الثورة نت /..
أعلن مدير مستشفى العيون التخصصي في غزة، الطبيب عبد السلام صباح، أنّ ما يزيد على 1500 مصاب فقدوا البصر خلال حرب الإبادة المستمرة منذ 21 شهراً.
وأفاد صباح، في حديثٍ إلى موقع «الأخبار»، بأنّ الاحتلال الإسرائيلي اقتحم مستشفى العيون المركزي في الشهر الأول من حرب الإبادة، ودمّر عدداً من معداته الطبية والتشخيصية والبنية التحتية، ما أدّى إلى تحييده عن العمل لمدة 13 شهراً، ليفقد إثر ذلك المئات من المصابين البصر.
وأوضح الطبيب أنّ عدم توافر غرف عمليات جراحية متخصصة بأمراض العيون والتي تُعنى بالجراحات الدقيقة المجهرية فضلاً عن النزوح القسري لعدد كبير من الأطباء «فاقم من إصابتهم حتى فقدوا البصر بشكل جزئي أو بشكل كامل، نتيجة لتأخر التدخل الجراحي الخاص بهم أو حتى منعهم من السفر لاستكمال العلاج».
كما حذر من فقدان ما لا يقل عن 4000 إلى 5000 مريض للبصر سواء بشكل جزئي أو كلي «لعدم توافر الأجهزة الطبية التشخيصية والدقيقة وكذلك الأدوية العلاجية والمستلزمات الطبية التي تحتاجها العمليات الجراحية».
وأشار مدير مستشفى العيون المركزي إلى أنّه ولضعف الإمكانات المادية والبشرية، ما يزال 1400 مريض ينتظرون دورهم لإجراء عمليات جراحية في عيونهم «علّهم ينقذونها من الفقد».
وقال إنّ «القدرة التشغيلية للمستشفى حالياً «7 حالات في اليوم الواحد بعدما كانت تصل إلى 20 حالة قبل الإبادة، وذلك لعدم توافر طاقم كافٍ ولا مستهلكات كافية لتغطية الاحتياج».
وطالب صباح المؤسسات الدولية والأممية بالعمل الحثيث والجاد لتعزيز الخدمات الصحية وتوفير المستهلكات الطبية والعلاجية والأجهزة الضرورية لخدمات العيون في قطاع غزة.
الشعور بالعجز
من جهتها، أكدت الاختصاصية النفسية أنهار فرج الله أنّ لفقدان البصر «تأثير عميق في نفسية المصاب والتي تشعره بالعجز والاعتماد على الآخرين بعدما كان يعتمد على نفسه ويساند أهله ومن حوله من النازحين».
وأضافت أنّ المصاب بفقدان البصر «خصوصاً الكلي، تصبح الحياة أمامه وكأنها كالحة سوداء مظلمة، وهو ما يؤدي لإصابته بالقلق والتوتر، ويمكن أن يدخله في حالة نفسية صعبة كالعزلة والاكتئاب».
وشددت على أهمية الدور الذي يقع على عاتق العائلة في تلك الحالة «فلا بد من أن تقف إلى جانب المصاب ودعمه نفسياً وجسدياً كي يتخطى مرحلة الصدمة التي تصيبه»، داعيةً إياهم إلى الاستعانة بالدعم النفسي من الجهات المختصة كي يستطيع المريض تجاوز المرحلة والتعايش مع الواقع الجديد.
«أهوال يوم القيامة»
وعلى سرير العلاج في مستشفى العيون التخصصي تستلقي شابة جميلة في مقتبل العمر، تنتظر دورها من أجل إزالة شظية اخترقت عينها اليمنى، إثر استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي المنطقة التي تقطن فيها بحزام ناري.
وروت سجى حميد (25 عاماً) ما حدث معها صباح الأربعاء الماضي، وتقول لـ«الأخبار»: «كنت أقف بجوار نافذة المنزل في منطقة التفاح شرق مدينة غزة، وإذا بحزام ناري يفجّر المنطقة وكأنها أهوال يوم القيامة، ليطير جسدي ويرتطم بجدار الغرفة وأفقد الوعي دقائق معدودة».
وأضافت: «استيقظت ووجدت الدماء تغطي وجهي والحجارة فوق ظهري، وآلاماً شديدة في رأسي، وعيني لا أستطيع فتحهما والدماء تنزف منهما، حاولت الوقوف فلم أستطع، وجاء أخي وأخرجني وأمي التي أصيبت أيضاً، وسرنا عشرات الأمتار حتى حضرت سيارة أجرة ونقلتها إلى مستشفى المعمداني ومنه إلى مستشفى العيون».
وأملت الفتاة سجى أن يتمكن الأطباء من إخراج الشظية دون أن تؤثّر في الشبكية أو أي من المراكز البصرية الحساسة لعينها، وتتساءل «ما هو الذنب الذي ارتكبناه كي نصاب في نور عيوننا، ونحرم من رؤية ما حولنا؟».
حكاية وجع أخرى روى تفاصيلها والد الطفل محمد حجازي (7 أعوام) من مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، والذي فقد كلتا عينيه بعد أن مزقتهما شظايا مخلفات جيش الاحتلال الإسرائيلي في 25 آذار الماضي. وقال والد الطفل محمد في حديث إلى «الأخبار» إن طفله «خرج إلى ساحة منزلنا شبه المدمر كي يلعب مع أصدقائه، وإذا بصوت انفجار يدوّي في المكان خرجت على إثره مسرعاً كي أعرف مصدره، وإذا بي أجد طفلي مضرجاً بالدماء»، واصفاً المشهد بـ«الصعب جداً».
وأوضح أنه انتقل مسرعاً وهو يحمل محمد إلى «المستشفى الإندونيسي» ويقول إنّه وقّع على ورقة باستئصال عينيه الاثنتين بعدما دمّرت شظايا القنبلة مركزه البصري، إلا أنّ الطبيب ارتأى أثناء خضوع محمد للعملية الجراحية، وبعدما استأصل العين اليمنى، أن تبقى اليسرى في محجرها على أمل أن تحدث معجزة تُعيد إليها النظر، أو تسهّل عليهم زراعة العين التجميلية.
ولفت إلى أنه وبعد شهر من المناشدات تم إجلاء محمد برفقة والدته إلى السعودية بعدما تكفّل «مستشفى الملك فيصل التخصصي» بعلاجه، مشيراً إلى أن طفله بدأ بتقبل الواقع الذي أصابه.
ولا تختلف مأساة عائلة أبو حليمة عمن سبقها كثيراً، فقد أدى استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للعائلة إلى فقدان علي (16 عاماً) عينه اليسرى، وإصابة شقيقته الصغرى فاطمة (6 أعوام) في عينها اليمنى، فيما أصيب والدهما بكسور بليغة في أطرافه اليمنى واستشهدت شقيقتهم الكبرى.
وروت والدتهم لـ«الأخبار» ما حلّ بهم في العشرين من شهر آذار الماضي، وقالت: «فجر العشرين من رمضان، كنا نستعد لتناول طعام السحور في خيمتنا على أنقاض منزلنا في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وإذا بصاروخ استهدف الخيمة أدى إلى استشهاد ابنتي الكبرى وإصابتي وزوجي وأبنائي، نقلنا على إثرها لتلقي العلاج في المستشفى».
وأوضحت الأم أنّ ابنها علي أصيب بشظايا في عينه اليسرى أدت إلى تفريغها من محجرها ليفقد جزءاً كبيراً من بصره «ونسعى من أجل تحويله للعلاج في الخارج لتركيب عين اصطناعية تجميلية»، وأضافت: «ابني ما يزال شاباً يافعاً في مقتبل العمر، ولا يتقبل أن يكون بعين واحدة».
أما عن صغيرتها فاطمة، فقالت إنّها «أصيبت في عينها اليمنى بشظايا أدت إلى استبدال عدسة العين بعد خضوعها لعملية جراحية بعدسة اصطناعية»، وأشارت إلى أنّ الحالة النفسية لطفلتها صعبة جداً «لا تتوقف عن البكاء خاصةً في حال حدوث أي صوت مرتفع في المكان».