الأحد 22 أكتوبر2023 عقدت أمس بالعاصمة المصرية القاهرة، قمة جمعت 18 دولة حضرها عدد من الزعماء العرب وبعض من زعماء دول العالم، ووزراء خارجية بعض الدول الأوربية، بدعوة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أسميت بـ“قمة السلام” لكن للأسف هذا القمة لم تكن سلاما على الشعب الفلسطيني أو سكان قطاع غزة المحاصر، ولم تفشل في إيقاف العدوان الإسرائيلي الصهيوني على قطاع غزة المحاصر فحسب بل فشلت أيضا حتى في إصدار بيان ختامي، وذلك بسبب الخلافات بين أعضائها.
افتتح هذا القمة مستضيفها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بكلمة أكد فيها لأكثر من مرة رفض مصر تهجير الأشقاء الفلسطينيين من وطنهم إلى صحراء سينا،، وكأن هذا الأمر هو الشغل الشاغل له، حسب مراقبين لكن التهجير إلى أي مكان آخر ممكن وليس لديه مشكلة في ذلك ، خاصة انه سبق وقال أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع المستشار الألماني ،لماذا لا يتم تهجيرهم إلى صحراء النقب، ومع أن النقب أساسا هي ارض فلسطينية لكن لماذا التهجير من الأساس، وكان من المفترض منه أن يعلن انه ضد التهجير كمنطق ، سواء كان إلى سيناء أو غير سيناء، فهؤلاء مواطنون فلسطينيون وليس لهم جنسية بلد آخر كالإسرائيليين ممكن يذهبون إليه، الإسرائيلي جاء من أصقاع العالم ويستطيع أن يذهب إلى بلده الأصلي.
كلمة الرئيس المصري السيسي لم ترتق إلى مستوى بيان الأزهر الذي أكد أن العربية لديها الكثير من المقومات والأموال والأسلحة والعتاد والعدة، فلماذا لا يتم تسخير كل ذلك لتحرير فلسطين المحتلة.
لكن كلمة الرئيس السيسي أعطت انطباع لكل المتابعين أن الغرض الأساسي من عقد هذه القمة هو لإيصال تأكيد مصر للمجتمع الدولي رفضها القاطع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، لكن التهجير إلى أي مكان آخر ليس هناك أي مشكلة لدى القيادة المصرية.
وكان يفترض من الرئيس السيسي أن يستغل الضغط الشعبي المصري لصالحه للضغط على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة وعلى الغرب عموما في نصرة القضية الفلسطينية وإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة.
واختتم الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمته بالتأكيد أنّ “حل القضية الفلسطينية يكون عبر العدل لا بإزاحة شعب بكامله لمصر”.
من كلام الرئيس المصري في الكلمة، ودعوته لدول مناصرة لإسرائيل يتأكد للجميع أنه لم يكن الهدف من عقد هذه القمة الخروج ببيان لإدانة إسرائيل على ارتكابها لجرائم الإبادة الجماعية لحق المدنيين في قطاع غزة وإيقاف هذا العدوان، بل أن هذه القمة لم تخرج أساسا بأي بيان لا مع ولا ضد وإنما عبارة عن إلقاء كلمات عن ممثلي الدول الحاضرة بعضها يرفض تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من موطنهم، وبعضهم مؤيد لإسرائيل معتبرا أن عدوانها على قطاع غزة هو عبارة عن الدفاع عن النفس.
وإلا ما كان ليستدعي الرئيس السيسي الدول الأوربية المتعاطفة مع إسرائيل كألمانيا وغيرها، بل واستدعى إسرائيل نفسها دون أن يقدم دعوة للطرف الآخر وهو حماس ليسمع من إسرائيل وأيضا من حماس.
الأمر الذي أفشل القمة حسب متابعين قبل بدايتها، فها هو أمير قطر تميم بن حمد يغادر القمة احتجاجا على الكلمات التي تصف الفلسطينيين بالإرهابيين، غادر حتى قبل أن يلقي كلمته حتى ولم ينتظر ليودعه الرئيس السيسي، وذلك عندما تحدت وزيرة خارجية ألمانيا التي حضرت القمة في كلمتها قائلة: إسرائيل تعرضت لهجوم صعب في 7 أكتوبر.. ويجب عليها حماية نفسها وفق القانون الدولي.. وبالنسبة لألمانيا أمن إسرائيل أمر غير قابل للتفاوض» هكذا قالت، وأضافت: نحن نتحدث بلغة القانون الدولي، ونسعى إلى السلام وأدعو الجميع إلى الوقوف ضد هذا الإرهاب وان يتم التمييز بين الإرهاب والسكان المدنيين الأبرياء، بمعنى أن حركة المقاومة هي إرهاب ـ أما جيش الكيان الصهيوني الذي جاء من أصقاع العالم ليحتل أرضا عربية فهو يدافع عن نفسه.
تغيبت كل من الجزائر وتونس عن “قمة القاهرة” لرفضهما مشاركة “إسرائيل” فيها، خاصة في ظل استمرار العدوان الصهيوني الهمجي والوحشي على قطاع غزة، لذلك تحفظت الجزائر على المشاركة في “قمة مصر للسلام”.
حيث تلقى الرئيس عبد المجيد تبون دعوةً من نظيره المصري، للمشاركة في القمة، لبحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية وعملية السلام، إلا أنّ الجزائر وفق الإعلام الجزائري المحلي، قررت عدم المشاركة في هذا الاجتماع، لأنها “لا تشارك في اجتماعات يكون كيان الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني طرفاً فيها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، ما يساهم في فهم خلفيات هذا القرار”، هكذا قالت الخارجية الجزائرية. كذلك، شاطرت تونس موقف الجزائر، وقررت وفق ما نقله موقع إذاعة “موزاييك” التونسية، عدم المشاركة في القمة أيضاً.
بدوره، قال الملك الأردني عبد الله الثاني في كلمته، إنّ “حملة القصف العنيف ضد غزة مرفوضة”، وهي “عقاب جماعي لسكان لا حول لهم ولا قوة وهي جريمة حرب”. وشدد على أنّ “ما حدث في غزة غير مسبوق ويرقى إلى العقاب الجماعي”. ولم يتحدث عن حملة إبادة جماعية.
لكنه لم يتطرق على فعل جانب عملي يستطيع فعله خاصة وان الشعب الأردني يطالبه بذلك، ألا وهو طرد السفير الإسرائيلي من بلاده، كأقل واجب يمكن تقديمه نصرة للقضية الفلسطينية، وكاحتجاج عملي على حملة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق سكان غزة كما تحدث هو.
وخاطب الملك عبدالله الثاني قادة “إسرائيل” بأنّ عليهم أن يدركوا أنّ “الحلول العسكرية لن تجدي” وأنّ “سياسة التطرف ستجلب المزيد من التطرف والعنف”.
وفيما دان الملك الأردني “أعمال العنف التي تستهدف المدنيين في الضفة وغزة”، دان أيضاً ما أسماه أعمال العنف في “إسرائيل” في مساواة بين المحتل وبين من يدافع عن نفسه وأرضه.
كما رأى العاهل الأردني، أنّ “سياسة القيادة الإسرائيلية المتشددة بنيت على الأمن بدلاً من السلام، وجعلت حل الدولتين مستحيلاً”.
وشدد على أنّ “حياة الفلسطينيين لا تقل قيمة عن حياة الإسرائيليين”، وأنّ “تهجير سكان غزة يعد جريمة حرب ويشكل خطاً أحمر بالنسبة لنا”.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم توقظه صواريخ وقنابل الطائرات الإسرائيلية التي ترميها على قطاع غزة المحاصر، ترميها فوق المستشفيات والمدارس والمنازل والمساجد، لكن استيقظ وشعر بالنشاط عندما اتصل به الرئيس السيسي لدعوته لحضور قمة القاهرة .
لذلك ألقى بدوره كلمة أكد فيها انه الرئيس الشرعي للسلطة الفلسطينية وللفلسطينيين وكأنه في انتخابات رئاسية مع ممثلي حماس أو الجهاد، متناسيا أن شعبه يقصف ليل نهار بمختلف الصواريخ والقنابل المحرمة دوليا، من عدو لا يعرف الأخلاق ولا القيم والمبادئ الإنسانية.
وقال “لن نقبل بالتهجير وسنبقى على أرضنا رغم التحديات”، وأكّد الرئيس الفلسطيني أنّ “الأمن والسلام يتحققان بحل الدولتين مع القدس الشرقية عاصمة لفلسطين”. أما القدس الغربية فليس لديه مانع أن تكون عاصمة لإسرائيل.
أما ولي عهد الكويت، مشعل الأحمد الجابر الصباح، فقد رفض من جانبه تهجير سكان غزة من أرضهم، ودعا المجتمع الدولي لـ”إيقاف العمليات العسكرية، وضمان وصول المساعدات إلى غزة”.
مع انه كان الحري به دعوة الجامعة العربية التي لم تنعقد قمتها رغم كل ما حدث بسكان غزة، كان حري به دعوتها إلى اتخاذ موقف حازم تجاه العدو الإسرائيلي للانصياع للقرارات الدولية سلما أو حربا.
أما بالنسبة للعراق فكانت كلمة رئيسها محمد شياع السوداني هي الكلمة التي ربما تمثل الشعب العربي المقدر بحوالي 400 مليون نسمة، حيث ألقى كلمة قوية قال فيها إن “لا سبيل لتحقيق الأمن إلا بزوال الاحتلال وسياسة التمييز العنصري”. ورأى السوداني أنّ “الصراع قد يمتد ليهدد إمدادات الطاقة عبر العالم”. لم يتحدث أحد من الزعماء عن زوال الاحتلال سوى رئيس الوزراء العراقي، حتى الرئيس الفلسطيني للأسف لم يتجرأ للحديث زوال الاحتلال لإنهاء هذا الإشكالية المستمرة منذ 75عاماً.
كما شدد محمد شياع السوداني على أنّ “القضية الفلسطينية ما كانت لتصل إلى هذه الأوضاع المأساوية لو جرى احترام القرارات الدولية”.
وأكّد رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني أن “لا مكان للفلسطينيين إلا في أرضهم”، و”نرفض العودة لسياسة التهجير القسري”. واعتبر أنّ “ما يحدث في غزة جريمة حرب”، وأنّ “العراق يرفض تهجير أهل غزة”، داعياً إلى “ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار ورفع الحصار بشكل كامل”.
وأعرب رئيس الوزراء العراقي عن رفض بلاده لمحاولات “تصفية القضية الفلسطينية”، مشيراً إلى أنه “لا يحق لأحد أن يتضرّع نيابة عن الشعب الفلسطيني فهو صاحب الحق في تقرير مصيره”.
خاصة أن «الشعب الفلسطيني يتعرض إلى عملية إبادة جماعية باستهداف المدنيين في المجمعات السكنية والكنائس والمستشفيات، وأن مجزرة مستشفى المعمداني أظهرت الوجه الحقيقي والقبيح للاحتلال الصهيوني، ونواياه التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء».
وأضاف أن «ما حدث في غزة وما يزال يحدث هي جريمة حرب مكتملة الأركان، بدأت بقتل العزل وفرض حصار خانق على ما تبقى من الأحياء منهم، ومن الصعب أن نصور بالكلمات ما يحدث يوميا من أعمال فظيعة ومذابح، ودفن للأبرياء تحت أنقاض منازلهم على أرض نزوحهم الأول أيام نكبة عام 1948».
وتابع السوداني: «تشكل غزة اليوم امتحانا جديدا للنظام العالمي، الذي فشل مرات عدة في تطبيق ما ينادي به من قيم الإنسانية والعدل والحرية، وفلسطين شاهد حي على هذا الفشل، لذا حان الوقت لوضع حد لهذا الاحتلال البغيض، ووقف معاناة الشعب الفلسطيني، فالظلم لا ينتج سلاما مستداما، ولا سبيل لتحقيق الأمن وإنهاء العنف إلا بإزالة أسبابه، وفي مقدمتها الاحتلال وسياسات التمييز العنصري».
وأشار إلى أن «الكيان الصهيوني مستمر في خرق القوانين، بما فيها قوانين الحرب، وهذا سيؤثر في الأمن الدولي وامتداد الصراع إقليميا، ويهدد إمدادات الطاقة للأسواق العالمية، ويضاعف الأزمات الاقتصادية العالمية، ويفتح الباب على صراعات أعمق وأوسع».
كلمة قوية جدا لرئيس الوزراء العراقي، كان المتابعون ينتظرون أن هذه الكلمة سوف تشجع ممثل المملكة العربية السعودية وزير الخارجية فيصل بن فرحان، على إلقاء كلمة مماثلة، كالتلويح مثلا بخفض إنتاج النفط إذا لم يتوقف العدوان الإسرائيلي، وهذا أقل ما يمكن فعله للضغط على المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل للجنوح نحو السلام، غير أن ذلك لم يحث ولن يحدث.
فيصل بن فرحان أكد خلال كلمته رفض المملكة للانتهاكات الإنسانية أينما كانت، مطالباً المجتمع الدولي بضرورة “إلزام إسرائيل باحترام القانون الدولي”. وعبر عن رفض السعودية لسياسة التهجير للفلسطينيين”. وطالب وزير الخارجية السعودي المجتمع الدولي بـ”التحرك العاجل لإيجاد حل لهذه الأزمة”، مشيراً إلى أنّ “الأولوية القصوى هي الوقف الفوري للتصعيد العسكري في غزة”، وكما اشرنا باستطاعة المملكة إيقاف العدوان على غزة إذا لوح مجرد تلويح بتخفيض النفط فما بالنا و تم وقف الإنتاج مؤقتا.
الأمم المتحدة كانت حاضرة في قمة السلام بالقاهرة حيث طالب أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، في كلمته خلال القمة بـ ”إدخال المساعدات والغذاء والأدوية بشكل فوري إلى غزة”.
ودعا غوتيريش إلى “حماية المدنيين ووقف استهداف المستشفيات والمدارس”، مشدداً على أنه “يجب الالتزام باتفاقيات جنيف وتجنب استهداف المدنيين والمنازل والمستشفيات”. وتجنب الحديث عن جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق المدنيين من سكان القطاع.
أما وزير خارجية البرازيل فقال مالم يقله بعض الزعماء العرب، حيث أكد إن الاعتداء الإسرائيلي الغاشم ضد الفلسطينيين والتدمير غير المسبوق في القدس يعرقل حل الدولتين ويؤجج الصراع، وقال ننظر إلى إسرائيل باعتبارها قوة احتلال.
أما رئيس جنوب أفريقيا فقد طالب في كلمته دول العالم بوقف تقديم الأسلحة لـ ”إسرائيل”.
وقال: نحثّ كل الأطراف على وقف العنف”، معرباً عن تمنياته الخروج من هذه القمة بـ ”خارطة طريق تنهي هذه الأزمة”.
ودعا الأمم المتحدة إلى “بدء المفاوضات لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي”. كما أعرب عن رفض بلاده للتهجير القسري الذي يتعرض له سكان قطاع غزة.
أيضا كانت كلمة رئيس حكومة إسبانيا أقوى من كلمات بعض الزعماء العرب إذ قال إن قمة القاهرة للسلام يجب أن تكون خطوة أولى نحو حدث تاريخي في المنطقة وإزالة جذور الأزمة، وهذا هو المطلوب إيصاله ليفهمه الإسرائيلي وقبله الأمريكي أن لا أمن ولا أمان لإسرائيل إلا بالأمن للفلسطينيين.
من جهته قال العميد عبدالله بن عامر نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي بصنعاء في تدوينة له على منصة إكس: الشعوب لا تنتظر من النظام الرسمي العربي أي تحرك فعلي، لأنها تعرف أن من فشل وأخفق حتى في المهام الإنسانية البحتة كفتح معبر أو إدخال مساعدات سيكون أكثر عجزاً عن التحرك الفعلي، ولهذا كان خطاب الشعوب بالأمس واليوم موجهاً لمن يُتوقع منهم التحرك الجاد ولهم تاريخ مشرف في المواجهة والتصدي.
الجدير بالذكر أن الشعوب العربية وفرت غطاءً شعبيًا للحكام من أجل اتخاذ مواقف أكثر قوة وشجاعة للوقوف مع أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، لكننا للأسف لم نر أي موقف من الحكام العرب يرتقي إلى مستوى الغضب الشعبي العربي، في حين أعلن الغرب من أمريكا إلى أوروبا منذ اللحظة الأولى وقوفهم مع إسرائيل بشكل واضح، وقدموا الدعم بالمال والسلاح والمواقف المعلنة، وبشكل قبيح برغم كل جرائم الاحتلال الصهيوني. أما العرب، فلا يزالون يتسولون السماح بدخول المساعدات الإنسانية، حيث دخلت عشرون شاحنة فقط من الغذاء والدواء من أصل 7500 شاحنة يحتاجها القطاع خلال هذه الفترة.