لكل عدوان نهاية

د.فايز أبو شمالة

 

 

لو توافرت للقيادة الإسرائيلية الرؤية الاستراتيجية للآثار السياسية والمجتمعية والنفيسة لعدوانهم على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، لأوقفت الحرب منذ 635 يوماً، من بدايتها، ولما مارست كل هذه الوحشية والإرهاب، وحرب الإبادة الجماعية ضد شعب يطالب بتحرير أسراه، وإنهاء الاحتلال، ورفع الحصار عن حياته الإنسانية.
لقد توهمت القيادة الإسرائيلية أنه بمزيد من الإرهاب والعنف والقتل سيركع الشعب الفلسطيني، وسيرفع الراية البيضاء في غزة، وتخرج قيادة حركة حماس من غزة مهزومة، تنبذ المقاومة، وتعترف بالشروط الإسرائيلية، لتكون النتيجة تمرير المخططات الإسرائيلية العدوانية على كل المنطقة العربية.
وبعد 635 يوماً من العدوان الوحشي، تجد القيادة الإسرائيلية نفسها ملزمة بوقف إطلاق النار، والتخلي عن شرط تهجير سكان قطاع غزة، والتخلي عن شرط ترحيل قيادة حركة حماس، بل والتخلي عن شرط نزع سلاح المقاومة، وهو الشرط الذي يعني قبول ورضا الشعب الفلسطيني بالاحتلال إلى الأبد، والذي يعني الاعتراف بأن سلاح المقاومة سلاح إرهاب، وليس من حق الفلسطيني أن يقاوم المحتلين.
القيادة الإسرائيلية التي تم استدعاؤها بشخص رئيس حكومتها نتنياهو للقاء الرئيس الأمريكي ترامب، تعرف أن للعدوان نهاية، وأن وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً في غزة، مع صفقة تبادل أسرى، يعني عدم العودة إلى العدوان ثانية، وأن كل الضغط على المدنيين، من قصفٍ وتجويع ونزوح لم يثمر إلا لعنات عربية ودولية على هذا التجمع الصهيوني الإرهابي الذي صار مهانة ومسبة على مستوى شعوب العالم.
الرئيس الأمريكي ترامب يعلن من أمريكا موافقة العدو الإسرائيلي على وقف إطلاق النار في غزة قبل أن يصل إليها نتنياهو، وهذه لغة أمر من رئيس أمريكا لرئيس وزراء إسرائيل، لغة أمرٍ تقول: أوقف هذه المهزلة، أوقف هذه الحرب، التي لن تخرج منها منتصراً، وأحرجت أمريكا على مستوى شعوب الأرض، وجرت عليها نقداً دولياً، وتحولات مجتمعية لها ارتداداتها الحزبية والسياسية على المجتمع الأمريكي نفسه، وقد تحول مزاجه من داعم بالمطلق للعدوان الإسرائيلي إلى مؤيد للحق الفلسطيني، والمقياس لذلك هو تقدم المرشح اليساري زهران ممداني ذو الخلفية المسلمة من أصول هندية لمنصب عمدة نيويورك، وهو المعادي للصهيونية، والداعم للحقوق الفلسطينية، الذي لم يتجاوز عمره 34 عاماً، وقد حصل على الجنسية الأمريكية سنة 2018، لعل هذا أكبر مؤشر على التحولات العميقة في النفسية والعقلية الأمريكية، التي مثلت فيها مدينة نيويورك القلعة الحصينة للدعاية الصهيونية.
ولكل عدوان نهاية مهما طال أمد القصف والذبح والقتل والتشريد والتجويع، وقد أزفت نهاية العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، وقد حان الموعد ليتنفس أهل غزة حقهم في الحياة، وحقهم في الأمن، وحقهم في رفع الحصار وإعادة الإعمار، وقد جاءت نتائج العدوان الإسرائيلي على غير ما تمنى وسعى لذلك قادة الكيان.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني .

قد يعجبك ايضا