هل رأيت رجلاً يسكن جسده الأرض، بينما تطير همته في السماء؟ تلك هي صورة صاحب الهمة العالية، الذي لا يرضى بالدون ولا يقنع بالقعود، بل يسعى نحو المعالي حيث يرضى الله وتسمو الأمم: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)
الهمة هي النية الصادقة، والإرادة القوية، والعزيمة الجازمة، التي تدفع الإنسان لتحقيق أهداف سامية يرضاها الحق سبحانه وتعالى، ويُحيي بها الإنسان نفسه، ويُسعد بها مجتمعه؛ فهي المحرك الذي يدفع الإنسان إلى الأمام. وأكبر شاهد على ذلك همم اليمنيين وخروجهم بالملايين إلى الميادين تعبيرا عن حبهم لله ورسوله، ودعمهم لاخوانهم في فلسطين، ورفعهم لراية الجهاد، إنها الحكمة اليمانية، والشجاعة على قول كلمة الحق.
فما قَعَدَ من قَعَد عن نُصرة إخوانه في فلسطين إلا لدناءة همته. فكُن رجلاً رجلُهُ في الثرى وهمَّتُهُ في الثريا.
وقيمة المرء ما يملكه من همة وعزيمة. ومن علامات كمال العقل علو الهمة، والمؤمن يأبى القعود عن معالي الأمور.
وهاهم أبناء اليمن، بهممهم العالية، يُصنعون الطائرات المسيرة والصواريخ، ويقفون إلى جانب إخوانهم في فلسطين ليصنعوا نصراً مؤزراً للإسلام والمسلمين.
فاعمل أخي العربي المسلم، ولا تعجز وتستسلم للأوهام؛ فالسر الكامن وراء كل المتميزين هو الهمم العالية، وعدم الاستسلام لوسوسة الشيطان. فالحياة أفسح من لحظة تكتظ فيها مشاعر الأسى وكتل اليأس وتوهم حب السلامة والبقاء؛ فالقعود عن الهمم العالية رذيلة.
حب السلامة يثني عزم صاحبه
عن المعالي ويغري المرء بالكسل
فالمؤمن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وشاهد ذلك في القرآن العظيم: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
وقد جرت سنة الله في خلقه ألا ينهض إلى المقاصد الجليلة، ويرمي إلى الغايات البعيدة، غير النفوس التي عظم حجمها وكبرت همتها.
ومن تكن العليا همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
فينبغي لمن كان صادق الرغبة، قوي الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس، عالي الهمة، سامي الغريزة، ألا يرضى لنفسه ولأمته ولمجتمعه بالقعود عن الجد والاجتهاد والجهاد، المبلغ إلى المراد.
إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى أعظم باعث للهمة؛ فهو من أقوى الأسباب على بعث الهمم على الإقدام والحزم، والجد والتشمير. فكلما قوي إيمان الإنسان علت همته، وكلما ضعف إيمانه ضعفت إرادته، وَوَهَنَتْ همته.
وللهمم العالية فوائد كثيرة نلخص منها الآتي:
١- على المستوى الروحي في الثقافة الإسلامية:
· القرب من الله: فعلو الهمة في الخير والطاعة من أعظم القربات. ففي الحديث النبوي: “إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها”.
· نيل الأجر والثواب: في السعي لتحقيق مقاصد نبيلة، كتلقّي العلم النافع، وكسب الرزق الحلال للإنفاق على النفس والأسرة، والإسهام في المشاريع الخيرية، والسعي للجهاد بالمال والنفس. وكل هذه الأعمال فيها أجر عظيم.
٢- على المستوى المجتمعي:
· خدمة المجتمع والنهضة به: فأكثر الناس نفعاً لمجتمعهم هم أصحاب الهمم العالية، الذين يفكرون في حل مشاكل الآخرين ورفعة أوطانهم.
· بناء إرث دائم: فإنجازات أصحاب الهمم العالية غالباً ما تترك أثراً طيباً وبصمة تدوم طويلاً بعدهم. قال تعالى: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ).
٣- على مستوى الجودة والحرفية:
· إتقان العمل: فأصحاب الهمم العالية لا يرضون بالأداء المتوسط، بل يسعون دائماً للإتقان وإنتاج عمل متميز، ما يرفع قيمة ما يقدمونه.
كلما أتقنتَ محبوب وجيه
مُتْقَنُ الأعمال سر اللهِ فيه وفي القرآن العظيم خاطب الله نبيه داوود:(أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وفي الحديث النبوي: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
· التميز والابتكار: فأصحاب الهمم العالية يسعون إلى التفوق وإيجاد حلول مبتكرة للمشاكل.
٤- على مستوى العلاقات والتأثير:
· جذب العلاقات الإيجابية: فأصحاب الهمم العالية والطموح يجذبون إليهم أشخاصاً مثلهم، ما يخلق شبكة علاقات داعمة ومحفزة في جميع المجالات. وفي الحديث النبوي: “المؤمنون أُلَفَةٌ مَأْلُوفَةٌ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف”.
· مصدر إلهام: فنجاح أصحاب الهمم العالية يصبح مصدر إلهام لأفراد العائلة والأصدقاء والزملاء، ويخلق تأثيراً إيجابياً متعدياً في المجتمع كله.
· اكتساب احترام الآخرين: فالمجتمع يحترم صاحب الهمة العالية الذي يسعى بجدية لتحقيق أهدافه، حتى لو اختلفوا معه.
٥- على مستوى التغلب على التحديات:
· القدرة على مواجهة الصعوبات: فصاحب الهمة العالية لا يرى في العقبات سوى فرص للتعلم والنمو؛ لأن لديه المرونة اللازمة للنهوض بعد كل فشل.
· الخروج من منطقة الراحة: فالهمة العالية تدفع إلى التغلب على المخاوف، ما يفتح لأصحابها أبواباً من المثابرة والرضا عن الله.
٦- على المستوى النفسي والشخصي:
· تحقيق الذات: فالهمة العالية تدفعك إلى إنجازات كبيرة، ما يمنح شعوراً بالرضا والوفاء وتحقيق الذات.
· صحة نفسية أفضل: فالهمة العالية تجعل الشخص أكثر طموحاً وأهدافه أكثر وضوحاً، وهذا ما يبعد شبح الفراغ والملل والاكتئاب، مما يجعل تفكيره إيجابياً منتجاً، وذلك ما ينعكس على صحته النفسية.
فالهمة العالية هي محركة الحياة، ووقود التميز، وفوائدها لا تكاد تُحصر، مما يجعل أهل الإيمان الذين يتحلون بهمة عالية يعيشون حياة طيبة ذات قيمة ومعنى. وصَدَقَ الله العظيم حيث يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ).
فعلى الأمة الإسلامية شحذ الهمم والسعي لإنقاذ الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة. كما نأمل من أصحاب الكلمة الحرة في العالم والصحافة أن يشحذوا هممهم، ويسلطوا الضوء على ما يجري من ظلم في فلسطين وانتهاك لحقوق الإنسان، حتى يكف الباغي عن بغيه، وحتى يعيش الإنسان في فلسطين حراً آمناً على نفسه وماله وعرضه. (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).