الاعتراف بفلسطين انتصار لشعب مظلوم

يجري في الظرف الراهن حراك فلسطيني غير مسبوق وذلك من خلال التحركات الدولية التي يجريها عدد من المسئولين الفلسطينيين بما فيهم الرئيس محمود عباس لعرض القضية الفلسطينية مجددا على المنظمة الدولية بهدف الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة.
ويأتي ذلك الحراك بعدما ثبت بشكل مؤكد فشل ما يسمى بعملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ انعقاد مؤتمر مدريد مطلع تسعينيات القرن الماضي وما تلى ذلك من أحاديث مكررة حول سبل وإمكانية استئناف المفاوضات واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الكيان الصهيوني هو المستفيد من كل جولات التفاوض بينما الطرف الفلسطيني هو المتضرر من تلك المباحثات كونها أعطت المشروعية للاحتلال ونتج عنها المزيد من الأعمال الاستيطانية وتهجير للسكان وجرف الأراضي.
وبالتالي فإن المساعي الفلسطينية إزاء منظمة الأمم المتحدة كنتيجة حتمية ترتبت على فشل المفاوضات غير المجدية جراء التعنت الصهيوني الرافض للسلام وقد جاء التحرك الفلسطيني بالظرف الراهن بعدما اعترفت عدد من البرلمانات الأوروبية مثل أسبانيا وفرنسا وبريطانيا وإيرلندا لصالح قرار يدعو حكومات تلك الدول للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة والتي لم يصدر عنها حتى اللحظة أي اعتراف رسمي باستثناء السويد.
وهذا التوجه الأوروبي قد حظي بترحيب فلسطيني واسع واعتبرته الرئاسة الفلسطينية خطوة إيجابية كون ذلك التصويت تأكيدا حقيقيا للمطالب الفلسطينية المشروعة وإزاء التحول الذي طرأ في السياسة الأوروبية برزت رؤيتان مغايرتان حول تصويت عدد من البرلمانات الأوروبية لصالح قيام دولة فلسطينية حيث تمثلت الرؤية الأولى بأن ذلك التصويت يمثل جانبا إيجابيا ويشكل عامل دعم ومساندة تتوافق مع المشروع الفلسطيني عندما يتم طرح ملف القضية الفلسطينية على المنظمة الدولية واعتبر الكثير من المتابعين أن تلك الخطوة الأوروبية قد تساهم في الضغط على إسرائيل وإجبارها على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة.
فيما اعتبرت الرؤية الثانية التوجه الأوروبي إزاء القضية الفلسطينية بالظرف الراهن لايعدو عن كونه مناورة دبلوماسية واضحة لدغدغة مشاعر الفلسطينيين تأخذ طابعا ينطوي على الخداع والتضليل لأن السياسة الأوروبية معقودة بقوة في مسار المشروع الإسرائيلي.
فالمتأمل لأبعاد وخلفيات السياسة الأوروبية منذ الوهلة الأولى لنشأة ذلك الكيان يلاحظ بأن أوروبا كانت أحد الداعمين الأساسيين لإنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين وليس ذلك فحسب بل إن أوروبا كلها هي بالتأكيد حاضنة الكيان الصهيوني والداعم الأساسي له قبل وبعد وأثناء انبثاق كيانه المحتل بدءا من وعد بلفور الذي قدمته الحكومة البريطانية في 2 نوفمبر 1917م علنا باسم بلفور رئيس وزرائها لليهود بأن تكون فلسطين وطنا قوميا لهم باعتبارها كانت ضمن مناطق النفوذ التابعة لها.
لذلك فإن الجدل الجاري حول عزم بعض الدول الأوروبية للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة سراب ووهم لأن الفكرة الصهيونية نشأت مع نشوء المعادلة الاستعمارية الغربية فتارة يدعو الاتحاد الأوروبي لاستئناف مسار المفاوضات لكنه بالمقابل من ذلك يرفض إدانة التوسع الاستيطاني ويتجاهل حقيقة إبادة شعب بكامله وتكتفي تلك الدول ببحث سبل وإمكانية تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.
ويرجع سبب ذلك إلى هيمنة اللوبي الصهيوني على السياسة الأوروبية فهو الذي يوجه مساراتها المختلفة وفقا لرؤية محددة واستراتيجية ثانية بدليل أن أي انتخابات رئاسية في أوروبا دائما ما يلجأ أولئك المتنافسون إلى طلب تقديم الدعم والمساندة من اللوبي الصهيوني المتحكم في مفاصل السياسات الأوروبية وتوجيهها لمصالحه.
وفي المقابل فإن التحرك الفلسطيني يطلب أكثر من أي وقت مضى من القادة العرب تقديم الدعم والمساندة والعمل بجدية لتقوية التحرك الفلسطيني نحو الأمم المتحدة لأن القضية الفلسطينية تهم كل العرب والمسلمين والدفاع عنها واجب خاصة والكيان الصهيوني يجري تحركات مكثفة مع الأوروبيين مهددا باتخاذ خطوات أحادية الجانب في حال عرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة للاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م لأن السياسة الصهيونية الجارية حاليا في الأراضي المحتلة وما تقوم به إسرائيل من أعمال عدوانية لا توجب طرح مباحثات جديدة كي تكون نتائجها مثل سابقاتها تكريسا للمشروع الصهيوني وتطويرا له.

قد يعجبك ايضا