واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا

جاء الدين الإسلامي الحنيف في فترة من تاريخ البشرية كان الناس فيها متفرقين متشتتين متنازعين لدرجة كبيرة لا يجمعهم جامع ولا يربطهم رابط متدين أو خلق كريم تنشب بينهم الحروب الضارية لأتفه الأسباب وتستمر لأعوام وأعوام.
فجاء الإسلام ليلم شتات هذا الإنسان ويدعوه من الانقسام إلى الوحدة ومن التمزق إلى الترابط والتوحد ومن التشقق إلى التجمع حول منهج الله تعالى.
فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – الناس بالوحدة ولا ينظر أحدهم على أنه أفضل من غيره فالناس جميعاٍ عند الله سواء لا فضل لبعضهم على بعض إلا بالتقوى والعمل الصالح الذي يتقرب به العباد لله تعالى فقال سبحانه ” يِا أِيْهِا النِاسْ إنِا خِلِقúنِاكْم من ذِكِرُ وِأْنثِى وِجِعِلúنِاكْمú شْعْوبٍا وِقِبِائلِ لتِعِارِفْوا إنِ أِكúرِمِكْمú عندِ اللِه أِتúقِاكْمú إنِ اللِهِ عِليمَ خِبيرَ” سورة الحجرات (13).
ويتكرر النداء العام في القرآن الكريم للناس جميعاٍ بلفظ “يا أيها الناس” في أول سورة النساء وفي أول سورة الحج وفي كثير من الآيات في أوساط السور ليدل على أن الناس جميعاٍ معنيون بهذا النداء وأنهم جميعاٍ متساوون عند الله في الإنسانية وأن الله إله الجميع خالق الجميع ورازق الجميع وسيحاسب الجميع وسيرجع الجميع إليه يوم القيامة ليحاسبهم على أعمالهم.
والنبي – صلى الله عليه وسلم – يؤكد على وحدة الناس جميعاٍ ومساواتهم عند الله تعالى– فيقول “كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى”.
ولذلك لما دعا النبي – صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام دعا الجميع ودخل الناس في دين الله فشعروا بالمساواة لا فرق بين السيد والعبد ولا بين الغني والفقير ولا بين العربي والعجمي بل الجميع أمام الله سواء.
وسلك الإسلام في طريق توحيد الناس وتجميعهم حول منهج الله تعالى كل طريق فقضى أولاٍ على ما كان يثير النزاعات والحروب بين الناس قبل الإسلام وقضى على العصبية القبلية الجاهلية التي كان الناس يتقاتلون عليها قبل الإسلام وقضى على تعصب الناس لأنسابهم وأحاسبهم وقبائلهم وأماكنهم وجعلهم جميعاٍ ينتمون إلى الإسلام ويستظلون بمظلة الإسلام لا فرق بينهم فهم جميعاٍ مسلمون مستسلمون لله تعالى.
ولذلك كان بعيش بينهم بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي ولا يشعرون بأنهم من غير العرب بل هم مسلمون أخوة في الدين مع أخوانهم العرب المسلمين.
ولذلك أيضاٍ لما هاجر النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة بدأ بالتوحيد بين أهلها من الأنصار الذين كانوا منقسمين إلى الأوس والخزرج وكانت بينهم الحروب الطاحنة التي كانت تستمر لأعوام طوال دون أن تتوقف فأصلح بينهم الإسلام وآخى بينهم.
ثم آخى بين أهل المدينة وأهل مكة بين الأنصار والمهاجرين حتى لا يشعر المهاجرون بالغربة في هذا الوطن الجديد وقال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم- “تآخوا في الله أخوين أخوين” وضرب الأنصار من أهل المدينة أروع الأمثلة في الإيثار والعطاء والسخاء حتى أن الواحد منهم كان لا يبخل على أخيه المهاجر بأي شيء من مال أو متاع أو دار حتى النساء كان الأنصار يعرض على أخيه المهاجر نساءه ويقول: أختر أيها تعجبك فأطلقها ثم تتزوجها بعدما تنقضي عدتها.
وبهذا ضرب الإسلام أروع الأمثلة في التوحيد بين القبائل المتشتتة المتفرقة المتنازعة التي ما كان يظن الناظر في حالهم أبداٍ أنهم يمكن أن يتوحدوا في يوم من الأيام لما كان بينهم في الجاهلية من حروب طاحنة.
ولذلك لم يعجب هذا الأمر الذي صنعه الدين الإسلامي في هؤلاء, لم يعجب أعداء الإسلام من اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة المنورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فعمدوا إلى تفتيت هذه الوحدة وتقطيع أواصرها ليعود الناس إلى ما كانوا عليه قبل الإسلام, وهذا دأبهم دائماٍ في كل زمان ومكان, لا يريدون لأمة الإسلام أن تتجمع وتتوحد, لأنهم يعلمون أن في توحد المسلمين قوة لهم ومنعة وعزة للإسلام والمسلمين.
ولذلك عمد اليهود في المدينة إلى تذكير المسلمين من الأوس والخزرج بما كان بينهم من حروب طاحنة وأخذوا ينشدون فيهم الأشعار التي تثير الحمية الجاهلية فيهم, ويذكرونهم بيوم بْعاث وهي أشهر حرب دارت بينهم حتى أوشكوا على أن يتقاتلوا ويشهروا السلاح في وجه بعضهم البعض, ونادى منادي الأوس يا للأوس, ونادى منادي الخزرج يا للخزرج, فأخبر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل إليهم مسرعاٍ وقال: “أفبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها مفتنة”, وأخذ يعظهم ويذكرهم بالإسلام وما صنع الإسلام فيهم من الوحدة والترابط والتآخي ونبذ العصبية القبلية التي كانت قبل الإسلام حتى خمدت نار الفتنة فيما بينهم, ورد الله كيد الكائدين وحمى وحدة المسلمين من التفكك والانقسام ونزل القرآن الكريم يذكر المسلمين بحالهم, وأنهم لا ينبغي لهم أن يستجيبوا لداعي العصبية والفرقة, قال تعالى : “يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاٍ من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم”, سورة آل عمران, (100 – 101).
نزلت هذه الآيات لتنبه المؤمنين إلى كيد اليهود الذين يريدون لوحدة المسلمين أن تتفكك ولرابطتهم أن تنفرط, حتى لا تقوم لهم قائمة وحتى تموت الوحدة الإسلامية في مهدها.
ثم نزل القرآن يذكر المسلمين بحالهم قبل الإسلام وما كانوا عليه من فرقة وشتات وما صاروا إليه بعد الإسلام من وحدة وترابط واعتصام بحبل الله المتين فقال تعالى (وِاعúتِصمْواú بحِبúل الله جِميعٍا وِلاِ تِفِرِقْواú وِاذúكْرْواú نعúمِةِ الله عِلِيúكْمú إذú كْنتْمú أِعúدِاء فِأِلِفِ بِيúنِ قْلْوبكْمú فِأِصúبِحúتْم بنعúمِته إخúوِانٍا وِكْنتْمú عِلِىِ شِفِا حْفúرِةُ منِ النِار فِأِنقِذِكْم منúهِا كِذِلكِ يْبِينْ اللهْ لِكْمú آيِاته لِعِلِكْمú تِهúتِدْونِ) سورة آل عمران أية رقم (103).
وهذه الآية تخاطب المسلمين جميعاٍ في كل مكان وزمان بأن يتحدوا ويتجمعوا حول منهج الله تعالى لا بد في تجمعهم قوة ومنعة ضد أعداء الإسلام الذين يحاولون بكل طاقاتهم وبكل ما أوتوا من قوة أن يفككوا أوصال الوحدة الإسلامية في أي مكان وزمان لأنهم يعلمون يقيناٍ أن في وحدة المسلمين قوة وفي ترابطهم منعة وعزة للإسلام والمسلمين وهذا ما لا يريده أعداء الإسلام لنا.
ولذا ندعو جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن ينظروا إلى المصلحة العامة, مصلحة الأمة مصلحة الأوطان وأن يتناسوا كل الخلافات مهما كانت وفي أي مجال كانت من أجل الوحدة الإسلامية التي أرادها الله لنا, وأرادها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
نسأل الله تعالى أن يوحد بين صفوف المسلمين وأن يؤلف بين قلوب المؤمنين وأن يجعل الكلمة العليا لأمة سيد المرسلين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عضو بعثة الأزهر الشريف إلى اليمن السعيد

قد يعجبك ايضا