الثوب الفلسطيني النظيف واللسان القذر

د. فايز أبو شمالة

 

 

الذي يقصف غزة بالصواريخ الأمريكية هو الاحتلال الإسرائيلي، والذي يجوّع أهل غزة، ويسد منافذ المساعدات بالدبابات هو العدو الإسرائيلي، وليس هناك أجلى وأوضح من هذا العدوان السافر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي اعترف به الإسرائيليين أنفسهم، وبكل أطيافهم السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، وأقروا جهاراً بأنهم يتعمدون منع دخول المساعدات على أهل غزة للضغط على حركة حماس كي تليين مواقفها في المفاوضات التي تجري في الدوحة، ليتسنى لنتانياهو تحقيق النصر المطلق في المفاوضات بعد ان عجز عن تحقيقه في المواجهات.
ما سبق من حقائق موضوعية بائنة وفاقعة اللون لا تخفي على عاقل أو مراقب أو متابع للشأن الفلسطيني؛ سواء كان قريباً أو بعيداً عن المواقف الفلسطينية الرافضة للعدوان، تلك الحقائق البائنة من تجويع وترويع وتهجير ونزوح يطمسها بعض الكتاب والمعلقين الفلسطينيين؛ الذين تستضيفهم بعض الفضائيات التي تمولها بسخاء دول عربية، فيخرج هؤلاء المعلقون عبر الشاشات لساعات كي يلوموا الضحية، ويبرئوا الجلاد، وقد تتعمد تلك الفضائيات أن تستضيف شخصيات وكتاب ومعلقين ومحللين سياسيين كانوا يسكنون في قطاع غزة قبل العدوان الإسرائيلي، ولكنهم اليوم يقيمون في مصر أو في رام الله أو في لندن وغيرها من العواصم الأوروبية، والهدف من استضافة أبناء غزة هو إعطاء مصداقية للفكرة السياسية التي تحاول الفضائيات ترويجها، والتي تقوم على تحميل مسؤولية القتل والذبح والتجويع في غزة لحركة حماس، دون إلقاء أي لوم أو اتهام على الجيش الإسرائيلي الذي يمارس المحرقة أمام العالم، وعلى مدار الساعة.
أولئك الكتاب والمعلقون والمحللون يعتمدون في تشويه الحقيقة على معطيات ميدانية صادقة وصادمة، وتتمثل في استشهاد أكثر من مئة شخص في غزة يومياً، وتتمثل في حالة التجويع التي روّعت الناس، ولجوئهم إلى التوسل والاستجداء للحصول على لقمة الخبز، وتتمثل في حالة نزوح الناس من مكان إلى مكان بعيداً عن القذائف الإسرائيلية، وبحثاً عن خيمة تلم شتاتهم، ليصل المحللون السياسيون إلى النتيجة المؤلمة بأن حركة حماس هي المسؤولة عن مواصلة حرب الإبادة الجماعية، وأن على حركة حماس الموافقة على ما يطرح عليها من شروط إسرائيلية لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً، ليتسنى تحرير الناس من عبودية المذلة والقهر والعذاب.
أولئك المعلقون والكتاب يتجاهلون عمداً الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الكامنة وراء انتزاع اتفاق مع حركة حماس، يضمن بقاء السيطرة الإسرائيلية على أجزاء كبيرة من قطاع غزة، ويضمن استمرار سيطرة العدو على المعابر التجارية، والتحكم بالمساعدات، ويضمن للإسرائيليين التحكم بمعبر رفح، وآلية سفر الفلسطينيين ذهاباً وإياباً بحرية، ولا يلتفت أولئك المعلقون والكتاب إلى مصير الأسرى الفلسطينيين الذي أمضوا عشرات السنين في السجون الإسرائيلية، بعد أن خذلتهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ولم تحررهم المناشدات الإنسانية، ولا الاتفاقيات السلمية.
أن يتجاهل عمداً، وأن يتغافل بقصد الكثير من هؤلاء المعلقين والكتاب حقيقة الأطماع الإسرائيلية، وهم يتباكون على حياة الرغد التي سبقت السابع من أكتوبر في غزة، وأن يحجم هؤلاء الكتاب والمعلقين عن صب جام غضبهم وحقدهم على الاحتلال، ولا يحملونه مسؤولية المحرقة في غزة، فذلك يعني أننا أمام معلقين وكتاب حزبيين، أعمت المصالح عيون البعض منهم عن رؤية الحقيقة التي يمثلها العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الضفة الغربية أرضاً وشعباً، والتي لا تقل وحشية عن محرقة أهل غزة، وكل ذلك يشير إلى أن الهدف من هذه اللقاءات عبر بعض الفضائيات هو تشويه فعل المقاومة، والتنكر لأي منجز سياسي أو استراتيجي قد تحققه، وبالتالي تبرئته العدو الإسرائيلي المسالم الحنون من دم الضحايا، وفي ذلك دليل على أن لسان هؤلاء الكتاب قذرٌ، قد انبرى للباطل، وتم صقله بمسن الأكاذيب الإسرائيلية.
من يتابع وسائل الإعلام الأجنبية، وينتبه لتصريحات الكثير من المسؤولين الأجانب، وكيف تحولت مواقفهم الداعمة للعدوان إلى مواقف تتبرأ من العدوان، وتحمله المسؤولية، وتصطف إلى جانب حق أهل غزة في طلب الحرية، يدرك أن بعض الكتاب الفلسطينيين لم يرتقوا بمواقفهم السياسية إلى مستوى الجماهير في أوروبا، ولم يصلوا في النطق بالحق إلى مستوى عضو الكونجرس الأمريكي رشيدة طليب، التي لم تدّع يوماً أنها من مواليد غزة، رشيدة طليب تقاتل من أجل صدق الراوية الفلسطينية، وتتهم الاحتلال الإسرائيلي مباشرة بالمجازر، والمحرقة، وتحمله مسؤولية تجويع الناس، ولم تلق يوماً رشيدة طليب تهمة واحدة على حركة حماس التي تقود معركة التحرر ضد الاحتلال.
ومن يستمع إلى رئيس وزراء أستراليا، المؤيد والحليف لإسرائيل عبر الزمن، وهو يتهم إسرائيل بحرب إبادة ضد أهل غزة، ويطالب بوقف العدوان، وفتح المعابر، وإدخال المساعدات فوراً، يدرك أن الحقائق لا يخفيها لسان متحزب يقيم في لندن أو القاهرة أو رام الله، ويدعي أنه فلسطيني، ومن سكان قطاع غزة، وأن قلبه على الناس الذين تعذبهم حركة حماس، لأنها لم تخضع ولم تخنع للشروط الإسرائيلية في مفاوضات الدوحة.
ومن يستمع إلى الرئيس الفرنسي ماكرون، ولوزير خارجية بريطانيا، وهم الحلفاء الأوثق للعدو الإسرائيلي، وكيف نجحت مظلومية غزة في تبديل مواقفهم من الدعم المطلق للاحتلال، إلى البدء في الضغط على الاحتلال لوقف المحرقة، ووقف العقاب الجماعي للمدنيين، وفتح المعابر، في رسالة إدراك واعٍ لحقيقة العدوان الإسرائيلي، هذه الحقيقة التي يتغافل عنها بعض المعلقين والكتاب المنتسبين لفلسطين، والمعادين لفكرة مقاومة الاحتلال.
فمتى يتوب هؤلاء الكتاب الفلسطينيين المنتين إلى غزة شكلاً، والمعادين لغزة وأهلها فعلاً؟ متى يصيروا مسيحيين في عقيدتهم مثل رئيس وزراء أستراليا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا بريطانيا، ويصطفون مع 27 دولة تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي على أهل غزة؟
متى يكف هؤلاء المعلقون عن التحالف مع ستيف وتكوف، ويرددون من خلفه الأكاذيب عن رفض المفاوض الفلسطيني وقف إطلاق النار في غزة، ورفضه وقف المذبحة والمحرقة الإسرائيلية، وفضه كل ما قدم له من تنازلات إسرائيلية في مفاوضات الدوحة؟
متى يكف هؤلاء عن تحميل الشعب الفلسطيني مسؤولية تساقط القذائف فوق رؤوس أطفاله، لأنه يرفض الاحتلال، ويطالب بالحرية، ويقف ضد العدوان؟
متى يكف هؤلاء الكتاب ومعهم الفضائيات عن رجم رجال المقاومة بالعجز والفشل وتخريب بيوت الناس؟
متى يتوب هؤلاء الكتاب والمعلقون عن تجاهل الحق الفلسطيني؟ ليدركوا أن الثوب الفلسطيني النظيف لن تلوثه ألسنتهم القذرة، التي تنتظر مكافأة الفضائيات المالية، ليواصلوا حرب التشهير والتشويه للمقاومة الفلسطينية.
كاتب فلسطيني

قد يعجبك ايضا