المقدسيون.. شرف الانتماء وضريبة الرباط

 

الثورة / وكالات

في غمرة الكفاح الذي يخوضه الشعب الفلسطيني رفضاً للاحتلال، وطلباً للحرية، ودفاعاً عن المقدسات، تتواجد ثلّة من هذا الشعب في بيت المقدس، لتحوط المسجد الأقصى بأجسادها، وتنال شرف الرباط فيه، وتدفع ثمن هذا الشرف غالياً.
وقد عمل الاحتلال على فصل القدس عن باقي أجزاء الضفة الغربية، عندما قرر في العام 1980م ضمّ القدس الشرقية باعتبارها عاصمة للكيان الإسرائيلي. وفي أعقاب ذلك، صعّدت سلطات الاحتلال من إجراءاتها ضد المقدسيين بهدف تهجيرهم، وإحلال الصهاينة القادمين من شتى بقاع العالم مكانهم.
وتنوّعت وسائل استهداف المقدسيين لتشمل الإبعاد، وهدم والبيوت، ومنع تصاريح البناء، ولم يسلم أهل القدس من بطش الاحتلال الذي لا يتوانى عن قمعهم واعتقالهم وإطلاق النار عليهم، إذا ما بدرت منهم مظاهر الاحتجاج.
وبحسب لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، يوجد أكثر من 550 أسيراً مقدسياً في سجون الاحتلال، بينهم 5 نساء، و45 طفلاً قاصراً، و52 معتقلا إدارياً، فضلاً عن المعتقلين في مراكز التوقيف كمعتقل “المسكوبية” في القدس.
إصابة وإقامة جبرية واعتقال
ثائر بكيرات، شاب مقدسي جريح، من بلدة صور باهر في القدس المحتلة، يختزل معاناة أبناء جيله في تجربته مع الاحتلال، حيث أصيب في شهر مايو من العام الماضي 2023م، في موجهات وقعت في البلدة، لتبدأ بعدها رحلته مع المعاناة.
يستذكر ثائر ذلك اليوم، مبيّناً أنّ الجنود الصهاينة أطلقوا عليه النار وأصابوه بأربع رصاصات، توزّعت بين صدره ورجله ويده، لينقلوه بعدها إلى مستشفى هداسا عين كارم، وصولاً إلى سجن الرملة.
ويضيف الشاب المقدسي أنه مكث في السجن شهراً، قبل أن يفرج عنه ليخضع للإقامة الجبرية في المنزل عاماً كاملاً، مع سوار إلكتروني يوضع حول قدمه ليظل تحت مراقبة الاحتلال.
وقبل أسبوعين، عقدت له جلسة محكمة، ليحكم عليه القاضي بالسجن 4 سنوات ونصف، إضافة إلى غرامة مالية مقدارها 36 ألف شيكل.
يقول الشاب الجريح: لقد كنت أتوقع حكماً مخفّفاً، سنة أو سنتين، لكنّي تفاجأت بهذا الحكم القاسي. ثم يستدرك قائلاً: “هذه ضريبة كل مقدسي شريف حرّ في هذا البلد”.
ولم تتوقف معاناته عند هذا الحدّ، فلا زال يعاني آلاماً مستمرة، تسببها قطعة من البلاتين وضعت في رجله أثناء العملية الجراحية، كما إنّه لا يستطيع استخدام يده اليمنى بسبب الكسور التي فيها.
ويختم الشاب “الثائر” وصفه لمعاناته بالقول: “هناك رصاصة مستقرة في رئتي، قرب القلب، تسبب لي الاختناق أحياناً، خصوصاً أثناء النوم”، وكأنّه يصف حال الاحتلال الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني.
سياسة الإبعاد
استخدمت سلطات الاحتلال سياسة الإبعاد ضد المقدسيين لمنعهم من الوصول إلى المسجد الأقصى، خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك، عبر تسليمهم قرارات إبعاد عن الحرم القدسي الشريف.
وقد طالت تلك السياسة العاملين بالمسجد الأقصى ورواده من المصلين، بل وصلت إلى منع بعض المقدسيين من الدخول إلى البلدة القديمة من القدس.
وأظهرت أرقام نشرها مركز معلومات وادي حلوة المدى الذي بلغه الاحتلال في فرض سياسة الإبعاد، ففي عام 2023م بلغت قرارات الإبعاد بالقدس والبلدة القديمة 1105 قرارات.
وهذا العدد هو ضعف عدد قرارات الإبعاد الصادرة في العام 2022م، وهو ما يشير إلى تصاعد كبير في تطبيق هذه السياسة التي تهدف إلى إبعاد أكبر قدر من المقدسيين عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
ويصف المبعدون قرارات الاحتلال بأنها إجراءات تعسفية، لا تسندها تُهم معينة، وهو ما أشار له الصحفي المقدسي، أحمد الصفدي، الذي أوضح أنّه مبعد منذ سنتين تعسفياً، ويحرم من دخول المسجد الأقصى، خاصة خلال الحرب على قطاع غزة.
ونفس الوضع تعانيه المقدسية المرابطة المبعدة، هنادي حلواني، التي قالت إنها تتلقى قرارات إبعاد مدتها 6 أشهر متواصلة.
وبحسب فراس الجبريني، وهو محامي مركز معلومات حلوة الحقوقي، فإن سلطات الاحتلال لديها قوائم سرية بأسماء المبعدين، تستند فيها إلى مزاعم تعسفية، حيث يتمّ إبعادهم دون تحقيق أو محاكمة، مؤكداً أنّ الاحتلال يستخدم وسائل تكنولوجية حديثة في التعرف على الأشخاص المنوي إبعادهم.
وفي الآونة الأخيرة، تطورت سياسة الإبعاد، التي كانت تتعلق بالمسجد الأقصى، لتشمل الطرق والأبواب المؤدية إليه، ثم البلدة القديمة، ثم الشوارع المؤدية إليها، ثم تطورت لتشمل الإبعاد عن مدينة القدس بشكل كامل.
هدم البيوت
كثفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة انتهاكاتها منذ مطلع العام الجاري، لتكبّد المقدسيين معاناة إضافية. فخلال الشهرين الماضيين، زادت عمليات هدم منازل المقدسيين لتصل إلى نحو 45 مبنى ومنشأة اقتصادية وفق معطيات مركز معلومات وادي حلوة في سلوان.
وفي بداية هذا الشهر، نفذت بلدية الاحتلال حملة هدم واسعة في بلدة حزما شمال شرقي القدس، طالت مبنى من طوابق عدة ومنشآت اقتصادية لصالح شوارع استيطانية. وسبق ذلك عملية هدم لمبنى من ثمانية طوابق في بلدة بيت حنينا شمال القدس يملكه المواطن فريد أبو زهرية، بحجة عدم الترخيص.
وتشير معطيات وحدة الإعلام والتوثيق في محافظة القدس إلى أنه منذ بدء العدوان على غزة في السابع من أكتوبر الماضي، جرى تنفيذ 88 عملية هدم.
وقد استحدثت بلدية الاحتلال سياسة تهدف إلى إلحاق الأذى النفسي بأصحاب البيوت التي تقرّر هدمها، وهي إرغام أصحاب المنازل على هدمها بأيديهم تحت طائلة الغرامة المالية العالية، وإرغامهم على دفع رسوم الهدم التي تتراوح ما بين (20 إلى 30 ألف دولار)، فضلاً عن إرغامهم على إزالة أنقاض بيوتهم بعيداً عن مواقع الهدم.
ويشير مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، إلى أنّ عدد المنازل التي هدمت خلال العام الماضي وصل إلى أكثر من 140 منزلاً ومنشأة، هدم الجزء الأكبر منها خلال الشهرين الماضيين من العام الماضي، أي بنسبة ارتفاع في عمليات الهدم تزيد عن 60%.
وبحسب المعطيات الحقوقية، فإن سلطات الاحتلال كانت قد أخطرت حتى نهاية العام الماضي بهدم نحو 200 منشأة ومبنى بشكل كلي أو جزئي، يقع معظمها في البلدة القديمة من المدينة المقدسة.
وفي مقابل تكثيف عمليات الهدم للمقدسيين وتسريعها، سرعت الحكومة الإسرائيلية من بناء المستوطنات في أنحاء القدس الشرقية، إذ تمت الموافقة على أكثر من 20 مشروعاً استيطانياً منذ بدء الحرب على غزة.
وفي هذا السياق، يشير الباحث المتخصص في شؤون الاستيطان خليل تفكجي، إلى أنّ الاحتلال يستغل انشغال العالم بالحرب على غزة لتكثيف الاستيطان في القدس، موضحاً أنّ الحديث يدور عن بناء آلاف الوحدات في مختلف أنحاء القدس المحتلة.
وبحسب تفكجي، فإنّ الاحتلال يسعى إلى تحقيق هدفين، الأول الحد من التوسع العمراني الفلسطيني في الأحياء والبلدات المتاخمة للمستوطنات، والثاني مضاعفة أعداد المستوطنين في المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في القدس المحتلة.
وبرغم كل إجراءات الاحتلال ضد أبناء القدس، فإنّهم يظهرون عزمهم على التمسك بحقّهم، والصمود في أرضهم، واستعدادهم للدفاع عن أقصاهم ومقدساتهم مهما كانت التضحيات.

قد يعجبك ايضا