جهاد الحق من بدر إلى غزة!

طه العامري

 

كانت ملحمة “بدر” بداية انطلاق ” شمس الحق”، التي عمت الفضاء الكوني وكوكب الأرض بأشعة الحرية والعدالة، وتوغلت أشعتها في مسامات البشرية، حاملة معها قيماً إنسانية راقية، بعثها ” الله ” مع ” من أرسله رحمة للعالمين، المصطفى لرسالته، الخاتم لأنبيائه، المكمل لدينه وشرائعه وقوانينه المنظمة لحياة البشر، الهادي إلى صراطه المستقيم النبي محمد بن عبد الله” عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

“بدر” لم تكن أولى معارك ” الحق” في وجه “الباطل” كما هي معركة” غزة ” لن تكون آخر معارك” الحق “ضد” الباطل “، غير أن الواقعتين تتشابهان في أسبابهما ودوافعهما وغايتيهما، وفيما كانت” بدر ” معركة أهل ” الحق ” في مواجهة أهل” الباطل”، فأن معركة ” غزة” هي الأخرى معركة أهل الحق، في مواجهة أهل الباطل.

قرون من الأزمنة تفصل بين المعركتين، وملايين الأحداث مرت بهما الأمة أرضا وإنسانا، وبحارا من الدماء سألت بين أهل الحق وأهل الباطل، وبين أهل الحق وبعضهم، وأهل الباطل وبعضهم، وجبالا من الجماجم لو جمعت على بعضها وبني بها ” برجا” لكانت أساسه في الأرض وسطحه على أبواب ” السماء السابعة”.

دماء سالت وجماجم تساقطت في سبيل بقاء راية الحق مرفوعة، لكن كان ولا يزال لهذا الحق تفسيراته المختلفة، وكلٌ يراه ويؤمن به من منظوره، وحسب تصوره، إلا حق أبطال “بدر” وأبطال ” غزة” الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان.

في ” بدر” كانت معركة حق الله على عباده في توحيده والالتزام بشريعته وقوانينه التي أنزلها على نبيه الخاتم وأمره أن يصدح بها ويبلغ بها عباد الله، وكان يمكن أن لا تكون “بدر” لو ترك مشركو قريش رسول الله ومن اتبعه يصدحون بما أمرهم به الله، لكنهم لم يفعلوا وسعوا لأن يطفئوا نور الله سريعا، خوفا على مكانتهم ونفوذهم، ولم يريد الله سبحانه لهذا أن يكون، بل أمر رسوله ومن آمنوا معه بالدفاع عن دين الله وحمل رايته لكل العالم، وبعد أن تبلغ رسالة النبي مسامع عباد الله في كل اصقاع الأرض، عندها من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، ولا إكراه في الدين، بعد أن تبين الرشد من الغي..

معركة ” غزة” تتماهى في دوافعها وأسبابها وغايتها مع معركة “بدر” فهي معركة أهل الحق ضد أهل الباطل، الذين تقاطروا إلى فلسطين لاحتلالها وتشريد أهلها أصحاب الباطل، وبعد أن فشلت كل المساعي والمحاولات لإقناع أهل الباطل بأنهم على باطل وأنهم اعتدوا على حقوق الآخرين دون وجه حق، بل رغبة في الهيمنة والاستبداد وتدمير الأمة التي قامت من أجلها معركة ” بدر” وما بعدها من معارك دارت بين أهل الحق وأهل الباطل، وقد حدثت معركة ” بدر” حتى لا تكون هناك معارك أخرى كمعركة ” غزة” أي حتى لا يطغى أهل الباطل على أهل الحق، وحتى لا يصبح الباطل هو الثابت على الأرض والحق هو الشيء الاستثنائي.

غير أن هنا من نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وانحرفوا عما جاء به رسول الله من تشريعات سماوية حملها ” كتاب الله” وقيم تركها رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.

وإن كانت معركة “بدر” قد واجه فيه المسلمون بقيادة رسول الله، غطرسة وفجور ومجون واستعلاء طغاة قريش، فإن معركة ” غزة” يواجه فيها المؤمنون كل طغاة الكون، حتى يخيل لي أن “أبا سفيان، والوليد بن المغيرة، وأبا لهب، وأبا جهل” لايزالون أحياء بيننا يحرضون على قتل مؤمني غزة، ويحرضون على حصارهم وتجويعهم، واستئصال حقوقهم المشروعة في وطنهم ودولتهم، تماما كما كان كفار قريش يريدون استئصال دعوة النبي الكريم ووأدها في مهدها.

إذاً الدوافع والأسباب والغايات تتشابه بين معركة” بدر “ومعركة ” غزة” فكلا المعركتين هدفتا إلى طمس الحق ونُصرة الباطل، لكن وكما انتصر الحق في بدر سوف ينتصر في غزة.. والله غالب على أمره.

إن انتصار “غزة” أمر حتمي وقدر رباني والله سبحانه وتعالى لا يخذل عباده المخلصين من المؤمنين وهو سبحانه القائل ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين”..

إن أكبر دليل لهذا الانتصار هو هذا الصمود الأسطوري للمقاومين الأبطال الذين يواجهون أعتي واوحش عدو يقف خلفه العالم بأنظمته داعما ومساعدا، ويحظى بمساعدات عربية وإسلامية للأسف، ومع ذلك فشل هذا العدو في هزيمة أصحاب الحق رغم الدمار والتوحش الذي قام به، إلا أن كل ما قام به العدو ويقوم به في غزة ليس دليل انتصار بل دليل هزيمة عسكرية وأمنية وأخلاقية وحضارية، هزيمة يعترف بها العدو ولذا يحاول تعويضها بتطويع أنظمة ودول المنطقة من خلال تخويفها والضغط الغربي الأمريكي على هذه الأنظمة من أجل أن تقبل بخيارات العدو _نموذج سوريا ولبنان _ وقد هرب إليهما العدو للتغطية على فشله في غزة وكذلك اليمن التي يحاول جعلها ضمن أجندته للتغطية على هزيمته الحضارية في فلسطين.

 

 

قد يعجبك ايضا