زيارة الرئيس ترامب إلى دول الخليج لم تكن سوى استعمار سافر، ونهب منظم لثروات المنطقة. لقد كانت تعاملاً مع “ولايات” تابعة، وليست دولاً ذات سيادة. المشهد الذي ظهر فيه حكام الخليج وأمراء الصحراء وهم يستقبلونه بحفاوة بالغة، ويغدقون عليه بالترليونات، لم يكن سوى مشهد استسلام وخضوع.
المقارنة التاريخية مع تعامل المغول مع الدول الخاضعة لهم ليست مجرد تشبيه، بل هي حقيقة واقعة. فالمغول، الذين عرفوا بصرامتهم وقوتهم، كانوا يفرضون ضرائب باهظة على المناطق التي احتلوها، تماماً كما فعل الرئيس ترامب عندما استلم “الضرائب والخراج” من دول الخليج. هذه الزيارة لم تكن لقاء بين دول ذات سيادة، بل كانت زيارة “مستعمر” إلى “مستعمراته”.
قرارات دول الخليج تتماشى بشكل كامل مع السياسة الأمريكية، وهذا دليل قاطع على فقدانها للسيادة. لا يمكن لدول ذات سيادة حقيقية أن تتبع سياسة خارجية تابعة لدولة أخرى. التحدي الذي أطرحه هو: لا يمكن لأي من هذه الدول أن تتجرأ على الخروج عن السياسة الأمريكية في أي من قراراتها.
حكام الخليج وأمراء الرملة والصحراء لم يغدقوا على الرئيس ترامب بالترليونات احتراماً له، بل خوفاً منه. لقد اشتروا الحماية بالذهب، وباعوا كرامة شعوبهم بالرخيص. دول الخليج ليست سوى “ولايات” تابعة للولايات المتحدة، وزيارة الرئيس ترامب كانت بمثابة استعراض للقوة، وتأكيد على تبعية هذه الدول.
هذا التحليل يكشف حقيقة العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين. نحن أمام شكل جديد من الاستعمار، حيث تستخدم القوى الكبرى نفوذها الاقتصادي والعسكري للسيطرة على الدول الأخرى. ما حدث في الخليج لم يكن تحالفاً استراتيجياً بين دول ذات مصالح مشتركة، بل كان استعماراً سافراً ونهباً للثروات.
زيارة الرئيس ترامب للخليج كانت وصمة عار في جبين حكام الخليج، ودليلاً قاطعاً على فقدانهم للسيادة. ولكن، ماذا استفادت الأمة العربية والإسلامية من هذه الزيارة؟ وماذا جنت القضية الفلسطينية من هذا اللقاء؟ هل تحققت أي مكاسب استراتيجية للعرب والمسلمين؟ أم أن المستفيد الوحيد كان أمريكا وإسرائيل؟
الواقع يؤكد أن أمريكا حصلت على عقود تسليح بمليارات الدولارات، ووظفت جزءاً كبيراً من أموال النفط الخليجي في اقتصادها. بينما حصلت إسرائيل على دعم غير مسبوق، وتأييد لسياساتها التوسعية في المنطقة. هل كانت هذه الزيارة تهدف إلى تعزيز الأمن القومي العربي؟ أم أنها كانت تهدف إلى تأمين مصالح أمريكا وإسرائيل على حساب العرب والمسلمين؟
أين ذهبت مليارات الدولارات التي أنفقت على هذه الزيارة؟ هل ساهمت في دعم القضية الفلسطينية؟ هل ساهمت في حل مشاكل الأمة العربية والإسلامية؟ أم أنها ذهبت إلى جيوب الشركات الأمريكية والإسرائيلية؟
هل كانت هذه الزيارة بداية لعهد جديد من التعاون العربي الأمريكي، أم أنها كانت بداية لعهد جديد من التبعية والاستسلام؟ هل كانت هذه الزيارة تهدف إلى توحيد الأمة العربية والإسلامية، أم أنها كانت تهدف إلى تفتيتها وتشتيتها؟
هل كانت هذه الزيارة تهدف إلى تحقيق السلام في المنطقة، أم أنها كانت تهدف إلى تأجيج الصراعات والحروب؟ هل كانت هذه الزيارة تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية، أم أنها كانت تهدف إلى تصفيتها؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات قليلة. ولكن، الشيء الوحيد الذي يمكن تأكيده هو أن زيارة الرئيس ترامب للخليج كانت كارثة على الأمة العربية والإسلامية، وكانت نصراً لأمريكا وإسرائيل.