“إن من أعظم نكبات الأمة أن تفقد عظماءها” تتردد أصداء هذه الكلمات فينا كلما لاح بريق اسمك الوضاح الآفاق سيدي، ترسو بنا على قارعة الرحيل الأشد مرارة والأنكأ وجعا، ورغم هذا إلا إنكَ الحي في وجداننا أبدًا، الحاضر المتجذر في أرواح أنصارك، يامن رسمت بفيض علمك للأمة رؤيتها الصحيحة محاولا إعادتها إلى مسارها الحقيقي وطريق هدايتها، ويامن على يديه تتلمذت قوافل من طلبة العلم، جُدت بما تعلم على ثلة من الرجال والصبيان واثقاً بأنهم سيحملون هم تلك الرؤية من صغيرهم حتى كبيرهم في موقفٍ يتجلى اليوم عظمته وأحقيته؛ تستفيق قوى الظلام وأياديها الغادرة على خوف ؛ لتبادر بكل عنف كي تمحوك وتمحو ذكرك وبفعلهم وبكل بطشهم وبجبروتهم ذاك خطوا حضورك؛ فأصبحت أكثر حضورا فينا من قبل، وهذه الحقيقة التي اليوم يتجرعون مرارتها، ولن نستطيع أن نخفي ذلك ففقدك آلمنا وأحرقنا كحرقتك وألمك على الحسين يوم كربلاء: هي نكبة أمتنا حين فقدناك والتي كانت تتويجا لما سبقها من النكبات، نكبة بقدر ما آلمت بقدر ما أشعلت، وبقدر ما أفجعت بقدر ما أجْلت من الغشاوة عن البصائر، نكبة أشارت ببنانتها إلى الباطل لتُعريه واستمرت بالإشارة حتى تعرى أمام الجميع فكشفت حقيقته فأصبحنا نعي ونعي أكثر مع تكشُف الأحداث واستجلاء خبرها مسبقا من وحيك وصدق قولك يا حليف القرآن ..
كان مشروعك ثورة وفقدك ثورة أخرى وامتدادا أوسع لجهاد مقدس، فكنت القائد الشهيد الذي بدمائه صنع حاضر ومستقبل الأمة، وها نحن اليوم نعيش أحداث ذكرتها وحاضر صنعته بدمائك الطاهرة، ومستقبلا نتجه إليه ضمن مشروع قرآني وجهتنا إليه .
سيدي في بضعِ كلمات اقتبسناها من محيط علمك العذب ووافر حكمتك وينبوع معارفك “إن الإنسان سيصبح قوياً متى ما وثق بالله وارتبط بالقرآن وحقق مسؤوليته الملقاة عليه ولم يرتاب ولم يخف دون الله فقد سبق ذلك ثقته بالله ” و” إن الإنسان سيصبح عظيماً متى ما ارتبط بالقرآن” ثم أثبت لنا فرأينا عظمتك تتجلى قرآنا يمشي ولا يقال ، فقلت وعملت وتحركت حتى أحس الأعداء الأرض تهتز تحت أقدامهم على بعد أميال قبل أن نعي نحن قولك !
سيدي الشهيد الحي: أخبرتنا دون خوف أن أعداءنا على ملة الكفر هم قشة وليست عصا غليظة ظلها أكبر من حجمها وهيمنتها سراب؛ إنما تتباها بها على آئمة النفاق لتخيفهم وتجعل منهم أدوات رخيصة لها ! ولقد تشّبع من قولك السديد شعب بأكمله، ليعود إلى نهجه ويتمسك بهويته الإيمانية وقضيته المركزية، فأصبح شعبا عظيما بمنهجه وقائده وموقفه، واليوم سيدي إن القلة التي حاضرتها وراهنت على وعيها أصبحت أمة تضرب بموقفها الحر أذان العالم الأصم؛ لتعلمه معنى الحرية والإنسانية وأهمية الدفاع عن كرامة المسلمين وكرامة الإنسان، شعبٌ عَبّر عن مقدار وزن قوى الطاغوت التي يسترهبها الجميع وتخافها الشعوب ..
فقدناك عظيماً لكن بعظمتك بنيت عظمة شعب تسترهبه الآن أعتى قوى العالم ظلما وجبروتا، فأصبح العالم ينظر إلى ماهية مشروعك القرآني الذي أحيا شعبا موات ووصل به إلى أوجع الكرامة والعزة بإجلال واحترام ، وبعد أن أوهم الأعداء أنفسهم أنهم قضوا عليك وعلى مشروعك القرآني ! يتفاجأون ليروا أنهم بدمائك أحيوا أمة عظيمة بعظمتك، أمة عصية عليهم يقف لها الأحرار احتراما ويتبنى موقفها الشرفاء ويستهوي اللحاق بها إنسانيو العالم ..
فقدناك سيدي جسدا لا غير، وها هو مشروعك القرآني تتردد أصداؤه في زويا العالم وأتباعك يحاضرون فعلا كما علمتهم ويترجمون أقوالهم على أرض الواقع وفي عمق العدو، باقٍ أنت فينا ما بقى القرآن ياحليف القرآن وأنت القدوة فريضة وسنة والقائد والشهيد الحي في فينا، فالويل لهم من دمائك التي حملناها في عروقنا، وبصيرتك التي استوطنت أرواحنا، ورؤيتك التي تجذرت في عقولنا والسلام للعالم موصولة من رحمتك التي أودعها الله في قلوبنا فالسلام عليك يوم خُلقت ويوم استشهدت ويوم أنعم الله بك علينا ويوم تُبعث حيا ..