مولد النور … بين أهازيج الخيانة وصرخات غزة ..

القاضي / بشير الشامي

 

يُطل علينا المولد النبوي الشريف هذا العام والدم ما زال ينزف، والدمع ما جفّ .. والصرخات من حولنا تملأ الأفق ولا أحد يُنصت.

يولد محمدٌ هذا العام ولكن ليس في مكة .. بل في أحشاء غزة الجائعة، في مآقي الأطفال الذين لم يجدوا حليبا، في قلوب الأمهات اللواتي يُرضعن أبناءهن بالحسرة والأمل، في أجساد الشهداء المسجّاة على الأرصفة، في صمود المقاومين الذين يرفعون رؤوسنا بينما تنكّست رايات العرب والمسلمين.

أيُّ زمن هذا الذي نعيش فيه؟

هل نحن أمة محمد حقا؟ أم أننا كتبنا الشهادة على الورق فقط، وخرقناها بأفعالنا كل يوم؟

كيف يُولد رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله في عام تغرق فيه غزة تحت الحصار، وتُذبح فيه الأمة بسكاكين إخوانها؟

أي معنى لذكرى المولد ونحن نخذل سنّته ونقف مع من يهدمون مسجده ويقتلون أحفاده، ويطعنون أمته في ظهرها؟!

محمد لا يولد بالمديح والثناء المجرد، بل يولد عندما نصرخ (لا) في وجه الطغاة،

عندما نرفع راية الحق في زمن انحنت فيه رؤوس الرجال … عندما نكفر بالظالمين ونتّبع سُنّته لا بخطب الجمعة والندوات بل بمواقف العزة.

انظروا إلى غزة … هناك محمد يولد كل لحظة في عين طفلٍ فقد أمه، في يد مقاتل يحمل بندقيته ولا يجد قوت يومه .. في دمعة مُرابطةٍ تقول لابنها: {اذهب واستشهد يا حبيبي… فالنبي ينتظرنا على الحوض} .

وانظروا إلى اليمن حيث يقف المحاصرون على أنقاض البيوت يهتفون: لبيك يا رسول الله … لا ترفا، بل تحديا لمن يحاصرهم،

ينشدون ذكرك يا رسول الله تحت طائرات الموت ، ويضيئون قلوبهم بنورك ، بينما انطفأت مصابيح النخوة في القصور المكيّة والقصور الخليجية.

يا رسول الله… لقد طُردت من مكة… فوجدت الأنصار في المدينة، واليوم يُطرد أطفالك من غزة، فهل بقي من أنصار؟

هل بقي من يضع يده في يدك ويقول: يا محمد خذ من أموالنا وأنفسنا نحن فداء لك، وفداء لغزة ولبنان وسوريا وكلّ من سار على طريقك؟

للأسف … خذلنا القضية وخذلناك.

خذلناك عندما صمتنا على التطبيع ..

خذلناك عندما رأينا أعداءك يعيثون في القدس والمسجد الأقصى ولم نحرّك ساكنا …

خذلناك عندما رأينا انصارك في اليمن يُذبحون وقلنا: لا شأن لنا ..

خذلناك عندما اتبعنا شياطين الغرب وتركونا في العراء بلا عزة ولا قرآن ولا سنّة.

حتى منابر المساجد… صعدها المتصهينون .. يُحرّفون كلامك ويفتون بما يُرضي ملوكا خانوا الله ..

فتحوا أبواب الانحلال وباعوا العفّة والغيرة وظنّوا أنهم باقون … ونسوا أن من خان دينك لا تدوم له ولاية.

يا رسول الله… ما عادت الخيانة تستتر .. بل صارت تُعلن في المؤتمرات وتُوقّع في الاتفاقات .

وما عاد العدو يختبئ … صار يُستقبل بالبخور والموائد والرقص..

وما عادوا يخجلون من كفرهم… بل يفاخرون بأنهم تجاوزوا النصوص وتحرّروا من قيود الدين.

فهل نسينا أنك أتيت محررا لا خاضعا، مقاتلا لا مهادنا، كاسرا لأصنام المال والهوى، لا بانيًا لمعابد الدولار والشهوة؟

ذكراك هذا العام ليست مدائح تُتلى… بل زلزلة للضمير.

هي سؤال صارخ في وجه كل مسلم:

هل أنت مع محمد؟ أم مع من يحاصره؟

هل أنت مع المقاومة؟ أم مع الاحتلال؟

هل تنتمي لصفّ عليٍّ وحمزة، أم لمعسكر أبي جهل وكعب الأحبار؟

ألم يحن الوقت لنقف وقفة صادقة مع النفس .. مع الحق .. مع الله؟.

فمن لم يغضب اليوم لغزة ولبنان واليمن وفلسطين فلا يحق له أن يدّعي حب محمد ولا أن ينشد باسمه ..

ومن أحب محمدا… سار على دربه وجاهد كما جاهد ورفع راية هيهات منا الذلة.

مولده اليوم ليس حدثا في السيرة… بل لحظة فاصلة بين أمة تُبعث من جديد… وأخرى تموت بصمت وخيانة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا