‏( حكاية جريمة إعدام شهيد الولاء عيسى العفيري )

مراد راجح شلي

 

كانت الساعة السادسة من فجر السبت، الرابع من أكتوبر 2025.

في زنزانةٍ ضيقة غابت عنها الشمس، جلس عيسى العفيري على سجادته التي أكلها الزمن، يهمس في دعائه الأخير.

سمع وقع أقدام سجّانيه تقترب شيئًا فشيئًا، فنهض بطمأنينةٍ تشبه طمأنينة العارفين بمصيرهم، رتّب سجادته بعناية، ووضعها قرب نافذة الزنزانة الصغيرة، إلى جوار المصحف الشريف الذي رفعه واحتضنه كمن يحتضن أمَّه ووطنه ورفاقه جميعًا.

قبّله طويلاً… وكأنه يودّع من خلاله كلَّ الوجوه التي أحبّها.

دوّى صوت المفاتيح في القفل، ثم أعقبه صراخٌ قاسٍ:

– هيا أيها الرافضي… يا كافر! حان موعد تطهير الأرض من رجسك !

فتحوا الباب وركلوه بأقدامهم، فرفع عيسى رأسه إليهم، وابتسم بسخريةٍ هادئةٍ تنضح باليقين.

تدافع أربعةٌ من السجّانين نحوه واحكموا قبضتهم عليه، كبّلوا يديه خلف ظهره، وضعوا عصابةً سوداء على عينيه، وجرّوه بقسوةٍ جعلت جسده النحيل يرتطم بجدار الزنزانة الحديدي بكل عنف. سال الدم من رأسه، لكنه لم يئنّ… بل أطلق ابتسامةً مطمئنةً أربكت جلاديه.

واصلوا جره بعنفٍ للموت ، فيما كان هو يمضى الى الشهادة بروحية رفاق دربه الشهداء العظماء .

يتقدم للشهادة كما تقدم القائد الشهيد يوم واجه جلاديه ومضى وسطهم… بوجهٍ مضيءٍ وثباتٍ لا يلين.

يمضي بعظيم ولاء وثبات الشهيد عبدالقوي الجبري يمضي بعظيم صبر وثبات الشهيد توفيق طنينه

وصلوا به إلى ساحة الإعدام داخل المعتقل.

أربعةُ جلادين يقفون بأسلحتهم المذخّرة، لحاهم الكثّة تلوّثها الكراهية، وأعينهم تتّقد حقداً.

وقف ممثل النيابة قريبًا، مطأطئ الرأس، يهمس لآمر السجن البدين ذي اللحية الحمراء:

– أين أهله؟ ألا يكفي أنه أسير حربٍ بلا جريمة؟

زمجر الآمر باحتقارٍ :

– لقد ارغمناه على الاعتراف ووقّع، شئت أم أبيت! أجرِ ما يلزم إن كنت تريد النجاة بنفسك !

ارتجف الرجل الخائف، ثم بدأ قراءة حيثيات حكمٍ ظالمٍ يعرف أنه باطل.

وفيما كانت الكلمات تُتلى كطقوسٍ جريمة شيطانية كان السجّانون يجرّون عيسى إلى الأرض، أجبروه على الركوع، وأحاط به منفذو الجريمة الأربعة.

صرخ أحدهم بأقصى صوته:

– استتبَّ أيها الكافر !

رفع عيسى رأسه، تنفّس بعمقٍ من رئتيه المنهكتين، واستجمع ما تبقّى من قواه، ثم رفع يده اليمنى بكل صعوبة، وهتف بصرخة البراءة صرخة اخترقت جدران السجن …

ارتجّت الساحة كأنّ السماء صرخت معه، وكأنّ الحقَّ والأولياء ردّدوا صوته .

استشاط الجلادون غضباً، انهالوا عليه ركلاً وضرباً بأعقاب بنادقهم حتى سقط جسده على الأرض، ثم أطلقوا عليه وابلًا من الرصاص .

أكثر من عشر رصاصاتٍ اخترقت جسده النحيل، لكن حين حركوه وقلبوه ليتأكدوا من موته، رأوا وجهه مضرّجاً بالدماء، تعلوه ابتسامة النصر.

ابتسامةٌ ظلت تطاردهم… وتقتلهم كلَّ حين.

 

 

 

قد يعجبك ايضا