نحن اليوم، في الذكرى الحادية عشرة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر المجيدة، نقف أمام محطة فارقة من تاريخ اليمن الحديث، ثورة لم تكن ترفًا سياسيًا ولا نزوة لحظية، بل كانت ضرورة تاريخية وحتمية وجودية أملتها معاناة شعب عانى طويلًا من الفساد والتهميش والتبعية. لقد كانت هذه الثورة ثمرة وعي شعبي متراكم، وصرخة رفض في وجه الهيمنة الخارجية والارتهان للخارج، وبوابة عبور نحو مستقبل جديد يليق بشعب الإيمان والحكمة.
الجذور والدوافع
قبل انطلاقة الثورة، كانت اليمن تعيش واقعا قاتمًا؛ دولة مخترقة الإرادة، منهوبة القرار، مسلوبة السيادة. كانت القوى السياسية غارقة في صراعاتها الضيقة، والنفوذ الخارجي يفرض إملاءاته عبر أدوات محلية خانعة. الفساد استشرى في كل مؤسسات الدولة، والموارد كانت تُنهب فيما الشعب غارق في فقر مدقع ومعاناة متواصلة. لم يكن أمام اليمنيين سوى خيار الثورة، ثورة تُعيد الاعتبار للإنسان اليمني وتحرره من قيود التبعية والهيمنة.
لحظة الانطلاق
انطلقت ثورة 21 سبتمبر من صميم الهوية الإيمانية للشعب اليمني، لا بدفع خارجي ولا بإملاءٍ أجنبي. التف الشعب حول قيادته الثورية ليعلن بداية عهد جديد، عهد الخروج من الماضي المظلم إلى أفق الكرامة والسيادة. كان التحرك سلميًا في خطواته الأولى، جامعًا بين الحكمة والقوة، متجاوزًا حسابات القوى السياسية المتصارعة، ومبنيًا على قاعدة: الشعب هو صاحب القرار والسيادة.
إنجازات الثورة الداخلية
أول ما حققته الثورة كان استعادة الكرامة الوطنية، ثم شرعت في بناء جيش جديد مؤمن بعقيدته، مخلص لوطنه، بعيد عن الارتهان للولاءات الخارجية. هذا الجيش استطاع خلال سنوات العدوان أن يصنع المعجزات، مطورًا منظومات صاروخية وطائرات مسيّرة من إمكانيات متواضعة، ليصبح رقمًا صعبًا في معادلة الردع الإقليمي.
في الداخل، فرضت الثورة معادلة الأمن والاستقرار، فواجهت الإرهاب، وأعادت الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية المستقلة. لقد عادت الهوية الإيمانية لتكون القاعدة التي ينطلق منها البناء، وعاد الشعب ليكون محور القرار لا ضحية الصفقات السياسية.
الثورة والبعد القومي
لم تتوقف الثورة عند حدود اليمن، بل حملت في جوهرها قضية الأمة الكبرى: فلسطين. اتخذت القيادة الثورية قرارًا تاريخيًا بإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، وجعلت من نصرة الأقصى قضية مركزية. لم يعد اليمن صامتًا أمام جرائم الكيان الصهيوني، بل صار حاضرًا بقوة في قلب معركة الأمة، يكسر جدار الصمت ويعيد رسم معادلة الردع مع العدو الصهيوني وأدواته.
مواجهة العدوان
منذ تسع سنوات واليمن يواجه عدوانًا شاملاً، أرادوا من خلاله إسقاط الثورة وإخضاع الشعب، لكن الثورة صمدت واشتدت عودها. الحصار والتجويع والقصف لم يكسر إرادة اليمنيين، بل زادهم إصرارًا على المضي في مشروعهم التحرري. في ميادين القتال أثبتت القوات المسلحة أن الثورة ليست شعارات، بل أفعال وانتصارات. وفي البحر الأحمر والمحيط الهندي بات العدو يحسب ألف حساب لأي خطوة عدائية، بعدما أصبح اليمن لاعبًا إقليميًا لا يمكن تجاهله.
الأسس الشرعية والسياسية للثورة
يحاول الأعداء تصوير ثورة 21 سبتمبر كـ»انقلاب»، لكن الحقائق تكذبهم. فالثورة اعترفت بها القوى السياسية جميعًا حين وقعت اتفاق السلم والشراكة، والقيادة الثورية لم تأت من صفوف الانقلابات العسكرية، بل من وسط الشعب. الانقلاب الحقيقي هو ما ارتكبه خصوم الوطن حين تنكروا للاتفاق، وفروا إلى الخارج ليكونوا أدوات بيد الأعداء. أما ثورة سبتمبر فقد مثلت امتدادًا طبيعيًا لمسيرة 26 سبتمبر و14 أكتوبر، فكلها محطات في معركة اليمن للتحرر والسيادة.
ثورة الماضي والمستقبل
إن ثورة 21 سبتمبر ليست حدثًا عابرًا يُحتفى به في المناسبات، بل هي مشروع مستقبلي لبناء دولة عادلة وقوية ومستقلة. هي ثورة أعادت إحياء روح النضال في اليمنيين، وربطت حاضرهم بتاريخهم المشرّف. إنها استمرار لمسيرة التحرر من الاستعمار والإملاءات، وجسر يعبر به الشعب نحو غدٍ مشرق تسوده العدالة والكرامة والسيادة الكاملة.
التهاني والدعوات
وبهذه المناسبة المجيدة، أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وإلى فخامة الرئيس مهدي محمد المشاط، وأعضاء المجلس السياسي الأعلى، وكل المكونات الوطنية الشريفة، وإلى شعبنا اليمني العظيم الذي قدّم التضحيات الجسام، وأخص بالتحية رجال الجيش والأمن المرابطين في الجبهات، الذين سطّروا أروع ملاحم البطولة دفاعًا عن الوطن والأمة.
ختامًا .. إن ثورة 21 سبتمبر المجيدة كانت وستظل ضرورة حتمية، لأنها أعادت للشعب اليمني قراره، وأعادت للأمة صوتها المقاوم. لم تكن ترفًا ولا مغامرة، بل كانت استجابة لحاجة وجودية.
اليوم، وبعد أحد عشر عامًا، يثبت اليمن أنه حاضر بقوة في قلب معركة الأمة، في مواجهة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني، نصيرًا لفلسطين ومدافعًا عن مقدساتها.
إنها ثورة ستظل نبراسًا للأجيال، ومشروعًا تحرريًا ممتدًا، حتى يتحقق النصر الشامل لشعبنا اليمني ولأمتنا الإسلامية، وفي المقدمة النصر المؤزر لفلسطين والقدس الشريف.