الأسرة /خاص
تركت ضوضاء المدينة وصخب الحياة في الشوارع والأحياء المكتظة بالناس وانتقلت إلى سكن منعزل لا جيران حوله وفي مكان ريفي في ضواحي مدينة الحديدة بصحبة زوجها وطفليها وبسرعة انضمت إلى أسرتها الصغيرة بقرتها الحلوب لتغير حياتها كما تقول إلى أفضل مما كانت تتوقعه.
هذه هي السيدة أم عزام 35 عاما من أبناء مدينة الحديدة والتي باتت تسكن في مكان خال بمنطقة الخمسين الريفية شرقي مطار الحديدة بصحبة عائلتها وبقرتها التي تكن لها الكثير من الحب والرعاية بعد أن كانت سببا كما تقول لـ” الأسرة “ في تغيير حياتها وحياة أسرتها إلى الأفضل.
بقرة “أم عزام” هي البطلة الحقيقية في قصة السيدة التي أصبحت تعيش حياة هادئة وحافلة بالأعمال والنشاط الدؤوب وبالدخل المادي الثابت الذي يصل إلى الأسرة بصورة أسبوعية.
وتقول أم عزام وهي تحمل الشهادة الثانوية وأمضت الجزء الأكبر من عمرها في أرجاء مدينة الحديدة أنها تعيش حاليا أجمل مراحل العمر حيث الهدوء والسكينة والهواء الريفي النقي.
كان صاحب فكرة الانتقال إلى المكان الخالي زوج أم عزام التي توضح انها قابلت الفكرة في بداية الأمر بكثير من الخوف والقلق والتفكير المطول ومع شراء مزرعة صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية بجوار المنزل واقتناء بقرتين في البداية وعدد من الأغنام والنعاج كانت المفاجأة الجميلة كما تصفها أم عزام وهي أنها من أفضل ما واجهته في حياتها.
وتضيف في حديثها لـ”الاسرة “ كانت السنوات الأولى من الانتقال للمنزل البعيد عن المدينة مثالية للغاية واستمرت اربع سنوات وكانت الطامة الكبرى حين وصلت لمواجعات مع قوى العدوان إلى المكان في أبريل من العام 2018 وتم تشريد الأسرة والاستغناء عن إحدى البقرتين ببيعها وإيداع الأخرى لدى زريبة أبقار في الجوار وبيع الأغنام وترك البيت والمزرعة وكل الذكريات الجميلة ساحة للحرب.
المرحلة الأصعب
المرحلة الأصعب والأكثر مأساوية في حياة أسرة أم عزام كانت السنوات الثلاث التي تواجد فيها مرتزقة العدوان، وتوضح أن المنزل وكل الساحات المجاورة له صار مزروعا بألغام ومتفجرات كما تم إغلاق المنطقة برمتها ووضع حواجز وخرسانات كبيرة في الطرقات المؤدية إلى المكان ونزحت الأسرة مثل كثير من الأسر في المناطق المجاورة إلى عمق مدينة الحديدة وإلى قرى ومناطق في محافظات عديدة وبعد نحو أربع سنوات وبعد استعادة المكان من قوى العدوان وهرع الناس أواخر العام 2021 إلى بيوتهم وإذا بها خرابات وتعرضت للسلب والنهب لكن بالعزيمة والإصرار تم إعادة البناء وعادت الحياة إلى طبيعتها.
وتضيف أم عزام: كانت لحظات العودة إلى البيت عاطفية ووجدانية إلى أبعد درجة خصوصا بعد ما حل في بيوتنا من خراب ودمار غير أنها مثل كثير من الناس في الجوار عملت رغم مخاطر الألغام على ترميم البيت والمزرعة واستئناف الحياة الطبيعية.
التفكير في عودة الحرب ومحنة النزوح هو كل ما بات يشغل بال أم عزام وأسرتها وتقول: عندما أفكر في هذا الأمر ينتابني قلق عميق وتظلم الدنيا في عيني ولا أطيق مجرد التفكير في عودة هذا الكابوس المزعج ومهما بالغت في التفكير في كيفية الحفاظ على البقرة والأغنام أجد أنني سأخسر كل شيء.
الدخل الأسبوعي
تؤكد أم عزام أنها توصلت من تجربتها في حياة الريف أن من أهم المشاريع المربحة هي تربية الأبقار وتوضح أن حليب بقرتها الوحيدة صار يدر على الأسرة دخلا أسبوعيا يتراوح ما بين الـ30 و40 ألف ريال أما من يقتني أكثر من بقرة فيحصل على دخل أكبر، وتشير إلى أن هناك متعهدين من السكان في الجوار يقومون بشراء الحليب الطازج يوميا من الأسر في كل المناطق المجاورة ويحتسبون مقدار الحليب باللتر لكل مواطن ويسجلون ذلك بدقة في سجلات خاصة قبل أن يتوجهوا إلى الجمعيات الزراعية ومصانع الألبان لبيعها عليهم وفي آخر الأسبوع يتم محاسبة كل أسرة بالمبالغ المستحقة عن إنتاج أبقارها من الحليب، مشيرة: إلى أن هذه الفرصة التي توفرت أمام السكان في الريف وازدادت انتشارا ورواجا في الآونة الأخيرة خلقت جوا من التنافس الإيجابي بين الريفيين، وتضيف: أنا شخصيا بت أفكر بشكل جدي في شراء بقرة ثانية لزيادة مستوى الدخل الأسبوعي.
ويقول جلال المرعي مزارع: إن الثروة الحيوانية تعد أهم مصدر من مصادر الدخل للمواطنين في الأرياف وخاصة في ريف تهامة فهم يعتاشون منها ويعتبر الحليب المصدر الرئيسي لغذائهم اليومي والآن أصبح أكثر أهمية من خلال تحسين مستوى معيشتهم فما يحصلون عليه من قيمة بيع الحليب يشترون المواد الغذائية الأساسية وبهذا يسهم بيع اللبن في تحسين مستوى معيشة مربي المواشي من الأسر الفقيرة.
تحسين المستوى المعيشي
ويوضح مختصون أن هناك جمعيات للإنتاج الحيواني تم تأسيسها خلال السنوات الماضية في الحديدة والعديد من المحافظات ودورها الأساسي لعب دور الوسيط بين مربيات الماشية اللاتي يقمنّ بإنتاج الحليب والمصانع التي تشتري الألبان وتٌصنعها. وكان لذلك التأثير الإيجابي في تحسين الظروف المعيشية للعائلات الريفية ناهيك عن التحسّن الواضح الذي طرأ على كميات وجودة الحليب ومستوى إنتاجه.
وتشير أم عزام إلى أن هناك من منتسبي هذه الجمعيات أشخاص من ذوي المهارة العالية والخبرة المشهودة في تحديد مستوى جودة الألبان من خلال التذوق المباشر وبالتالي لا مجال أمام أي أحد تسول له نفسه بالغش أو خلط اللبن بالماء وعند اكتشاف أي من هذه الحالات يتم إهراق اللبن في الأرض حتى لا يتكرر الأمر.
وتقول: سعيدة حسن وهي إحدى المنتجات الزراعيات أن تربية المواشي كان اهم أسباب بقائها هي وأطفالها على قيد الحياة بعد مرض زوجها وتوقفه عن مهنة الاصطياد وان الحليب أصبح المصدر الرئيسي لغذائها هي وأطفالها، وتضيف؛ سعيدة وهي أم لخمسة أبناء أن بيع اللبن أصبح يدر عليهم دخلا أسبوعيا يزيد وينقص بحث لا يقل عن عشرين ألف ريال تشتري به الأساسيات الضرورية لأطفالها.
وتؤكد أن التربية الصحيحة للأبقار والأغنام هي أبرز الشروط للحصول على كمية أكبر من اللبن يوميا وان نظافة الأواني المستخدمة يعد مهما لبقائه طازجا.
صعوبات ومتاعب
وتقول أم عزام : إن من الصعوبات التي تعيق بيع اللبن هو غياب المتعهد في بعض الأحيان وتعثر بيع اللبن أيضاً فساده قبل وصول المندوب أو المتعهد الذي يأخذه للمصانع بسبب شدة الحر بمنطقتها ولذلك فهي تقوم ببعض الحلول منها أنها تضع توقيت مناسب لحلب البقرة قبل مرور المتعد بدقائق حتى تتجنب فساده
ويقول: أحمد حسن فتيني وهو أحد المتعهدين بشراء الحليب من المزارعين بأنهم يستخدمون الأجهزة المناسبة لحفظ واستقبال الحليب من المنتجين الزراعيين وخاصة أن مدينة الحديدة حارة مما يزيد من تلف الحليب بسرعة حيث أن استراتيجية شراء الحليب من المزارعين بدلا من استيراده يعد فرصة كبيرة لتشجيع المنتجين ويعتبر من أهم الركائز لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد وخطوة مهمة لتحفيز نشاط الثروة الحيوانية والإسهام في زيادة إنتاج الألبان وتشجيع الإنتاج المحلي.
تجربة مثالية
تعد تجربة السيدة أم عزام ملهمة ومثالية في ظل العدوان والتحديات الاقتصادية وتداعياتها الكارثية التي خلفت بحسب الأمم المتحدة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم مع ارتفاع مضطرد لمستويات انعدام الغذائي وارتفاع معدلات سوء التغذية وخصوصا في أوساط النساء والأطفال حيث يؤكد برنامج الغذاء العالمي بأن هناك أكثر من 17 مليون يمني معرضون للمجاعة.