رغم مأساوية وفداحة الخطب الذي أصاب الأمة في عاشوراء كربلاء الطف، وكان موضعُها الزمني في هذا الشهر (شهر محرم الحرام).. إلا أن القراءة العميقة وبعيدةَ المدى ترصد في الحادثة الجليلة العديد من المعطيات التي تضفي عليها بُعدا توصيفيا آخر يغاير البعد المأساوي في الشكل وإن كان لا يجافيه في الجوهر والمضمون..
إنه البعد الذي يتيح وصف ما حدث في عاشوراء بالملحمة الفدائية العظمى وبأكثرِ انتصارات الإسلام المحمدي الأصيل باهظة وكُلفةً وثمناً ..
نعم، هنا الانتصار الأغلى والأعلى كُلفةً في التاريخ الإسلامي بل الإنساني عموما.. ولا تحتفظ ذاكرةُ البشرية بانتصارٍ أو حدثٍ تحولي له هذه التكلفةُ العالية لانتصار الدم على السيف في ملحمة النهضةِ الحسينية المباركة في صدر السنة الهجرية الواحدة والستين..
إنه انتصار الإسلام الحق، إسلامِ محمد وأهلِ بيته الأطايب الأعلام.. الإسلامِ النقي الصافي الذي نزل به جبريلُ الأمين على قلب محمد(ص) واستحفظ الله جل وعلا كتابَه المحكم المحفوظ (القرآنَ الكريم).. انتصار هذا الدينِ الحنيف السمح على الإسلام الأموي المنحرف المزوَّر، إسلامِ السلطة المستبدة المستأثِرة الغاشمة..
هذا الانتصار الأغلى في ما استدعاه أو تطلبه من تضحية وعطاء وفداء، هو انتصار الدم المظلوم المُحق على السيف الظلوم الغشوم، والحقِ على الباطل، والخيرِ على الشر، والنورِ على الظلام والإنسانية السوية على التوحش الاستبدادي الفاحش.. في تلك الواقعة الملحمية الخالدة..
نعم هذا الانتصار هو الانتصار الأغلى في تاريخ الإنسانية على الإطلاق، فقد كان ثمنُه ومقابِلُه أزكى الأرواح وأطهرَ الدماء، وفي صدارتها دمُ الحسين! الحسينِ بنِ علي بن أبي طالب (عليهما السلام).. الحسين سبطِ المصطفى الأكرم خاتمِ النبيين محمدٍ(ص)وريحانتِه وفلذةِ كبده، ونجلِ أخيه ووصيه وبابِ مدينة علمه إمامِ المتقين…الحسين ثاني سيِّدَي شباب أهل الجنة..
إذنْ، أليس هذا الانتصار الإسلاميُّ الحسينيُّ العاشورائيُّ الخالد هو الانتصار الأغلى في التاريخ؟!