علاقة الخطابين السياسي والإعلامي بين التداخل السلبي والإيجابي

يعد الخطابان السياسي والإعلامي من الخطابات التي بلغت مستويات غير مسبوقة من التداخل والتشعب والتنوع الذي يشمل كافة الجوانب الحياتية وهذه العلاقات المتداخلة هي من ناحية جزء من تراكم تاريخي قديم.
بيد أن حركة العولمة التي أدت إلى انكماش العالم وزادت من ادماج اقتصاديات وانفتاح ثقافاته وتداخل مجتمعاته ضاعفت أيضا من كم ونوع الارتباطات بين السياسية والإعلام خلال العشر السنوات الأخيرة.

ولقد لعب الخطابان المنتجان في مجالي السياسة والإعلام دوراٍ حيوياٍ في تأجيج أو احتواء الصراع السياسي وقام بدور محوري في تعجيل أو تأجيل بناء الجسور بين الفرقاء السياسي وإزالة سوء الفهم المتبادل والتوتر المتصاعد والصراع المحتمل عبر حوار وتواصل دائم ومستمر وكانت وسائل الإعلام بكل أشكالها المرئية والمسموعة والمكتوبة قوة فاعلة مؤثرة في العلاقات السياسية وطنيا وإقليمياٍ ودولياٍ.
فقد أكدت أحداث العشر السنوات الأولى من القرن الحالي أن جزءاٍ مهماٍ من التصورات الذهنية المتبادلة بين الناس هي من صنع السياسيين والإعلاميين وبشكل يغذي المشاعر العدائية بشكل دائم ومستمر.
ولذلك فقد فتحت الدعوات لتجديد الخطابين السياسي والإعلامي بما في ذلك خطاب منظومة الصحافة هذا الملف الشائك من خلال إعادة النظر في كل من:
النظرة لصورة الآخر في الخطابين السياسي والإعلامي.
النظرة لدور الخطابين في تدعيم النهوض في المجالات الاقتصادية والاجتماعية الثقافية.
ونقطة البداية التي ركز عليها المتخصصون في هذا المجال كانت التركيز على دراسة أشكال الخطابات سياسيا وإعلاميا والمتمثلة في :
نموذج الخطاب التصادمي: يعتمد على أداة الاستقطاب والتمييز السياسي والثقافي والديني والحضاري وفقا لقراءة صدامية بين الذات والآخر داخليا وخارجيا بهدف التجييش العاطفي وإثارة الخوف من الآخر والمتمثل في الخوف من تهديد الوجود أو الخصوصية.
نموذج الخطاب النقدي: يعكس حالة نقدية تعلي من شأن الذات في مقابل دونية الآخر سواء على المستوى المادي أو المستوى الروحي.
ج- نموذج الخطاب التواصلي: يؤمن بالانفتاح المتبادل والحوار الندي بين المكونات المختلفة رغم ضخامة وصلابة حملات العداء ويعبر هذا النموذج عن خلاصة تجربة تؤكد استحالة الصراع والحروب بين الأفراد والمجتمعات سواء على مستوى كل دولة على حدة أو بين الدول وبعضها البعض ناظرا إلى المسألة من زاويتها الاستراتيجية القائمة على الشراكة في تبادل المصالح.
وهكذا ننتقل مع هذا النموذج من الخطاب السياسي والإعلامي من فكرة الصراع الحتمي بين البشر التي دافع عنها الخطاب التصادمي إلى فكرة التعايش الذي يفترض الحوار واللقاء حول مجموعة من القيم الدينية والوطنية والكونية المشتركة والتي تمثل معيارا يحدد أنماط العلاقة بين أبناء الوطن وأبناء الإنسانية ليس على أساس المصالح المتبادلة بل على أساس تلك المرجعية الوطنية والدينية والإنسانية التي تساهم في الحفاظ والدفاع على مصالح عامة وخاصة.
ولا شك أن هذه النماذج الثلاثة تتواجد في الخطاب السياسي أو الإعلامي اليمني الأمر الذي يؤكد أهمية وجود دراسات متخصصة في هذا السياق نظراٍ لأن هذه النماذج السابقة تعكس حالات من:
1- صعود اهتمام السياسيين بصورة غير مسبوقة إلى واجهة المنابر الإعلامية لتمرير الرؤى وتعميق الآليات للأحكام المسبقة.
2- صعود البعد الديني في العلاقات الداخلية بل وحتى الدولية بعد صعود القراءة الثقافية التي تستعدي احداث سياسية.
3- تهميش الخطاب التواصلي لصالح الخطاب التصادمي على المستوى الداخلي والخارجي دون معرفة حقيقية بخلفياته الدينية والثقافية والتاريخية وهيمنة الخطاب الأخير ورواجه بين النخبة الفكرية والسياسية.
4- الاطمئنان إلى جدية النموذج التواصلي ورغبته في الانفتاح على الآخر لتحقيق معرفة ترفع الجهل والحذر والخوف والوهم وتقطع ذاكرة الرغبة في الثأرات والرغبة في الانتقام من خلال أرضية أخلاقية وقيمية مشتركة تنهض على رابطة إنسانية جامعة وعلى نظرة عقلانية نقدية تتفهم شروط الواقع.
ولذلك فإن هذا النموذج التواصلي سياسيا وإعلاميا سيكون ثمرة لما سبق من جهود إعلامية لتوظيف الإعلام اليمني لوسائل الاتصال الحديثة من أجل تعديل صورة اليمنيين لكي تتوافق مع الواقع والتي اعتمدت على قواعد اتصال أهمها:
– المرتكز الأول: تصحيح الصورة للمكونات السياسية والاجتماعية اليمنية فالواقع يشير إلى أن هذه الصورة مشوهة إلى حد كبير وتثير حالة من الخوف من مناخ غير عقلاني وغير حضاري وبيئة ثقافية تميل إلى العنف بل وحتى الإرهاب.
– المرتكز الثاني: مسار الاصلاح حيث تطل مسألة إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوقية والحريات كإشكالية يطرحها الخطاب السياسي في الإعلام بأفكار مغايرة لما كان سائداٍ قبل أحداث ما يسمى بالربيع العربي حيث أن كثيراٍ من الحكومات العربية ومنها اليمن صارت تضع دعوة الإصلاح على رأس أولوياتها.
– المرتكز الثالث: الرؤية الداخلية: ذلك أن أي حل لقتامة الوضع السياسي لا بد وأن يأخذ بعين الاعتبار البحث عن أسباب الصراعات بين القوى السياسية وكيف يمكن القضاء على هذه الإشكاليات من خلال تطوير الخطاب الإعلامي والاعتماد عليه وعلى الدبلوماسية السياسية لإزالة الحواجز لتحقيق الحوار والتفاهم ذلك لأن الخطاب في الإعلام والسياسة وكما لعب دورا في توسيع الفجوة بين هذه المكونات فإنه يمكن أن يلعب دوراٍ في التقارب بينها وتحقيق التعاون المشترك في قضايا التنمية والتعليم والفقر والأمراض وغيرها وقبل ذلك دور الخطابين في الدعوة للنقد الذاتي وإجراء حوار داخلي وبناء توجه نحو السلام وفهم كل طرف لطريقة التفكير التي يتبناها الطرف الآخر والتعامل بعقلانية مع نتائج وتبعات الصراعات السياسية وأخيراٍ حصر نقاط الخلاقات بين اليمنيين والنقاش حولها.
– المرتكز الرابع: ثورة إعلامية يمنية وهذا يعني وجود إعلام حر بالمعنى الحقيقي بملك القدرة على النقد الذاتي والإصلاح وكسر حالة الاحتكار الإعلامي من قبل الأطراف السياسية المتصارعة فقط.
الأزمة السياسية ودور الخطابين السياسي والإعلامي:
وجد المجتمع اليمني نفسه خلال العقد الأخير أمام عالم جديد مختلف بظروفه وشروطه وعلاقاته ومواقفه وتوازناته وانطلاق ثورة المعلومات والاتصالات وبدء قيام العولمة متعددة الجوانب الاقتصادية والثقافية والإعلامي وغيرها ونشوء علاقات دولية جديدة في إطار هذه العولمة.
وفي الوقت نفسه يلاحظ تهمي بعض الثقافات وتفتت المجتمعات وعدم احترام حق تقرير المصير وتأكل الهوية وازدياد الفقر والمرض وصعوبات الحياة في العالم الثالث التي تعد اليمن أحد مكونات منظومته وجاءت أحداث 11 سبتمبر 2001م لتزيد من عنف غلو التطرف والإرهاب الذي تعاني منه اليمن اليوم.
في ضوء هذه الظروف تتأكد أهمية التواصل الوطني سياسيا واجتماعيا وثقافيا من خلال الحوار وبناء علاقات تعاون وشراكة ويلعب الخطابان السياسي والإعلامي دورا مهما في هذا المجال لما لهما من تأثير مباشر وفعال في تكوين وعي الأفراد والمجتمعات ونقل المعارف وتغيير الصورة النمطية المسبقة وتأصيل النظرة العقلانية للآخر مما يؤدي إلى فهمه وفهم ظروفه واحتياجاته وقيه الثقافية وأسباب أنماط سلوكه تمهيداٍ لتفاهم وتعاون لا بد منه وطنيا خدمة للأجيال القادمة ومستقبلها.
إن الخطاب السياسي والإعلامي بمعزل عن شروط أخرى عاجر عن القيام بهذه المهمة ذلك لأنهما لا ينفصلان عن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمع اليمني فتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى روافد تفعيل أهمها:
– الحرية السياسية والإعلامية والموضوعية في الوصول إلى الجمهور بعيداٍ عن الأسلوب الدعائي والمطلقات الايديولوجية والحكام المسبقة.
– استراتيجية ثقافية شاملة منفتحة ومتعددة الجوانب تمتلك الإمكانيات التي تجعلها مؤهلة للتنفيذ الفعلي باندماجها في سياسة واضحة وبرامج عمل.
– أن تكون الرسالة السياسية والإعلامية موجهة إلى طيف واسع من المتلقين مختلفي الثقافة والرأي والطبقة والواقع الاجتماعي والمصالح.
– تفعيل العملية الاتصالية السياسية والإعلامية بين مختلف المكونات المجتمعية سياسي واجتماعية وثقافية وبما يعمل على تجاوز الحواجز التي تحد من فعالية التأْثير وحجم المساهمة بتشكيل وعي الرأي العام في اليمن.
– يحتاج تحقيق الفعالية التواصلية إلى التركيز على الموضوعية والمنهج النقدي واحترام الحوار والتعددية وعدم الرفض المسبق والطلق للآخر والرغبة الجدية في التفاعل معه.
– امتلاك الإعلام البنية التحتية الكافية للعمل والانتشار والوصول إلى جميع فئات المجتمع وتحقيق أهدافها.
ويمكن القول أن هناك الكثير من العوائق التي تحول دون تفعيل الخطابين السياسي والإعلامي في الحوار والتواصل المجتمع في اليمن وأهمها:
– ضعف إمكانيات وسائل الإعلام اليمنية غير الحكومية بما في ذلك المقروءة وهي غالبا تخضع لدرجات متفاوتة لهيمنة القوى السياسية وتتأثر بآرائها وسياساتها سواء بسبب التمويل أو الرقابة أو غيرها مما يجعل أولوياتها موجهة ايديولوجيا وجمهوريا محددا.
– السياسات التحريرية والإعلامية منغلقة على نفسها وجمهورها ولا تهتم بمعرفة الرأي العام اليمني ودراسته والبحث عن سبل التأثير فيه وهي في الغالب الأعم تجهله وتجهل ثقافته ومنافذ الوصول إليه وإن أهتمت به فيكون ذلك رد فعل على حملات إعلامية للقوى السياسية التي تمثلها أو ضد موقف سياسي اتخذه طرف آخر يتركز أساسا على انقاع الرأي العام الداخلي بخطأ الآخرين وتهافت مواقفهم وإظهار عدائهم للقضايا المجتمعية وكثيرا ما يكون الخطاب وتحديدا السياسي مؤسسا للكره والعداء أو ينطلق من افتراض تآمر الآخر عليه وفي كل الحالات لا يتوجه خطاب الإعلام اليمني المعبر عن الخطاب السياسي إلى معالجة القضايا بعيداٍ عن الفعل ورد الفعل.
– يهيمن على الخطابين السياسي والإعلامي اليمني مضمون ايديولوجي يستهلك نفسه بالتحريض والتعبئة (شكلاٍ ومضموناٍ) ما يوقعهما في فخ التعصب والتطرف.
يهمل العدد الأكبر من وسائل الإعلام اليمنية والسياسيون القائمون عليها إقامة اتفاقيات تعاون مع وسائل الإعلام الغربية في مجالات , والبرامج المشتركة وتبادل الخبرات والإنتاج الإعلامي المشترك.
– لا يعتمد الخطاب السياسي والإعلام اليمني على مراكز البحوث والدراسات واستبيان الرأي العام ومراكز المعلومات ولا يرتبط منتجو هذه الخطابات بشبكة معلومات موحدة تقدم المعطيات عن توجهات الرأي العام الداخلي وحتى الخارجي وتياراته وآرائه.
– لم تستفد مراكز إنتاج الخطاب السياسي والإعلامي في اليمن من المنظمات الأهلية والمدنية وتشجيعهم على المشاركة بفعالية في قضايا الحوار والتعاون مع هذه المنظمات في رصد الواقع اليمني سياسيا واجتماعيا واقتصاديا حيث وأن هذه المؤسسات تشكل قوى لم تتم الاستفادة منها حتى الآن .
– إن من أهم المشاكل التي لم يستطع الخطابان التغلب عليها حتى الآن هي ضعف التنسيق بين مراكز صنع القرار في الدولة ومراكز إنتاج الخطاب السياسي للقوى السياسية المختلفة ووسائل الإعلام اليمنية – وربما انعدام هذا التنسيق – في مجال الإعلام الموجه للخارج لأسباب كثيرة أهمها البنى السياسية والاجتماعية لدى هذه المكونات ,ولازالت كل القوى السياسية ومعها وسائل الإعلام تدور في فلك السياسيات المحلية ومتطلباتها وتبحث عن النجاح داخل مجتمعاتها الخاصة بها , ولا تخصص لها إمكانيات مالية وبرامج عمل ولا اهتمام للخارج إلا في حالات نادرة .
تصور مناخ لتفعل الخطابين السياسي والإعلامي اليمني.
تقع على عاتق خطابي السياسية ولإعلام اليمنيين مهمات كثيرة في مجال السياسية والاقتصاد والحفاظ على النسيج الاجتماعي وتدعيم مرتكزات الثقافة الوطنية ولم يعد اهتمام كل من الخطابين بالتواصل مع الآخر داخليا بل وحتى خارجيا أمراٍ هامشياٍ بل أصبح من أولى مهمات السياسة والإعلام وتأكدت ضرورة البدء بالعمل لتأسيس مرحلة جديدة أساسياتها خلق المناخ للشراكة الوطنية من خلال:
1- دراسة نقدية معمقة نقدية تطال التراث والتاريخ والمفاهيم والسلوك للخطابين السياسي والإعلامي بهدف إزالة الرواسب منها,والتأكيد على أهمية خطاب الحوار لبناء علاقات جديدة مبنية على الاحترام المتبادل , والتفهم والتفاهم وتعزيز مفاهيم الاعتماد المتبادل والتسامح في إطار التكافؤ والمساواة وفهم الآخر ومشاغله وسلم قيمه ,وقبول مبدأ التعددية الثقافية المذهبية والسياسية , ورفض التطرف والتعصب والرؤية المحدودة والمجود والعناد.
2- الأخذ في الحسبان أن الصراع العسكري والسياسي بين القوى السياسية لم يترافق مع قطيعة ثقافية وطنية فالتفافي بقي مستمرا رغم هذه الصراعات .
في ضوء هذه القراءة لدور الخطابين السياسي والإعلام في إدارة الأزمات وطنيا سواء فيما يتعلق بتأجيج الصراع أو احتوائه وبناء جسور الحوار, فإن هناك عدداٍ من الأسئلة التي تبرز في هذا السياق تتطلب الإجابة عنها لتفعيل مناخ أفضل لتطوير دورهما أهمها:
– هل ساهمت هذه الخطابات في الترويج لأسس العلاقة الطبيعية بين مختلف مكونات المجتمع اليمني ممثلة في التكامل والمصلحة المشتركة¿.
– هل تمكن الخطابان السياسي والإعلامي اليمني الرسمي وغير الرسمي من تجديد نظرتنا إلى أسس المواطنة الحقة وتطوير آليات تفكيرنا بما يخدم مصالحنا¿.
– هل توجه كلا الخطابين للحث على قبول الاختلاف مبنيا على وعي تاريخي وقدرة تحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية¿.

قد يعجبك ايضا