لقد شرع الدين الإسلامي نظاماً اجتماعياً أساسه الفرد الذي يعد عنصراً أساسياً في كيان أكبر هو الأسرة المكونة من زوج وزوجة وأولاد.
لكن هذه الأسرة يمنياً تتبوتق بحكم العادات والتقاليد ضمن عائلة أكبر مكونة من الأب والأم الكبيرين وأولادهم وزوجاتهم وأولادهم، ما نتج عن ذلك ظاهرة البيوت الجهنمية التي يتفشى فيها الصراع الأسري وما ينتج عن ذلك من انعدام السلام والأمن والاستقرار الأسري وما ينعكس عن ذلك من وضع نفسي سيئ تتجلى مظاهره في أمراض جسدية حتما وفي مقدمتها ارتفاع ضغط الدم وداء السكري وأمراض القلب.
هذه الأسرة المتبوتقة ضمن كيان العائلة ينتج عنها عادات سلبية لها أضرار صحية ناتجة عن النوم الجماعي والغسل والشرب الجماعي مما يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية في أوساطها الناتجة عن تكاثر نواقل الأمراض في ظل التزاحم ورداءة التهوية.
كما ينتج عن ذلك عدم القدرة على تلبية احتياجات العائلة على توفير المياه خصوصا للغسل والاغتسال والوضوء مما يضطر أفرادها إلى التغوط في العراء (خارج منزل العائلة) مما يؤدي إلى تكاثر نواقل الأمراض من ذباب وبعوض وغيرها والتي تتسبب في تفشي الأمراض المنتقلة.
ونشير إلى أن عدم القدرة على تلبية احتياجات العائلة من المياه للاستخدامات المختلفة ينتج عنه عدم غسل الخضروات والفواكه والقات وما ينتج عن ذلك من تفش لأمراض المسالك البولية سواء على شكل التهابات أو آلام وحصى الكلى، أضف إلى ذلك عدم تنقية المياه لمختلف الأغراض، سواء للشرب أو الطبخ أو الاستحمام، وما ينتج عن ذلك من انتشار للأمراض المسهلة وفي مقدمتها جائحة كوليرا وحالات الإسهال العادية.
كما فسر علم الاجتماع الطبي انتشار أمراض الجهاز الهضمي في اليمن بالإكثار من تناول الدهون خصوصا السمن الذي يعتبره الريفيون وجبة دسمة ومفضلة، وكذا الاعتماد على الزيوت الدهنية ذات الأصل الحيواني لا النباتي من قبيل زيوت السمسم والذرة الشامية وعبّاد الشمس.
هذا إضافة إلى الإفراط في تناول الفلافل الحارة التي تعد مشهية وقاتلة للطفيليات العالقة في جدار المعدة في حدودها المقبولة دون إفراط ولا تفريط، وقاتلة للمعدة ذاتها حال الإفراط في تناولها.
ومن ضمن التفسيرات تناول الوجبات الحارة خصوصا في المناسبات ومطاعم السلتة والفحسة الواضحة للعيان.
كما قدم علم الاجتماع الطبي تفسيرات لأمراض الجهاز التنفسي والحمى والناتجة عن تقاليد وعادات اللبس خصوصا في البيئات الجبلية الداخلية المرتفعة الباردة في نطاق صعدة- عمران- صنعاء- ذمار، والذين لا يرتدون ملابس ثقيلة خلال فصل الشتاء أو قد يرتدون ملابس ثقيلة خلال فصل الصيف.
أما تفسيرات علم الاجتماع الطبي لآلام والتهابات المفاصل فعزاها إلى عادات اللبس من جهة، وانتشار الرطوبة في معظم البيوت الأرضية أو البدائية أو الحجرية أو الخرسانية من جهة أخرى.
كما فسر انتشار أمراض التهابات الدم والتشوهات الخلقية بزواج الأقارب الشائع في اليمن، أضف فيما يتعلق بالتشوهات الخلقية إلى عدم التخلص الآمن للنفايات الطبية الخطرة السائلة خصوصا والصلبة عموما والتي تساهم أيضا في انتشار النواقل وبالتالي الأمراض المعدية.
كما فسر مرض العنصرية كمرض اجتماعي بضعف الوازع الديني وتفشي الجهل وسوء برامج التربية الرسمية وغير الرسمية وضعف المنظومة القيمية.
أما الأمراض السلوكية من قبيل إدمان الأطفال والشباب للقات والسجائر والمخدرات ففسرها علم الاجتماع الطبي بضعف الرقابة الوالدية والصحبة السيئة ومجالسة الصغار للكبار وبالتالي تقمص عاداتهم في سلوكياتهم.
أما ظاهرة سوء التغذية والوفيات النفاسية للحوامل ففسرها بعدم تقدير واحترام مكانة المرأة خصوصا الريفية وبالتالي عدم الاعتناء بتغذيتها خلال فترة الحمل؛ بل حكمت العادات السلبية حكمها في تغذيتها بعد الولادة مما قد يعرض البعض الكثير منهن للوفيات النفاسية والأطفال المبتسرين (ناقصو العمر والوزن).
كما فسر انتشار الأمراض السرطانية بالإفراط في استخدام المبيدات الحشرية وسوء استخدامها وكل ذلك يتم خارج رقابة الدولة وضعف سيطرتها على هذا السم القاتل الذي لا يزال ينهش أجساد اليمنيين.
أستاذ ورئيس قسم البيئة والتنمية المستدامة المساعد بعمادة البيئة وخدمة المجتمع
جامعة ٢١ سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية