يتزامن شهر يونيو الجاري مع ما يُعْرَفْ في التقويم الزراعي اليمني “الجَحَرْ” الذي يتكرر فيه سنوياً مشهد ظمأ الأرض والزرع والضرع تحت لسع الشموس الساطعة، وفي هذا الشهر وأسابيع من شهر يوليو، وفصل الشتاء بكامله من كل عام نكرر الحسرة نفسها، على أننا لم نضع نصب أعيننا كيف نستفيد من نعمة الأمطار التي من الله بها علينا في الصيف.
لقد مضى مشهد الصيف، حيث مئات الشلالات، كانت ولا تزال تسحر أنظارنا منذ بداية موسمه ومئات الوديان تجري فيها السيول العذبة على مدار الساعة ونرى الأرض مكتسية بالسندس الأخضر في مشهد يجلب البهجة والسرور ويحرك الألسن بالحمد والثناء لله على هذه النعم العظيمة.
غير أن الإشكال في هذا المشهد، وفي مشاهد المواسم المطيرة السنوية، تتمثل في تعاطينا مع هذه النعمة، وعدم إدراكنا قدرها وقيمتها إلا حينما نعاني من جدب الأرض وقحط الفصول، إي عدة أشهر في كل عام، وتزداد المعاناة حينما تجف مياه الغيول واكتمال مياه الحصاد من السقايات والبرك الخاصة.
وما يؤسف له هو أننا لم نلمس الاهتمام الكافي من جميع الجهات المعنية بالموجهات المتكررة في أكثر من مناسبة لقائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي وكذلك توجيهات ودعم فخامة الرئيس مهدي المشاط المتعلقة، بترجمة تلك الموجهات إلى واقع عملي.
إن موجهات ودعم القيادة الثورية والسياسية تنطلق من حقائق تاريخية تفيد بأن حضارات اليمن المتعاقبة عبر مناطق الزمن الغابرة قام بنيانها على الزراعة التي لم يكتف اليمنيون في نشاطهم الزراعي بالاعتماد على الأمطار الموسمية، فحسب بل خطوا على الأرض سدود عظيمة عرفها التاريخ في ربوع اليمن.
كما أن موجهات ودعم قيادتنا الثورية والسياسية تنطلق من إدراكها أن التقديرات تشير إلى أن حوالي 54 مليار متر مكعب من مياه الأمطار تذهب دون الاستفادة منها من حجم وكمية الأمطار السنوية المقدرة بحوالي 68 إلى 94 مليار متر مكعب.
ومع ذلك، فإن حجم الاستخدام السنوي للمياه تقدر بحوالي 5 مليارات متر مكعب نصيب الاستخدامات العامة والشرب منها 14 ٪ ونصيب الزراعة 84 ٪ بينما استخدام الصناعة 2 ٪ وهذه أرقام متدنية جداً مقابل الكميات المهولة من مياه الأمطار المهدرة إلى البحر أو إلى الصحراء.
إن الواجب على الدولة والمجتمع بذل كل الجهود الكفيلة بإعطاء هذه النعمة المهدرة (وهي حاجتنا الماسة) حقها المفترض من الحمد والشكر وطلب ديمومتها عملياً وليس بالفلسفة النظرية التي لا تحل المشكلة.
إن الخطوات التي تسير عليها كل من اللجنة الزراعية العليا ووزارة الزراعة والري ووزارة المياه ومؤسسة بنيان التنموية خلال السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة تعتبر مشجعة ومحل تقدير، رغم الظروف التي فرضها ولا يزال يفرضها علينا العدوان الظالم وحصاره الجائر، ولكنها (تلك الجهود) ليست كافية..
وفي المقابل علينا الاعتراف بأن البنية التحتية لمشاريع مياه الزراعة ومياه الاستهلاك لا تغطي إلا نسبة ضئيلة من احتياجنا للمياه.
إن حجم تخزين السدود والحواجز والخزانات والكرف لا يصل إلى (600) مليون متر مكعب بما فيها سد مارب وبقية السدود والحواجز، لذلك نوصي الحكومة ممثلة باللجنة الزراعية العليا ووزارة الزراعة ووزارة المياه والهيئات التابعة لهما ومؤسسة بنيان التنموية والصندوق الاجتماعي للتنمية وصندوق الأشغال العامة، بتوحيد الرؤى والجهود لوضع خطة استراتيجية شاملة والمضي في تنفيذها مهما كانت التحديات.
كما نوصي الهيئة العامة للزكاة والهيئة العامة للأوقاف بأن تساهم بشكل فاعل ومؤثر في دعم المشاريع المتعلقة بهذا الجانب كونهما (الهيئتين) معنيتين ومرتبطتين بهذا الجانب لتنمية إيراداتهما الزكوية والوقفية وأيضاً سيكون لها أثر في دعم أبناء المجتمع الفقير لاستصلاح الأراضي الزراعية بعد توفير مصادر مياه الري..
وعلى اليمنيين جميعاً أن يدركوا أنهم متى ما اتجهوا للاستفادة من مياه الأمطار فإنهم سيملكون قرارهم وتُصان كرامتهم المرتبطة بالأمن الغذائي (من امتلك غذاءه امتلك قراره)
عضو مجلس الشورى