الأرض، أنا جئت أحذركم لا تسمحوا بخروج مروان البرغوثي من السجن فهذا الرجل إن خرج سيعيد الأمور إلى نقطة الصفر، وسينتهي مفعول هذا المنجز الذي تتباهى به، قال ترامب في نفسه : كنت أتوقع أن الرجل سيعاتبني أننا منعنا دخوله إلى أمريكا لحضور جلسات الأمم المتحدة، وإذا به يتحدث فقط عن المنافس له ويُعبر عن خوفه من خروجه إلى الحياة واكتسابه الحرية .
* لـ ” أمير قطر ” :أمسح الضربة التي حدثت في ذقني!! أما بن سلمان فلن نستغني عنه باعتباره الممول الأكبر وكذلك محمد بن زايد، لكن الرجل الثاني بعد أردوغان ستكون أنت .. اطمئن …؟!
* لـ ” السيسي “: كل يوم يمر تزداد قيمتك عندي .. وتأكد بأنك الموالي المنقاد طواعية والمنفذ بدون أوامر، ظل هكذا ليرتفع شأنك وإن كان الأمر على حساب دولة مصر …
* لـ “رئيس وزراء بريطانيا” : الحقيقة أننا عاجزين عن تقديم الشكر لكم فكل خطوة تخطونها تجد طريقها إلى التنفيذ بسرعة، كما هو حال صفقة القرن والاتفاقية الإبراهمية، ها هي اليوم على مشارف التنفيذ في أرض الواقع، على العالم أن يُبالغ في شكركم لأنكم ستظلون تحملون الضوء الأخضر المؤدي إلى عالم آخر لا يحكمه المتوحشون ولا الإرهاب، وسيكون توني بلير همزة الوصل بيننا.
* لـ ” رئيس وزراء باكستان ” : لا تنسى ما اتفقنا عليه، أكد على ضرورة منحي جائزة نوبل للسلام، وسنلزم حُكام الخليج بمنحك المال الذي تحتاج إليه لتظل شعبيتك قائمة في باكستان، ولا تنسى أيضاً أن تسجي الشكر لحُكام الخليج بالذات السعودية البقرة الحلوب التي سميتها بهذا الاسم وستظل كذلك إلى أن ينضب النفط .
وهكذا ظل ترامب يهمس في الآذان بكلمات يجهلها الحاضرين وتظل سر بينه وبين الشخص المتلقي على قاعدة ” أن السر إذا تجاوز الاثنين انتشر” الإشكالية أن هذا الترامب مهووس متقلب المزاج وأفكاره متناقضة، ففي الوقت الذي يدعي فيه أنه رجل السلام تباهى بنتنياهو باعتباره رجل الحرب المُقدس، وفي الوقت الذي أعلن فيه أنه سيُحقق الأمن والسلام في الشرق الأوسط، لم يذكر من قريب أو بعيد حل الدولتين التي تحدث عنها كثيراً العرب فقط ومن على شاكلتهم من الأوروبيين .
أخيراً كما قُلنا أنها مجرد مسرحية هزلية احتوتها شرم الشيخ وتغطرس فيها ترامب، وهكذا سيظل العرب يلهثون ويبحثون عن المُنقذ بلا جدوى، لأنهم من خذلوا أنفسهم، لكن في النهاية سيأتي النصر المُبين وستتحقق الغاية إن شاء الله، وتتحرر القدس بإرادة الأقوياء من أبناء هذه الأمة، النصر للإسلام والمسلمين، والخزي والعار والخذلان لكل المتهافتين على ترامب وسياساته العقيمة .
والله من وراء القصد …