الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حول آخر مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية 05 ربيع الأول 1447هـ 28 أغسطس 2025م:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
في تطوُّرات العدوان الإسرائيلي الهمجي، الوحشي، الإجرامي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة: تستمر المآسي بشكلٍ يومي، وبما لا مثيل له في كل أنحاء المعمورة.
العدو الإسرائيلي يواصل إبادته الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة؛ ولـذلك فالحصيلة الأسبوعية هي: المئات من الشهداء، والآلاف من الجرحى، الذين يستهدفهم العدو الإسرائيلي بكل وسائل الإبادة والقتل:
– ما بين من يسعى لقتلهم وإبادتهم بالغارات الجَوِّيَّة، والقصف المدفعي، وبإطلاق الرصاص الحيِّ عليهم.
– وما بين من يسعى لإبادتهم من خلال التجويع.
بكل وحشيةٍ، وإجرامٍ، وعدوانيةٍ، يستهدف المدنيين والعُزَّل من السِّلاح، يستهدف الأطفال، يستهدف النساء، ويستهدف الصغار والكبار، يسعى بشكلٍ مقصود وواضح وعمداً إلى الإبادة الجماعية، وقتل وإبادة أكبر قدرٍ ممكن من أبناء الشعب الفلسطيني.
إجرامه اليومي بكل تفاصيله، التي تنقلها وسائل الإعلام، وتتجلَّى فيها المأساة الكبرى، والمظلومية الرهيبة للشعب الفلسطيني، يجسِّد فيها العدو الإسرائيلي همجيته، ومعتقداته، وثقافته، وفكره الظلامي، الذي ينتج مثل هذه التوجُّهات، وهذه التصرفات، وهذه الجرائم.
العدو الإسرائيلي ينطلق في ما يمارسه من إجرام من خلفيةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ ظلامية، وباطلة إلى أسوأ حدٍ يمكن أن يتصوَّره الإنسان، تحوِّل الإنسان إلى إنسانٍ متوحِّش، ومجرم، ومتجاوزٍ لكل القيم، والأخلاق، والتعاليم الإلهية، وعديم الرحمة، يتحوَّل قلبه إلى أقسى من الحجارة، كما قال الله عنهم في القرآن الكريم وهو يصف قسوتهم:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة:74]، وهذا هو واقع العدو الإسرائيلي، الذي يتجلَّى بكل وضوح في ممارساته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.
يرى العالم بكله في تلك الجرائم الممارسة الواضحة للطغيان والإجرام، والإفساد في الأرض، والإهلاك للحرث والنسل، والإفراط في الوحشية، وسفك الدماء، وإهدار حياة الناس، وفي المقدِّمة مَنْ؟ مجموع من يستهدفهم العدو الإسرائيلي، وجعلهم هدفاً أساسياً لعدوانه، هم المدنيون، العُزَّل من السِّلاح، الأطفال والنساء، يستهدفهم بكل وحشية، بما يكشف عن إفلاسه تماماً من كلِّ المشاعر الإنسانية، ومن كلِّ الأخلاق، ومن كلِّ القيم، بل يتجاوزها، ويتجاوز كل ما هو متعارف عليه بين أمم الأرض قاطبة، من: أعراف، أو ضوابط أخلاقية، أو إنسانية، في الوضعية منها، وما هو متصلٌ منها بتعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ورسالته؛ فهو منفلتٌ، عدوٌ منفلتٌ في إجرامه، في وحشيته، يتعامل بكل طغيان، ويتجاوز كل شيء، لا يرعوي لأي قيم، ولا لأي ضوابط، ولا لأي قوانين، ولا لتعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
ولذلك في النظرة إلى ما يقوم به العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وفي غير قطاع غزَّة؛ إنما معظم إجرامه هناك، ولاسيَّما مع تصعيده على مدى كل هذه الأشهر، العدو الإسرائيلي في النظرة إلى ما يمارسه من إجرام، يجب النظرة إليه إلى أنه ليس مجرَّد نزاع بين طرفين، كحال أي صراع هنا أو هناك، بين بلدٍ وآخر، أو قومٍ وآخرين، أو طرف وطرف آخر، في خلافات سياسية، أو خلافات حقوقية… أو غير ذلك من الخلافات؛ ما يقوم به العدو الإسرائيلي هو عدوانٌ سافرٌ على الإنسانية، على الحياة، على كل القيم، عدوانٌ يرسِّخ المسلك الوحشي الإجرامي، الشاذ عن كُلِّ الركب الإنساني، الذي يؤصِّل للاستباحة التَّامَّة للحياة البشرية، وما يرتبط بها من كل مقوِّماتها.
ولـذلك فهو أمرٌ خطيرٌ جدًّا، والتسليم به من كل هذا المحيط العربي والإسلامي، الذي هو المستهدف الأول به، ثم من بعده بقية الأمم، في إطار المعتقد الصهيوني، والمخطط الصهيوني، التسليم بذلك كارثة، وتفريطٌ عظيم، وإخلالٌ جسيمٌ بالمسؤولية الإنسانية والدينية، يُشَكِّل كارثةً كبرى على الأُمَّة، أن تقبل بما يفعله العدو الإسرائيلي، وأن تتغاضى عنه، يتعامل البعض معه بالتواطؤ، ويتعامل البعض معه بالتجاهل والتغافل، هذا أمرٌ خطيرٌ للغاية؛ لأن العدو الإسرائيلي- كما قلنا- هو يؤصِّل في مسلكه إلى فرض التسليم والقابلية بمسلكه، وتوجهاته، وممارساته، ومخططه القائم على الاستباحة التَّامَّة: للدم، والعرض، والمال، والأوطان، والممتلكات… وكل شيء، بل وحتى المقدَّسات، وحتى الهوية للشعوب، وفي مقدِّمتها: الهوية الإسلامية.
فأن يتعامل العرب مع ما يقوم به العدو الإسرائيلي، وكأنها مجرَّد أحداث جنائية، ليس لها خلفية فكرية وثقافية ظلامية، ولا يرتبط بها مخططات معيَّنة، ولا تُعبِّر عن نفسية وذهنية معيَّنة، يتحرَّك على أساسها الأعداء؛ فهذا هو منتهى الغباء، ويشكِّل بالفعل خطورةً كبيرةً على هذه الأُمَّة، عواقبه سيئةٌ جدًّا عليها.
في إطار هذا المسلك الإسرائيلي، الشاذ عن كلِّ ما عليه المجتمعات البشرية، من الاعتراف والإقرار بضوابط، بقيم، بالتزامات معيَّنة في هذه الحياة، تعطي حرمةً وقيمةً للحياة الإنسانية، فالعدو الإسرائيلي جعل في مقدِّمة أهدافه منذ بداية عدوانه على قطاع غزَّة، من الليلة الأولى، جعل في مقدِّمة أهدافه الكبرى للاستهداف بالقصف والتدمير والإبادة: المستشفيات في قطاع غزَّة؛ لأنه عدوٌ للإنسانية، عدوٌ للحياة، يسعى إلى الإبادة، وإلى تدمير كل مقوِّمات الحياة، وبشكلٍ واضح:
– المستشفى الأهلي، المسمَّى بـ (المستشفى المعمداني)، كان في مقدِّمة ما استهدفه العدو الإسرائيلي بشكلٍ وحشي، وإجرامي بشع، قضى فيه وأباد الكثير، المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، ويستمر في ذلك.
– ما فعله مع (مجمع الشفاء الطِّبِّيّ) ومع غيره.
– مع (المستشفى الإندونيسي)، مع غيره من المستشفيات:
يجعل منها أهدافاً للقصف، أهدافاً للاجتياح البري.
يجعل من الأطباء والكوادر الصِّحِّيَّة هدفاً للقتل، والجرح، والاختطاف، والاستهداف.
يجعل من نفس البنية التَّحتِيَّة الصِّحِّيَّة هدفاً أساسياً لعملياته، لغاراته، لقصفه.
حتى الاقتحامات للمستشفيات، وارتكاب أبشع الجرائم أثناء اقتحامها، ومن ذلك: القتل في داخلها، الإبادة بدمٍ بارد، والقتل بالرصاص الحي للمرضى، للممرِّضات، للكادر الطِّبِّيّ فيها، والاستهداف حتى للمرضى، حتى للأطفال في الحَضَّانات.
ما قام به العدو الإسرائيلي ضد (مجمع ناصر الطِّبِّيّ) في هذا الأسبوع هو في هذا السياق: من ممارساته الإجرامية، واستهدافه للمستشفيات ضمن الأهداف الأساسية لعدوانه؛ فهو استخدم تكتيكات معيَّنة، يستهدف بها هذا المجمع الطِّبِّيّ:
– في البداية القصف، الذي يستهدف به الأطباء، ويستهدف به المرضى، ويستهدف به العاملين في المستشفى.
– ثم بعد ذلك يقوم بالاستهداف لفرق الإسعاف والإنقاذ، للصحافيين والإعلاميين… وغيرهم، في جريمة بشعة جدًّا من أبشع الجرائم.
هذا هو نهجٌ إسرائيلي، نهجٌ يهوديٌ صهيوني في التعامل مع الناس، في الاستهداف لهم، لحياتهم، لكل مقوِّمات حياتهم، لانتهاك حرمة كل ما له حرمة، المستشفيات التي من المتعارف إنسانياً بين كل أمم الأرض، بكل مجتمعاتها، وشعوبها، وبلدانها، أنها ممِّا تحظى بالأمان، ويجب أن تحظى بالأمان، وأنَّ هذا ترتبط به اعتبارات إنسانية، ومواثيق دولية، وأعراف بشرية، وللذين يؤمنون بتعاليم الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” المقدَّسة، والعظيمة، والعادلة، تعليمات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فلها حرمتها بكل الاعتبارات والحيثيات، إلَّا النهج اليهودي الصهيوني، الذي ليس فقط يستبيحها، بل يجعل منها هدفاً أساسياً، يتلذَّذ ويرتاح بممارسة أبشع الإجرام ضده، وهذا شيءٌ واضحٌ ومكشوف.
ولـذلك مما يتحدَّث عنه الجنود الصهاينة لوسائل الإعلام الإسرائيلية: [أنَّ القصف]، ووفق ذلك التكتيك الذي استخدمه العدو الإسرائيلي ضد مجمع ناصر الطِّبِّيّ، [تمَّ]- كما يقولون- [بمصادقةٍ عليا]، يعني: ليس مجرَّد تصرف فردي، أو طيش من بعض المجرمين من جنودهم؛ إنما هو ضمن قرار، ضمن قرار، ضمن خطط، ضمن مصادقة وأوامر من كبار مجرميهم، في موقع الزعامة عليهم، والإمرة لهم.
هذا هو حالهم، هم بهذا المستوى نفسياً، فكرياً، ثقافياً، يتَّجهون بشكلٍ غير طبيعي، يختلفون في نزعتهم الإجرامية والعدوانية عن كل الناس، يتلذَّذون بأن يقتلوا الطفل في حضَّانته في المستشفى، في أن يستهدفوا المرضى، في أن يبيدوا الجرحى، في أن يقتلوا الأطباء والكوادر الصِّحِّيَّة، في أن يدمِّروا المستشفيات، في أن يجعلوها أهدافاً كبرى، بدلاً مما عليه كل العالم في أهدافهم العسكرية، الذين يجعلون أهدافهم العسكرية عبارة عن معسكرات، أو مواقع، أو قواعد عسكرية… أو ما شابه، هؤلاء يجعلون من المستشفى نفسه هو المستهدف الأساس قبل غيره، وأكثر من غيره في عدوانهم؛ ولـذلك فهي جريمة بشعة جدًّا، والتكتيك فيها هو تكتيك إجرامي، وحشي بكل ما تعنيه الكلمة.
تكتيك العدو المستمر في مصائد الموت، التي تقدِّم وجبات القتل يومياً، في كل يوم، بشراكةٍ مع الأمريكي؛ لأن الصهيونية نهجها الإجرامي واحد، أهدافها واحدة؛ ولـذلك تتحرَّك في جناحيها الإجراميين بشكلٍ واحد،{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، كما قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم؛ مصائد الموت هي- كذلك- من هذا النوع من التكتيك للإبادة بكل استهتار بالحياة الإنسانية، بكل انتهاك لكل الحرمات، ولكل الاعتبارات المتعارف عليها والقائمة في واقع المجتمعات البشرية، لا إيمان بتعاليم الله، ولا التزام بقوانين، ولا بقيم إنسانية، ولا مراعاة لأخلاق، شذوذ حتى عمَّا تقتضيه الفطرة الإنسانية، عن المشاعر الإنسانية، إفلاسٌ إنسانيٌ وأخلاقيٌ بشكلٍ تام، وتوحُّشٌ خالص، توحُّش بكل إجرامية رهيبة جدًّا.
في مصائد الموت يمارسون كل يوم عمليات القتل والإبادة للساعين إلى الحصول على الغذاء، الذين يضغطون عليهم ويعذِّبونهم بالتجويع أولاً، وحينما يذهب البعض منهم؛ بإرغام التجويع، بضغط التجويع والمعاناة، بعذاب التجويع، للحصول على الغذاء، يقومون فوراً بالاستهداف لهم، والإبادة لهم، ويشترك في ذلك الأمريكيون، باعترافهم هم، وباعتراف جنودٍ منهم، ممن شاركوا ويشاركون في ما يسمُّونه بـ [التأمين]، والشيء الواضح في مسلكهم الإجرامي أنهم يسمُّون كل أنواع جرائمهم بعناوين إنسانية، حتى عنوان: [مؤسسة غزَّة الإنسانية]، عنوان: [التأمين للمساعدات]… هكذا عناوين؛ لكن في واقعها العملي ترى الإجرام، والعدوان، والإبادة، والطغيان، والممارسات الوحشية الفظيعة جدًّا، التي ينبغي أن يربأ بنفسه عنها أيُّ إنسان ما زال يحترم وجوده الإنساني، قيمته الإنسانية، فيربأ بنفسه عن التصرف بمثلها.
ولـذلك وثَّقت وزارة الصِّحَّة في غزَّة ارتقاء(ألفين وستة وتسعين شهيداً)، وإصابة (خمسة عشر ألفاً وخمسمائة شخص آخرين)، منذ بدء ما يسمَّى: [آلية توزيع المساعدات]، التي يُشْرِفُ عليها الأمريكي والإسرائيلي، هذه المحصلة ليست عادية، هذا العدد الكبير من الشهداء، والعدد الكبير من الجرحى، ضمن الحصيلة اليومية للشهداء والجرحى في قطاع غزَّة؛ ولـذلك نجد كل يوم هناك إعلان عن شهداء وجرحى من الساعين للحصول على الغذاء والمساعدات الإنسانية، والمنتظرين لها، فيعملون على قتلهم يومياً بشكلٍ متعمَّد بمختلف وسائل القتل:
– البعض يقتلونهم بالرصاص من البنادق.
– البعض يقتلونهم بالقصف المدفعي.
– البعض يقصفونه بصاروخ، أو بطائرة مسيَّرة.
– يستهدفون البعض أيضاً بالغارات الجَوِّيَّة… بكل وسائل الإبادة.
– ثم مع ذلك الإبادة بالتجويع، الجريمة الفظيعة جدًّا، والأولى من نوعها فيما يسمُّونه بـ [الشرق الأوسط]، والأولى من نوعها وشكلها على المستوى العالمي.
قطاع غزَّة جزءٌ أساسيٌ من فلسطين، أرضٌ خصبة، صالحةٌ للإنتاج الزراعي، بما يغطي حاجة سكانها وأهلها من احتياجهم للغذاء والقوت الضروري، وأيضاً هناك في منافذها الآلاف من الشاحنات المحمَّلة بالمواد الغذائية، وأنواع المساعدات الإنسانية، ومع ذلك يجوَّع أهلها، يجوَّعون بعد أن قام العدو الإسرائيلي بتدمير 98% من كل ما فيها من منشآت زراعية، بحيث عطَّل الجانب الزراعي بشكلٍ تام، ومنع أهلها من أن يعملوا بأنفسهم لتحصيل قوتهم الضروري، وغذائهم الأساسي لحياتهم، ثم منع عنهم دخول البضائع، دخول البضائع كما هو في كل العالم، التي يشتري منها الناس بأموالهم احتياجاتهم الضرورية، ثم عندما أوصلهم إلى مستوى الانهيار في وضعهم المعيشي والاقتصادي، يمنع عنهم أيضاً دخول المساعدات الموجودة على منافذ قطاع غزَّة، ويتوفر فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء، وغيره من الاحتياجات الإنسانية الضرورية، فهي موجودة، يبقيها حتى تتلف، أو تفقد صلاحيتها للاستخدام، ثم يحرق البعض منها، أو يرد البعض، أو يتلف البعض، أو يسمح للقليل جدًّا منها بالدخول، بما لا يفي أحياناً ولا بنسبة 1% من الاحتياج الأساس لسكان قطاع غزَّة، فالعدو الإسرائيلي يمنع عنهم حتى الصيد في البحر، فهو يجوِّعهم تجويعاً، واعترف الآن كل العالم، بأنَّ ما يجري هو عملية إجرامية، وحشية، وإبادة بالتجويع المتعمَّد، للأطفال، للنساء، الأطفال الذين يمنع عنهم العدو الإسرائيلي حتى حليبهم (حليب الأطفال)؛ ولـذلك المأساة كبيرة جدًّا، في كل يوم هناك شهداء من التجويع، من الأطفال وهم المتضرِّر الأول، والأضعف تحمُّلاً، ومن المسنين… ومن غيرهم، والمأساة كبيرة جدًّا ومخزية، كل العالم يعترف بأنها مخزية للعالم.
العدو الإسرائيلي هو ذلك العدو بتوحُّشه، بإجرامه، بإفلاسه الإنساني والأخلاقي، لا تنفع معه المواعظ، ولا ينفع معه إثارة الحسِّ الإنساني، أو مخاطبة الضمير والوجدان، هذا لا ينفع مع العدو الإسرائيلي، أنت لا تتحدث مع من بقي لهم مشاعر إنسانية، أو ضمير إنساني، عندما تتخاطب مع العدو الإسرائيلي، أنت تتخاطب مع من أصبحوا أسوأ حتى من الوحوش، مع من قلوبهم أقسى من الحجارة، مع من هم في منتهى الوحشية، والإجرام، والطغيان، يتلذَّذون حتى بإبادة الأطفال، لا يوجد لديهم ذرةٌ من الرحمة، ولا من الإنسانية، ولكن أين هي مسؤولية العالم: مسؤولية الغرب، مسؤولية الشرق، مسؤولية المنظَّمات الدولية، والمؤسسات الدولية، التي تقدِّم نفسها بأنها تنهض بدورٍ إنساني، لحماية الحياة الإنسانية، وحقوق المجتمعات البشرية؟!
من يتأمل ما يحدث، ويدرك ما يقدِّمه الغرب للعدو الإسرائيلي؛ يدرك أنَّ الحضارة الغربية، التي تحاول أن تقدِّم لنفسها ثوباً إنسانياً وراقياً، وأنها حضارةٌ تقدُّمية، لها قيم، ولها أخلاق معيَّنة، هي أكبر داعم للعدو الإسرائيلي بوحشيته، بإجرامه، بطغيانه؛ ولهـذا الكثير من الدول الأوروبية لم تتحرَّك عملياً في خطوات فاعلة، ضاغطة بالفعل على العدو الإسرائيلي لإيقاف جرائمه.
أمَّا الأمريكي فشريك، شريك، وتوجُّهه صهيوني، التَّوَجُّه الأمريكي الرسمي في كل مؤسساته الرسمية هو صهيوني، ويستند إلى قاعدة شعبية كبيرة في أمريكا، اعتنقت الفكر الصهيوني، وأصبحت معتقدةً به، وداعمةً له، وهذه طامة كبرى، وجريمة رهيبة جدًّا؛ لأن أمريكا توظِّف كل قدراتها، وإمكاناتها، ونفوذها العالمي، لخدمة ذلك المشروع الإجرامي الوحشي، ولإسناد تلك الجرائم الرهيبة جدًّا.
ولذلك وصل الحال- مثلاً- في وزارة الخارجية الأمريكية، أن تمنع صدور أي توصيفات إنسانية لما يحدث ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، ألَّا يتم الحديث في بياناتها، وفي تصريحات مسؤوليها وموظفيها عمَّا يجري في قطاع غزَّة: أنَّه مجاعة، أنَّه مظلومية، أي عبارة ذات مدلول إنساني، يعبِّر عن مظلومية إنسانية، تمنع منها في التصريحات، وفي البيانات، والبعض استقالوا، والبعض طُرِدُوا وفصلوا من الموظفين لهذا السبب، فهم شركاء حتى في التوجه الإجرامي، شركاء في الإبادة المخطط لها.
الأمم المتَّحدة تتحدث عن ذلك التجويع بأنه مخزٍ للمؤسسات الدولية، والمجتمع الإنساني، وفعلاً هو مخزٍ، وهو فضيحة وعار، كل التوصيفات التي صدرت من زعماء، من مسؤولين في مختلف أنحاء العالم، ممِّن يقدِّمون التوصيف الصحيح لما يحدث، يصفونه بأنه عار، بأنه مخز، بأنه فضيحة، حتى الرئيس الأمريكي نفسه له تصريحات، مع أنه يطلق التصريحات المتناقضة بين كل وقتٍ وآخر، لكن هناك عار حقيقي، خزي، فضيحة للمجتمع الدولي، للمؤسسات الدولية، وقبل كل ذلك للعالم الإسلامي، لحكوماته، لزعمائه، لقادته، لنخبه، لشعوبه؛ لأن عليهم مسؤولية إنسانية، وأخلاقية، ودينية، وهم المعني بالدرجة الأولى في أن يتحرَّكوا في مواقف عملية، لمنع العدو الإسرائيلي من الاستمرار في هذه الجريمة الكبرى، جريمة القرن، وفضيحة العصر، لا ينبغي التواطؤ أكثر من ذلك.
العدو الإسرائيلي مستمرٌ؛ لأنه مطمئن، مطمئن، يلقى تواطؤاً من بعض الأنظمة العربية، يلقى تشجيعاً ودعماً ومساندة، ويرى تخاذلاً فيما بقي، إلَّا القليل النادر كحالات استثنائية.
ممَّا يمارسه العدو الإسرائيلي من إجرام ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، هو: التهجير القسري، وهو مستمرٌ فيه كذلك منذ بداية تصعيده وعدوانه على قطاع غزَّة، قبل اثنين وعشرين شهراً، مستمرٌ في ذلك، يضغط على الشعب الفلسطيني في النزوح من منطقة إلى أخرى، ثم من نفس تلك المنطقة إلى منطقة أخرى… وهكذا، بكل ما يترتب على ذلك من متاعب، وأعباء كبيرة جدًّا، وانعدام للاستقرار، وانعدام أيضاً لكل مقوِّمات الحياة، ما إن يستقر الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة في منطقة معيَّنة كنازحين، ثم يحاولون أن يبدأوا بترتيب أوضاعهم الإنسانية، إلَّا ويضغط عليهم من جديد للانتقال إلى منطقة أخرى، والآن هناك مشكلة كبيرة ومعاناة رهيبة جدًّا في مدينة غزَّة، مع إعلان العدو الإسرائيلي عن الاستهداف لها، والسعي لاجتياحها، والضغط على سكانها لتهجيرهم قسرياً، وإجبارهم على النزوح، وهذا إجرامٌ كبير.
فيمــــا يتعلَّــق بالقـــدس والضِّفَّـــة الغربيـــة:
العدو الإسرائيلي مستمرٌ في مسار مخطط لاستهدافه للمسجد الأقصى، وأيضاً لمدينة القدس، وتحدثنا في الأسبوع الماضي عمَّا يرمي إليه، من خلال عزله لمدينة القدس ببؤر استيطانية كبيرة في الضِّفَّة الغربية، تُقَطِّع أوصالها بشكلٍ كامل، وتعزل مع ذلك مدينة القدس.
العدو الإسرائيلي متَّجهٌ بالفعل في مخططه إلى استهداف المسجد الأقصى؛ ولـذلك هناك تصريحات أيضاً في هذا الأسبوع لكبار المجرمين الصهاينة، منهم ما يسمَّى بوزير المالية الإسرائيلي، يتحدث فيها عن استعداده لتمويل بناء الهيكل، وعن دعمه للعمل على هدم المسجد الأقصى.
الأعداء اليهود الصهاينة هم يتَّجهون بكل الخطوات العملية إلى تحقيق هذا الهدف؛ لأنه هدفٌ أساسيٌ بالنسبة لهم، وموقعه في معتقدهم الصهيوني، وفي مخططهم الصهيوني، موقع أساس واستراتيجي للمخطط وللمعتقد، يعني: هم يبنون على أنه بذلك ستتحقَّق لهم السيطرة التَّامَّة على ما يُسَمُّونه بـ [إسرائيل الكبرى]؛ وبالتـالي الهيمنة العالمية، والوصول إلى هدفهم الإجرامي الكبير والخطير على المجتمعات البشرية في الهيمنة العالمية، فموقع مسألة بناء ما يسمُّونه بـ [الهيكل]، والهدم للمسجد الأقصى، موقعه موقع أساس في المخطط وفي المعتقد؛ ولـذلك الموضوع جاد عندما نتحدث عن هذه المسألة، لا نتحدث من باب الحرب الإعلامية، أو من باب تهويل المسألة، المسألة جادَّة بالنسبة للعدو الإسرائيلي، والمسؤولية كبيرة على المسلمين تجاه مقدَّس من أعظم مقدَّساتهم.
اليهود الصهاينة بالرغم ممَّا قاموا به من حفريات تحت المسجد الأقصى، هم لم يستطيعوا أن يعثروا على أي دليل على أنَّ ذلك الموقع كان موقع هيكلهم، وأنه كان مبنياً هناك، وأنَّ له آثار ودلائل تشهد على ذلك، ومع ذلك يصمِّمون على الاستمرار في مخططهم، حتى الحفريات، هي واحدة من أساليب الاستهداف، الرامية إلى التمهيد لهدم المسجد الأقصى وتدميره، فهم استمروا في ذلك.
الاقتحامات شبه اليومية، والانتهاك لحرمة المسجد الأقصى بشكلٍ فظيع، ومستفز جدًّا، والطقوس التلمودية التي يقيمونها في باحاته… وغير ذلك ممَّا يفعلونه يومياً، هو في سياق الترويض لهذه الأُمَّة؛ حتى تتغاضى وتتجاهل ما يعملونه ضد المسجد الأقصى، هذا المَعْلم المقدَّس من أهم مقدَّسات المسلمين، وهم يسعون عملياً للوصول إلى تحقيق هدفهم، من ضمن ذلك أنهم:
– أنشأوا معهداً وظيفته الأساسية ودوره الأساس هو: التخريج لكهنة، كهنة يجهِّزون ضمن التجهيزات لمسألة الهيكل؛ ليكونوا قائمين على الهيكل.
– جهَّزوا ويجهزون مواد البناء الخاصة بمسألة الهيكل، نوع الأحجار والمواد المختارة لذلك.
– جهَّزوا التصميم.
– وهذه الفترة يكثرون من الحديث عن مسألة الهدم.
كل ما يفعلونه هو مخطط، يعني: هم لا يعملون بشكلٍ عشوائي، تصرفاتهم، تصريحاتهم، دائماً ما تأتي في سياق خطة عملية، في إطار خطة عملية.
هم يختلفون عن أسلوب الحكومات العربية، في قممها، وبياناتها، وتصريحاتها، التي دائماً ما تكون- وبالذات تجاه القضية الفلسطينية-منفصلة عن أي مسار عملي، وليس لها ارتباط بأي موقف جاد، هم يختلفون، هم يتحرَّكون دائماً وفق خطط مرسومة، توجهات قائمة بالفعل، ويسعون عملياً لتحقيق أهداف مرسومة، وكلها أهداف عدوانية على أُمَّتنا الإسلامية، تستبيحها، وتستبيح مقدَّساتها، وأوطانها، وشعوبها، وثرواتها… وغير ذلك.
فهم يكثرون من الحديث في هذه الآونة الأخيرة عن مسألة الهدم، هذا في سياق: الترويض لهذه الأُمَّة- التي قد رأوا أنهم يروِّضونها بالفعل- على أن تتغاضى عن الفظائع، عن الكوارث، عن الطامات الكبرى، عن الجرائم الرهيبة، عن المخططات العدوانية التي تستهدفها، يرونها تتغاضى عن ذلك؛ وبالتـالي يتشجَّعون على الإقدام على خطوات أكبر، وأكبر ما سيشجِّعهم على ذلك، هو: التخاذل العربي، والتواطؤ العربي، تواطؤٌ من البعض، وتخاذلٌ من البعض الآخر، هذا أكبر عامل سيشجِّع الأعداء الصهاينة للإقدام على مثل هذا الجرم الخطير والكبير جدًّا.
فيمــا يتعلَّـق بالضِّفَّـــة الغربيــة: وفي ظل السلطة الفلسطينية، التي لا نعلم عنها أي مبادرة ولو لمرةٍ واحدة لحماية شعبها من أي اعتداء، سواءً من الجنود الإسرائيليين، أو من قطعان المستوطنين، أنا شخصياً ليس لي اطِّلاع ولا معرفة ولا بموقف واحد، ولا بمبادرة واحدة قامت بها السلطة الفلسطينية لحماية الشعب الفلسطيني في الضِّفَّة الغربية، لا لحماية الناس من القتل، ولا من الاعتداءات التي تتم يومياً بالاختطاف والضرب، ولا بالحماية للممتلكات… ولا أيِّ شكل من أشكال الحماية، لكن الأرقام تتحدث عن عددٍ كبير ممَّا أقدمت عليه السلطة الفلسطينية من اعتداءات مساندةً فيها للعدو الإسرائيلي:
– في استهداف المجاهدين في الضِّفَّة الغربية.
– في الاختطاف والتعذيب والقتل.
– في التدمير.
– في أشكال كثيرة من الاستهدافات التي تتم تحت عنوان التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي.
هذا النموذج هو الذي يريده العدو الإسرائيلي في كل العالم العربي، حينما يكون هناك سلطة، أو حكومة، أو مسمَّى نظام… بأيِّ شكلٍ كان، أن تكون وظيفته الأساسية: العمل لخدمة العدو الإسرائيلي، أن يشارك مع العدو الإسرائيلي في قتل من يريد العدو الإسرائيلي قتله، أو في اختطاف من يريد اختطافه، أن يمهِّد له السبيل إلى تنفيذ ما يريده، أحياناً تتحرك الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية للتمهيد لِلتَّوَغُّلات الإسرائيلية في الضِّفَّة الغربية، في اقتحام الأحياء، في اقتحام مناطق معيَّنة، يتقدَّمون هم؛ ليؤمِّنوا للعدو الإسرائيلي القيام باعتدائه، ولا نعلم لهم- كما قلنا- ولا مبادرة واحدة لحماية أيِّ فلسطيني، أو منزله، أو ممتلكاته، أو مزرعته، أو ثروته الحيوانية التي يستهدفها قطعان المستوطنين المغتصبين، المجرمين، الصهاينة.
فالسلطة الفلسطينية هي النموذج الذي يريده الإسرائيلي في كل العالم العربي، ومؤقَّتاً، يعني: دوراً وظيفياً مؤقَّتاً، حتى تستتم السيطرة، ومن ثم يستغني، يستغني حتى عن هذا الدور، يريده حالياً في لبنان، ويريده أيضاً في سوريا، يريد أن يكونوا وفق ذلك النموذج، الذي وظيفته أن يتلقَّى الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، ويعمل على تنفيذها، ولا يمثِّل أي حماية لشعبه بأيِّ شكلٍ من الأشكال؛ بل يتَّجه دائماً لتنفيذ الإملاءات والأوامر الإسرائيلية والأمريكية مع بعضها، ودون أي رد فعل تجاه أي استهداف، بل مع ذلك معاداة من يعادي أمريكا وإسرائيل، أو لا يقبل بالاستباحة الأمريكية والإسرائيلية.
في الضِّفَّــــة الغربيــــة:
– كان هناك عدد كبير من الجرحى.
– هناك أيضاً (مائة وخمسة) حالة اختطاف، (ثلاث) حالات إبعاد، هذا في هذا الأسبوع.
– لا يزال العدو الإسرائيلي مانعاً لـ (ستين ألف) من أبناء الشعب الفلسطيني، من أهل المخيمات في شمال الضِّفَّة، من العودة إلى مخيماتهم، بعد تهجيرهم قسراً منها.
– هناك أكثر من (مائة وأربعين) حالة اقتحام.
– هناك (ثلاثة وعشرين) حالة تدمير للممتلكات.
– هناك (سبع) عمليات هدم للمنازل، وأكثر من (مائة وخمسة وخمسين) عمليات مداهمة لمنازل المدنيين.
– إضافة إلى ما يقارب (أحد عشر) نشاطاً استيطانياً جديداً لاغتصاب المزيد من الأراضي…
وهكذا في كل أسبوع، هناك أرقام كثيرة عن الاعتداءات بكل أشكالها وأنواعها.
– خلال هذا الأسبوع ما يقارب من (خمسة وخمسين) اعتداء من قطعان المغتصبين، الذين يطلق عليهم لقب [المستوطنين].
وهذه حصيلة أسبوعية، هذه حصيلة أسبوعية، في كل أسبوع هناك الكثير جدًّا من الانتهاكات والاعتداءات.
فيمــــا يتعلَّــق بلبنـــــان:
هناك إشادة من المجرم (نتنياهو) بتلبية الحكومة اللبنانية لإملاءاته، وضمناً يتحدث أنَّ ما تفعله الحكومة اللبنانية وما تتبناه يخدم العدو الإسرائيلي، ويتزامن ذلك أيضاً بالفعل مع إعلان المجرم (نتنياهو) بنفسه عن إيمانه وسعيه لتنفيذ المخطط الصهيوني بعنوان [إسرائيل الكبرى]، بما يعني: الاستباحة التَّامَّة والسيطرة الكاملة على لبنان.
في نفس الوقت، مع ذروة العدوان الإسرائيلي، مع التصريحات الواضحة، التي هي تصريحات رسمية، في مواقف رسمية، تأتي الحكومة اللبنانية لتتبنى- ومعها بعض الأنظمة العربية- نزع سلاح المقاومة في لبنان، وبعض الأنظمة العربية تضغط مع العدو الإسرائيلي ومع الأمريكي؛ بينما المخطط الصهيوني يستهدفها فيما يستهدف من بلدان المنطقة، بل يستهدف مساحة واسعة منها، وهذا شيءٌ مؤسف! هذا يدل على مدى الغباء، ومدى الانهيار الأخلاقي والإنساني لدى الأنظمة العربية، التي تساعد العدو على شعوبها، وتدعم موقف العدو في عدوانه، وبغيه، وظلمه لشعوبها، واستهداف بلدانها، هذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا!
عندما نتحدَّث عن هذا الموضوع: موضوع [إسرائيل الكبرى]، العدو الإسرائيلي يتحدَّث أحياناً بهذا التعبير، وأحياناً يتحدَّث بعبارة: [الشرق الأوسط الجديد]، [وتغيير الشرق الأوسط]، والمسألة واحدة، يعني: عنوان [تغيير الشرق الأوسط] هو في إطار تحقيق هدف [إسرائيل الكبرى]؛ إنما هناك خطوات عملية تمهيدية، وعندما يتَّجه البعض لتنفيذ الخطوات التمهيدية، التي تمكِّن العدو من الوصول إلى أهدافه، فهذه مشاركة للعدو الإسرائيلي، لتنفيذ مخططات تدميرية عدوانية، احتلال، سيطرة، مصادرة كل شيء على شعوب هذه المنطقة: مصادرة حُرِّيَّتها، استقلالها، كرامتها، احتلال أوطانها، نهب ثرواتها، ضرب مقدِّراتها، الاستهداف لها في كل شيء؛ لـذلك هناك غباء رهيب جدًّا، هناك مشكلة إدراكية، هناك حالة خذلان، حالة خذلان رهيب، وتسليط عجيب، البعض مُسِخُوا، لم يعد لديهم حتى التقديرات الطبيعية للأمور، نظرتهم:
– إمَّا أنَّ البعض تحول إلى عميل كامل وخالص للعدو الإسرائيلي، وأصبح في موقع قرار، يسيِّر الأمور في بلده، في حكومته، في مؤسساته، لخدمة العدو الإسرائيلي.
– وإمَّا أنَّ البعض وصل إلى منتهى الغباء، إلى درجة رهيبة، ومثلهم ليسوا جديرين أبداً بأن يكونوا في موقع مسؤولية على شعوبهم وأوطانهم.
حتى العملة الورقية النقدية للعدو الإسرائيلي، التي طُبِعَت قبل خمسة وأربعين عاماً، تحمل خريطةً تضم كامل فلسطين، وكامل الأردن، وكامل لبنان، وثلثي سوريا، وأيضاً مساحةً كبيرةً من مصر، وكذلك غرب العراق، شرق مصر حتى النيل، وشمال الجزيرة العربية حتى المدينة المنورة، حتى المدينة المنورة! هذا في عملتهم الورقية النقدية، التي طُبِعَت قبل خمسة وأربعين عاماً، هذه مسألة حاضرة في ثقافتهم، في مخططاتهم، في تصريحاتهم، في برنامجهم العملي، فكيف يتَّجه البعض لمساعدتهم في ذلك ضد نفسه، ضد شعبه، ضد بلده؟! هذه مشكلة خطيرة جدًّا.
بالأمس كان هناك تصريحات للمجرم (نتنياهو) عن: [تغيير الشرق الأوسط]، وأنهم يقومون بالفعل بـ [تغيير الشرق الأوسط]،ماذا يعني ذلك؟ يعني: في إطار مخططهم للسيطرة، للاستحواذ، لقهر هذه الشعوب، لإذلالها، لاستعبادها؛ لأن لديهم فعلاً- هم- في ثقافتهم، ومعتقداتهم- وقرأنا في الكلمات الماضية نصوصاً منها- توجهٌ لاستعباد الشعوب، لاستعبادها، أن يتعاملوا معها كشعوب مستعبدةً لهم، هذا توجُّه لديهم، وإخضاع بالمطلق لهم، وكأعداء.
فيمــــا يتعلَّــق بســوريـــا:
العدو الإسرائيلي يعمل وفق هذه القاعدة: الاستباحة الكاملة وتعزيز للسيطرة؛ ولـذلك هو مستمرٌ في توغُّلاته، التي يصل فيها إلى ريف دمشق، إلى مقربة من العاصمة دمشق، وفي هذا الأسبوع توغَّل إلى (بيت جِن) في ريف دمشق، هذه المنطقة التي هي قريبة جدًّا من العاصمة، يتوغَّل إليها، ويتوغَّل باستمرار إلى مناطق في ريف دمشق؛ أمَّا (القنيطرة، ودرعا، والسويداء) فيعتبرها تحت سيطرته المباشرة، ويعزِّز أيضاً من سيطرته على المياه في سوريا، الجنوب السوري هو غنيٌّ بالمياه، غنيٌّ بالأنهار، من ضمن ذلك: نهر اليرموك، وأيضاً روافده، وكذلك السدود الضخمة، خزانات المياه العملاقة، يعزِّز من سيطرته عليها.
وأنا أقول للشعب السوري، ولكل المسيطرين عليه، وأيضاً لكل شعوب أُمَّتنا: لربما سيأتي اليوم الذي يضطر فيه السوريون للحصول على شربة الماء من أنهارهم، من مياههم، إلى أن يشتروا ذلك بالمال بأغلى الأثمان، كما يحدث الآن مع الأردن، هذا ممَّا يعمل عليه العدو الإسرائيلي: أن يسيطر حتى على الثروات الأساسية، حتى المياه، وأن يتحكَّم بها في إخضاع الشعوب، وإذلالها، وتركيعها، ثم الحكومات بعد ذلك تبرِّر خضوعها المطلق للعدو الإسرائيلي، بأنه يسيطر على كل شيء؛ لأنهم هم من مكَّنوه من السيطرة على كل شيء؛ ولـذلك سيأتي اليوم الذي يشتري فيه السوريون المياه للشرب، مع الابتزاز بأغلى الأثمان، ليس فقط الثمن المادي، بل والثمن السياسي، بل تتحوَّل شربة الماء في سوريا إلى وسيلة لإخضاع الشعب السوري واستعباده، إخضاعه لكل الإملاءات الإسرائيلية، والإسرائيلي يثبِّت معادلات كبرى في سوريا:
– أن تكون مصلحته هي السقف لكل شيء، لكل شيء في سوريا.
– أن يكون هناك مساحة كبيرة من سوريا خاضعةً ومستباحةً له بالكامل، يخطط أيضاً للامتداد منها عبر ما يسمِّيه بـ [ممر داوود]، الذي يصل به إلى نهر الفرات، والأمريكي يساعده.
النشاط الأمريكي في سوريا وهو أيضاً يستبيح، يقتل، يدمِّر، يختطف، ينتشر أينما يشاء ويريد، يبني له قواعد في مناطق أخرى، يجيِّش معه حماةً له، وجنوداً مقاتلين معه، لكن النشاط الأمريكي في سوريا يلتقي مع النشاط الإسرائيلي؛ لأنهما وجهان لعملة واحدة، هي الصهيونية، التَّوَجُّه الصهيوني، المشروع الصهيوني، فنشاط الطرفين يلتقي، أولئك الأمريكيون من جهة، والإسرائيليون من جهة أخرى.
هذا ما يحدث في سوريا، والإدارة (إدارة الجماعات المسيطرة في سوريا) هي تتبنى كذلك المسلك الذي عليه السلطة الفلسطينية في الضِّفَّة الغربية:
– أن تبيح ما يحصل.
– أن تبرِّره.
– أن تبسِّطه.
– أن تطمئن الشعب تجاه ما يحدث.
– أن تتعاون مع الأمريكي والإسرائيلي؛ لتثبيت معادلاتهما وسيطرتهما واستباحتهما لسوريا.
هذا ما يحدث.
فيمــــا يتعلَّــق بثبــــات إخوتنـــا المجاهــدين في قطـــاع غـــزَّة الثبـات العظيم:
فهم يواصلون عملياتهم الجهادية البطولية، ونفَّذت كتائب القسَّام ما يقارب (خمس عشرة عملية)، منها:
– (عشر عمليات) استهداف لآليات العدو.
– (ثلاث عمليات) قصف.
– (عمليتين) ضد ما يسمَّى بالقوات الخاصة الإسرائيلية.
من ضمن العمليات كان هناك عملية مهمة جدًّا، في اقتحام مركز قيادة وسيطرة، وهي من أكبر العمليات التي نفَّذها الإخوة المجاهدون في كتائب القسَّام خلال فترة العدوان والتصعيد على غزَّة، ولها صداها الكبير على العدو؛ هناك عمليات أيضاً لسرايا القدس، عمليات لبقية الفصائل، عمليات مهمة وعظيمة.
فيما يتعلَّق بالمظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني:
– خرجت مظاهرات في (خمسة بلدان مسلمة) عربية وغير عربية.
– خرجت مظاهرات في (سبعة عشر بلداً) في أنحاء أخرى من العالم، منها: المظاهرات في أمريكا، التي واجهتها الشرطة الأمريكية بالقمع والاضطهاد، من ضمن ذلك: اعتداءات بالقمع لنسوة، للنساء، ضاعت حقوق النساء في أمريكا، عنوان (حقوق المرأة) عندما تكون المسألة متعلِّقة بالصهيونية، بالعدو الإسرائيلي؛ لا يبقى أي حق لأي إنسان في المنظور الأمريكي الصهيوني، وكانت اعتداءات قاسية، بالضرب المبرِّح، وكذلك اعتداءات على بعض الشباب، وهي من العناوين التي يركِّز الغرب أن يتحرَّك حولها؛ لاختراق البيئة المجتمعية والحاضنة الاجتماعية في شعوبنا؛ بهدف تفكيكها، وبعثرتها، وتدجينها، وإضلالها، يرفع مثل هذه العناوين ولكن بمضمون هدَّام للقيم، هدَّام للأخلاق، مفكِّك للنسيج المجتمعي… وغير ذلك.
– هناك أيضاً مظاهرات ضخمة في استراليا، فعلاً المظاهرات في أستراليا هذا الأسبوع كانت ضخمة، وكانت حاشدة.
هنـــاك مواقــف إنسانيــــة، منهــــا:
موقف وزير الخارجية الهولندي، ومعه بعض الوزراء، الذين قدَّموا استقالتهم من حكومتهم، لماذا؟ لأنها رفضت اعتماد إجراءات عقابية إضافية ضد العدو الإسرائيلي، في مقابل ما يفعله في قطاع غزَّة؛ بسبب جرائمه البشعة، جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزَّة، وهو يستهدف الشعب الفلسطيني بالإبادة الجماعية، بالتجويع، بالقتل… بغير ذلك.
هذا موقف متقدِّم بالمعيار الإنساني، وبالدافع الإنساني، وموقف محسوب، ونحن نأمل- إن شاء الله- أن يبقى للضمير الإنساني الحيّ وجود وحضور في كل المجتمعات الإنسانية؛ ليتجلَّى نتيجةً لذلك مواقف تعبِّر عن الوجود والحضور الإنساني، والموقف الإنساني؛ حتى لا يتغيَّر حال العالم وواقعه بشكلٍ كامل، لا نرى إلَّا عبيداً للصهاينة اليهود.
هناك أيضاً مواقف متقدِّمة: متظاهرون في المكسيك أحرقوا السفارة الإسرائيلية؛ احتجاجاً على الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزَّة.
البرازيل رفضت اعتماد سفيرة إسرائيلية جديدة، وموقفها هي، وكولومبيا، وفنزويلا، متقدِّم على مواقف أكثر الأنظمة العربية، يعني: نتمنَّى، نتمنَّى من بعض الأنظمة العربية أن ترقى في موقفها إلى مواقف مثل بعض البلدان البعيدة، التي بقي لها ضمير إنساني، مع أنَّ الأنظمة العربية يفترض بها أنها مشتركة مع الشعب الفلسطيني في الهوية الإسلامية، في روابط إنسانية ودينية، وأيضاً في اعتبارات الأمن، الأمن القومي لهذه الأُمَّة، المصالح الكبرى من هذه الأُمَّة، جزء من هذه الأُمَّة، الشعب الفلسطيني جزء من هذه الأُمَّة، فأنت عندما تتبنى موقف هو موقف يعنيك أنت قبل غيرك؛ لأن هذا هو موقفك المعبِّر عن قضية لك أنت، شعب منك أنت، جزء منك أنت، بلد من هذه البلدان، من هذه الأُمَّة، ولكن لا نرى ذلك.
فنزويلا، أمريكا تعاديها، تضغط عليها؛ لأنها تتبنَّى النهج الحر، لا تخضع للهيمنة الأمريكية، وتفتضح أمريكا في مسلكها العدائي وسلوكها العدواني ضد فنزويلا، وهي فنزويلا دولة ذات سيادة، ولها رئيس منتخب، والأمريكي يعلن عن مبلغ لاعتقال رئيسها المنتخب، والرئيس الذي يؤمن به شعبه، وينصره شعبه، ويقف معه شعبه، وهو اختيار لشعبه، ومع ذلك لا يعطي الأمريكي أي قيمة لا لديمقراطية، ولا لخيارات الشعوب، وعنوان: [تقرير مصيرها بنفسها]… كل هذه العناوين تقدَّم إلى شعوبنا في غير سياقها، ولمدلول آخر، ولاعتبارات أخرى، ولخدمة سياسات أمريكية وإسرائيلية؛ أمَّا هناك لا تطبَّق أبداً، هذه المواقف المتقدِّمة لها أهميتها بالمعيار الإنساني.
فيمــــا يتعلَّــق بعمليــــات الإسنــــاد، مـن يمـن الإيمــان والجهــاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، لإسناد الشعب الفلسطيني ومجاهديه:
استمرَّت العمليات هذا الأسبوع ضد العدو الإسرائيلي بالصواريخ الفرط صوتية، والطائرات المسيَّرة، في (يافا، وعسقلان) في فلسطين المحتلة، وزفَّت القوات الصاروخية لنا البشرى بالإنجاز النوعي، الذي أقلق الأعداء الصهاينة، في صناعة الرؤوس الانشطارية لصواريخ (فلسطين2)، حيث ينقسم الصاروخ إلى عِدَّة رؤوس حربية، هذا الإنجاز نوعي، ومهم، مهم جدًّا، وأقلق الأعداء الصهاينة كثيراً، دوَّت صافرات الإنذار في أكثر من مائتين موقع، وهرع الملايين من الصهاينة إلى الملاجئ، وتمَّ تعليق حركة الملاحة الجَوِّيَّة في مطار اللد، هذا تكرَّر مع عمليات إطلاق الصواريخ.
العدوان الإسرائيلي على بلدنا هو عدوانٌ فاشل، استهدافه لمحطة شركة النفط، واستهدافه أيضاً للمحطات الكهربائية، عدوانٌ فاشل، لكنه يعرِّف من لم يستفق بعد عن حقيقة العدو الإسرائيلي، حينما يستهدف مصالح عامة، منشآت مدنية، هذا ليعرفه الجميع بحقيقته، أنه يستهدف كل الشعوب، عندما يستهدف أي منشأة مدنية، تقدِّم الخدمة لكل الشعب، لكل الناس، هو يقول لليمنيين: أيُّها اليمنيون أنا أستهدفكم جميعاً، لا أفرِّق بين هذا وذاك:
– بين من يخرج إلى ميدان السبعين؛ وبين من يجلس في بيته.
– بين من يعبِّر عن موقف؛ وبين من يسكت ويجمد.
وفعلاً العدو الإسرائيلي هو عدو لكل هذه الأُمَّة، خطر عليها جميعاً، يستهدف بعدوانه الجميع، وما هو للجميع، هذا وجهه الإجرامي الذي يجب أن نعرفه به.
موقـف بلدنـــا مستمـــر رسميــــاً وشعبيـــاً، وفـق مســــاره الهـــادف:
– إلى فعل ما هو أقوى، ما هو أكبر.
– إلى تطوير القدرات العسكرية أكثر وأكثر.
– إلى الاستمرار في مناصرة الشعب الفلسطيني بكل عزمٍ وتصميم.
الأنشطــــة الشعبيــــة متنوعـــة وكبـــيرة وكثـــيرة، وتتصدَّرها الفعاليات المكثَّفة التحضيرية لمناسبة (ذكرى المولد النبوي الشريف)، وشعبنا العزيز جعل من هذه المناسبة محطة مهمة وعظيمة، تربوية، وتثقيفية، وتوعوية، وللتعبئة، مستلهماً فيها من سيرة رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ” أعظم الدروس.
وفعلاً من أهم المميِّزات لطريقة شعبنا العزيز في إحيائه لهذه المناسبة جانبان أساسيان مهمان جدًّا:
– الأول: أنَّه يتحرَّك لإحياء هذه المناسبة، والاستفادة فيها من الدروس المستلهمة من سيرة رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وهو في إطار الموقف العملي، والترسيخ لهويته الإيمانية، والانطلاقة العملية على أساسها؛ ولـذلك هو في مسار التَّأسِّي والاقتداء برسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، كما قال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21]، فهو في إطار توجهٍ عمليٍ، وحركةٍ قائمة على أساس الاستجابة لتعليمات الله وتوجيهاته، والاقتداء بنبيه، واستلهام الدروس في الاهتداء والاقتداء برسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وهذا جانبٌ أساسيٌ ومهمٌ جدًّا.
– والثاني: هو الاعتماد على القرآن الكريم كمصدرٍ أساس للسيرة النبوية، ومعرفة شخصية الرسول “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وميزة العرض القرآني للسيرة النبوية بمختلف جوانبها، ومنها الجهاد في سبيل الله: أنَّه يقدِّمها كدروس هادية وملهمة لكل الأجيال، وليس كعرضٍ تاريخيٍ يرسِّخ النظرة التاريخية المجرَّدة، التي تجمِّد الأحداث في زمانها ومكانها.
ولذلك هناك تأثير عظيم لإحياء هذه المناسبة بهذا الشكل المفيد النافع، الذي يجعل منها مدرسةً كبرى لدروسٍ عظيمة من سيرة رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، يستفيد منها الناس في وعيهم، في هدايتهم، في زكاء أنفسهم، في ترسيخ الصلة والارتباط الوثيق برسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، في مقام الاهتداء، في مقام الاتِّباع، في مقام التَّمسك، وكذلك بالقرآن الكريم.
ومن أكثر ما يحرص عليه الأعداء (أعداء هذه الأُمَّة)، هو: فصل هذه الأُمَّة عن العلاقة الوثيقة برسول الله في هذا المقام: مقام الاهتداء، والاتِّباع، والتَّأسِّي، والاقتداء، وكذلك عن القرآن الكريم، حتى الحرب التي يشنها الأعداء ضد الموقع الرمزي لرسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وللقرآن الكريم، والسعي لفصل الأُمَّة عن الاتِّباع والتَّمسك والاهتداء، وعن التعظيم والتقديس، هو في سياق إخضاع هذه الأُمَّة وفصلها عن أهم مصادر الهداية، عن أهم قنوات الهداية التي تصلها بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بنوره، بتعليماته، برعايته.
ولذلك يأتي في هذا السياق ما يتكرَّر من جرائم حرق المصحف الشريف (حرق القرآن الكريم)، مثلما حصل أيضاً ممَّا أُعلن عنه في أمريكا لإحدى الأمريكيات، صهيونية أمريكية، أُعلن عن أنها قامت بحرق المصحف الشريف، وتظاهرت بذلك، يعني: في إطار موقف، يفعلونه في إطار موقف هادف؛ لإعلان العداء لهذه الأُمَّة، لدينها، لرسالتها، لقرآنها، لمقدَّساتها؛ وبالتـالي لها في كل شيء.
حينما تشاهدون- يا أُمَّتنا الإسلامية- من يقوم من الأمريكيين والإسرائيليين، وأعوانهم، وأتباعهم، بحرق المصحف، وهو يحظى بحمايةٍ أمنية، ويوثِّق ذلك في وسائل الإعلام، ويقوم بنشره، هذا هو في إطار موقف، ليست المسألة في إطار كفرهم بالقرآن الكريم، وما هم عليه من موقفٍ كافرٍ تجاه الإسلام، والقرآن، ونبي الإسلام، المسألة هي تعبير عن موقف عدائي بكل ما تعنيه الكلمة، في إطار مخطط شامل، برنامج متكامل لتدمير هذه الأُمَّة، لضربها في هويتها، في معتقداتها، لاحتلال أوطانها، ونهب ثرواتها، وكذلك لتحقيق هذا الهدف: فصلها عن مصادر عزَّتها، وقوتها، وهويتها؛ لتتحـوَّل إلى أُمَّة بدون هوية، بدون أي شيء يمسكها، يثبِّتها، يجعل منها أُمَّة متماسكة قَوِيَّة، لا تملك لا معتقداً صحيحاً، ولا تملك جذوراً فكريةً وثقافية، وهويةً راسخةً جامعة، فتتحوَّل إلى أُمَّة مشتَّتة، ليس لها أي شيء تتمسَّك به، فتضيع، تضيع؛ وبالتـالي يعملون على إبادتها بكل الوسائل، بما في ذلك الأوبئة وغيرها، حتى الخلاص منها، هذا هو توجُّههم العدواني.
هذه الجريمة الأمريكية ينبغي أن تقابل بالإدانة، والاستنكار، والغضب، وأن تسهم في المزيد من الوعي، والاندفاع نحو القرآن والرسول أكثر وأكثر.
الحرب الصهيونية الناعمة على المسلمين، التي تستهدف المبادئ، الأسس، المعتقدات الإسلامية، الرموز الإسلامية: القرآن، الرسول، المقدَّسات، هي حرب خطيرة على الأُمَّة، هي تهدف إلى استعبادها، إلى إذلالها، إلى الهيمنة عليها، وفعلاً عندما ترى أُمَّة الملياري مسلم تجاه هذه الوضعية المخزية جدًّا في الموقف ممَّا يجري في فلسطين، من جرائم العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، في الموقف من مظلومية الشعب الفلسطيني التي لا مثيل لها، حالة مخزية للغاية، حالة مهينة، ما وراء هذه الحالة؟! لماذا هذه الأُمَّة مكبَّلة، بجيوشها التي هي بالملايين، أكثر من عشرين مليون جندي عربي، بما تمتلكه من آلاف الطائرات، وعشرات الآلاف من الدبابات، بإمكاناتها، ثرواتها، قدراتها، بشعوبها التي هي مليونية، بل مئات الملايين؛ أمَّا على مستوى الأُمَّة بكلها أكثر من ملياري مسلم، ما الذي كبَّل هذه الأُمَّة؟! قيود ثقافية، نفسية، فكرية، في الحرب الناعمة للإضلال، والإفساد، والتدجين، والإخضاع، والتفريغ للإنسان من محتواه الإنساني، من محتواه القيمي والأخلاقي، حتى تحوَّل فقط في شكله إلى إنسان، وفي محتواه الداخلي يجعلون منه حيواناً مدجَّناً كالغنم والدجاج… وغير ذلك، فأين تذهبون يا أُمَّتنا الإسلامية؟! لا ينبغي الإصرار على هذه الوضعية، ينبغي الاستفادة بنحو ما يستفيده شعبنا اليمني، وهو يقدِّم النموذج من هذه المناسبة المباركة في (ذكرى المولد النبوي الشريف).
هذه الفعاليات التحضيرية كلها دروس ملهمة من سيرة الرسول، من الحديث عن رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، من التذكير بالمسؤولية، من الحديث عن جهاده وجهوده، بما فيه الهداية لهذه الأُمَّة، الأُمَّة التي لم يعد موقفها يرتقي إلى مستوى مواقف بعض الدول غير المسلمة، مثلما ذكرناه عن وزراء في هولندا، عن كولومبيا، عن فنزويلا، مثلما هو الحاصل في جنوب أفريقيا… في بلدان أخرى.
الحالة العربية هي بحاجة إلى ترسيخ المسؤولية الدينية، عندما نرى هذا الإفلاس على المستوى الإنساني، وموت الضمير الإنساني، بحاجة إلى ترسيخ للمسؤولية الدينية، بالذات في الواقع العربي، هذا جانبٌ مهم، ولكن أين يوجَّه؟ أصبح حتى هذا الجانب يوجَّه عند الكثير لخدمة العدو الإسرائيلي، التعبئة التكفيرية على الحقد والعداء أين تتَّجه؟ ضد أبناء الأُمَّة، ويتركون العدو الإسرائيلي هناك، لو وجِّهت ضد العدو الإسرائيلي كيف ستكون النتيجة؟ وما يشابهها في هذه الأُمَّة، كم هناك من تيارات وقوى وأنظمة عندها نشاط تعبوي عدائي، وتوجهات عدائية، تسخِّر لها مناهجها، وسائل إعلامها، الأنشطة التثقيفية والفكرية، وأموال، وأنشطة، وجهود؛ ولكن بعيداً عن الاتِّجاه الصحيح، هذا الموضوع يتعلَّق به الكثير من التفاصيل، ولكن نتركه- إن شاء الله- لمناسبة (ذكرى المولد النبوي).
فيمـــا يتعلَّـق بالأنشطـــة الجامعيـــة والطلابيـــة:هي حاشدة، كبيرة، واسعة وعظيمة.
كـذلك في مســـيرات يـوم الجمعـــة في اليمـن:في الأسبوع الماضي بلغت إلى (ألف وأربعمائة وواحد وثلاثين)مسيرة ووقفة، خروج عظيم ومشرِّف، ويبيِّض الوجه أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأمام رسوله “صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”.
أدعو شعبنا العزيز يمن الإيمان، يمن الأنصار، ونحن في ربيع محمد رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ”، وخاتم أنبياء الله، أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني الواسع العظيم، يوم غد الجمعة إن شاء الله، في العاصمة صنعاء، وفي مختلف المحافظات والمديريات والساحات:
– جهاداً في سبيل الله تعالى.
– ونصرةً للإسلام والقرآن والرسول.
– ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم.
أَسْألُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء.
من أهم ما يتعلَّق بالخروج الأسبوعي: أنه موقفٌ شعبيٌ عظيمٌ، فيه الجهاد في سبيل الله، والنصرة للشعب الفلسطيني المظلوم، في مرحلة هو يعاني فيها من أكبر ظلم، وأشد اضطهاد؛ ولـذلك الخروج مهمٌ للغاية.
وَالسَّـــــلَامُ عَلَـيْكُـــمْ وَرَحْـمَـــــةُ اللَّهِ وَبَــرَكَاتـُــهُ؛؛؛