منذ البدء كان التاريخ يرتب الصفحات كما ينبغي! وبالتأكيد! لقد كان- قبل عقدين- يتأهب لكتابة حكايةٍ خالدة!
عشرون عامًا إلى الوراء:
تفتح التلفزيون، أخبار التاسعة، وعلى تلفزيون يزيد الأمس القريب تشاهد رأس الحُسين!
مئات السنين إلى الوراء:
تفتح كتب التاريخ، أخبار كربلاء، وعلى بلاط يزيد الأمس البعيد تشاهد رأس الحُسين
بهذا التكثيف يمكنك اختزال القصة، وفيما تُطوى السّنين طيّ السّجل فتبقى الرّاية واحدة!
إنّه الشعار من ذات المشكاة،
وإنها القضيّة ذاتها!
وبين يزيد كربلاء ويزيد كلّ كربلاء.. تبقى العلاقة أكيدة! تمامًا كما أنها بين حسينٍ والحسين إذ يجتمعان أبًا وشهادة، قضيةً وشعاراً، دمًا تتشربه الأرض من صعدة حتى كريلاء، ومن صدر الألفية الثانية للميلاد بسنواتٍ معدودات، حتى صدر السنة الحادية والستين للهجرة بأيّامٍ معدودات!
وإذا أردت قراءة التاريخ على نحوٍ جيّد فاحذف بعد كربلاء كلّ السّنوات الصّفرية، وقل، إن شئت: إنها الراية ذاتها إذ تنتقل من الحسين الأوّل إلى حسين كل عصر، ليبقى نهج المقاومة عبر التاريخ بإذن الله حُسينيّا!
لن أتحدّث بعد ذلك عن الحروب السّت، ليس لأنها لا تستحقّ أن تروى، ولكن لأنها أكبر وأعظم وأشرف وأعلى من أن تحتويها حروفٌ معدودات!
ولو شئت لقلت لك أنّ كلّ شهيدٍ فيها بحدّ ذاته حكاية، كلّ رجلٍ جبل، ومن مرّان فقد بدأت حكايةٌ غاية الإدهاش!
حكايةٌ لا يمكنك تصديقها لولا أنك عايشت فصولها، تصفّحت سنينها كشاهدٍ عيانٍ، أو عاصرت أحداثها كمتابعٍ من بعيد!
ثمّ.. وعبر مرّان، تسلّل نسيمٌ إلى القلوب الظامئات فاستحالت بعد كينونتها جبالًا! وعلى وجه التحديد فلا يمكنك إمساك اللحظة.. إذ يتضاعف العشرات من فتيتها إلى مئاتٍ، والمئات إلى آلاف!
بضع سنينٍ، ليس إلا، وتحشّدت الميادين جبالًا! جبلًا إلى جوار جبل!
لا خلف الجبل القائد وإنما معه!
وفي هذه الحكاية- منذ البدء- فقد سقطت من القاموس كلمة “خلف”، إذ لا أحد في هذه المحكيّة يتخلّف عن السّيّد الجبل!
على الضفّة الأخرى ستشاهد الأعداء:
أصغر من الحكاية وأحقر منها، وفيما تمرّ السنوات مرّ السحاب، فإن جبال اليمن لا تفتأ تدوس في طريقها إلى اليوم كل فأرٍ صغير، وكل محكيّةٍ حقيرة، كلّ فاقد شرفٍ أو صفريّ كرامة!
وللاختزال فقد ذهب المشرشفون إلى تحالف الموبوئين، فيما ذهب التحالف إلى حاوية زبل التاريخ، وتحلّل مع الوقت على هامش الحكاية!
هكذا، وعلى هذا النّحو، يُسقط التاريخ كلّ الصّفريين من حكاياته، ليسردها فيما بعد من كرامةٍ إلى كرامة، ومن جبلٍ إلى جبل!
فيما هي هادرةٌ لم تزل، هذه المسيرة! وبعد سنواتٍ صحراء صفريّة المآثر، فقد امتلأت شوارعنا وحكاياتنا بآلاف الجبال! وملايين المحكيّات والمفاخر!
لقد استحالت هذه الأرض خضراء كما يليق، وتجلى كيف كانت مواسم الجدب فيها، محض نَحِساتٍ عابرة، لا يأبه بها سطرٌ ولا تلتفت إليها ذاكرة!
فانظر لو شئت إلى هذه القائمة،
وإلى الأسماء ويالفخرنا إذ تكاد لطولها ألا تنتهي!
ومن العزي والملصي والقوبري، زيد علي مصلح وأخيه، المؤيد والصّماد.. فإنها مسيرة الجبال بعد شهيدها الحسين تضمّ إلى ما شاء الله من فوارسها الحسينيين على النهج، وعلى امتدادكِ الرّحب يا مجرّة!
والحمد لله!
إنّها، ويا للاختزال المخل! حكايةٌ بدايتها “فتيةٌ آمنوا”، لكنهم لم يمكثوا في الكهف “ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعا”! لقد قامت الأمّة عنهم بمهمّة النوم، فيما قاموا عنها بمهمة المحو وإعادة الكتابة!
ومن القائد الشهيد فقد انتقلت الراية إلى أخيه السيد القائد، بالحسينية ذاتها وبالبهاء ذاته، ومع الوقت فقد قام الشعار بمهمّة تصديق مضامينه، وتبدّى كيف أن الرؤية ما دام مصدرها القرآن، فلا تكذب!
ولا تزداد مع السنوات إلا بريقًا،
إذ تتجلى للعابرين على بسيطتنا مصاديقها!
وفي ذكرى الشهيد السنوية فإنّ العهد لم يزل، والقلوب ما زادها الإحراق بفضل الله إلّا طيبا، وتجلى كيف أن قلوب الفتية بتوفيق مولاها مُخلَصة، ذهبًا لا يتغيّر بالعابرات لونه!
ترتفع التهديدات فتزداد لقائدها المحبة، وتقعد عن موجباتها أمّة، فتستحيل اليمن بذاتها أمّة! وتخرج الملايين مع سماحة قائد المحكيّة، فيما هو القريب إليك كما هو:
لا يهددك بعصا ولا يُغريك بجزرة!
لكنه سيدخل إلى قلبك بهدوء، يتحدّث إليك بسكينة، تشعر أن قلبك يتحدّث معك، ضميرك الصّفو وإيمانك النّقي! تعرف أنه سيفديك بروحه لو استلزم الأمر، وأنك ستفديه بروحك لو اقتضت الحكاية!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.
يبقى لنا حديث.