30 نوفَمبر وثَقافة الارتهان والمُستقبل المجهُول ..

مطهر يحيى شرف الدين

ونحن نحتفل بذكرى جلاء آخر جنديٍ بريطاني من جنوب اليمن، تقف أمام كل يمني حرٍ غيور على أرضه وعرضه علامات تعجب واستفهام كثيرة حين، نرى من أبناء المحافظات الجنوبية من يعبثون بالقرار الوطني وتسليمه طواعيةً للأجنبي المحتل يعبث كيفما شاء، وكذلك ما يقومون به من تفريط في السيادة وعدم إدراك ووعي ما يرتب له المحتل بشكلٍ دقيق ومنظم ،وما يسعى إليه من نهبٍ للثروة وانتهاك للسيادة وتدنيس للأرض اليمنية وتدخل مباشر وسافر في الشؤون الداخلية للمحافظات الجنوبية في مساعٍ حثيثة تهدد الأمن القومي العربي ككل.
أسئلة تطرح نفسها أمام عملاء ومرتزقة تحالف العدوان وأدواته الرخيصة التي تطمئن كثيراً حين ترى نفسها في عمق أحضان التحالف، والتي تسعى إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء بجلبها للمستعمر القديم وتفريطها للسيادة وغيابٍ للمسؤولية الدينية والوطنية والتاريخية تجاه أوطانهم وأجيالهم في انتهاجٍ وترسيخٍ لثقافة العمالة والارتهان ، ونتيجةَ لذلك ظهرت المتناقضات المتعددة والمكونات السياسية متباينة التوجهات والرؤى والفصائل المسلحة المتمسكة بالولاء للأجنبي الطامع الساعي لاستعادة مجده وأحلامه في الهيمنة والنفوذ في المنطقة مستغلاً سذاجة ومصالح أدواته الشخصية وجفاف الوعي وعدم استشعار أدنى المسؤوليات الدينية والوطنية لديهم ، الأمر الذي يضع الأجيال الناشئة لديهم أمام ممارسات و ثقافات تسودها العمالة والتبعية للأجنبي، واللهث وراء الماديات على حساب القيم والمبادئ وعلى حساب عزتهم وكرامتهم في اغتيال واضح ووقح لكل معاني الغيرة والحمية على الأرض والعرض والوطن.
وإزاء الحدث العظيم ذكرى جلاء الغزاة الطامعين بأي لغةٍ سيتحدث مرتزقة وعملاء تحالف العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن عن هذه الذكرى، وكيف سيحيونها وبأي منطقٍ وبأي نوعٍ من الاحتفاء سيحتفون، وكيف سيقيّمون الواقع الذي هم فيه وما يحيط به من أحداث وأشخاص وتهديدات ومخاطر هي نفسها أحداث ووقائع الأمس وما حملته في تفاصيلها من مآسٍ وآلامٍ وآمالٍ وكفاح ومقاومة ضد المحتل ، كيف لهم إحياء الذكرى وهم في حالة إعادة إنتاج النظام القمعي المستكبر القائم على أجندات واستراتيجيات تسعى إلى سلخ أبناء المجتمع في المناطق الجنوبية مما تبقى لهم من هويةٍ إيمانيةٍ وطنية جامعة، والعمل على تغذية النعرات المناطقية والصراعات الفئوية المسلحة.
إن ما يبعث على الأسى والحسرة إزاء ذكرى جلاء المستعمر البريطاني البغيض ،هو أن تسود السطحية، ويترسخ الجمود، وتهيمن الماديات على أمزجة وعقول القيادات الجنوبية التي تقود الوضع في الجنوب وتسير بأبنائه نحو المجهول والضياع في غيابٍ تام للوعي و للرؤية والبصيرة تجاه واقعٍ مُشاهد وملموس وتجربة أثبتت عدوانية ولؤم ونفسية التحالف الخبيثة، بتكشيره الأنياب وإشهار سيفه المسلط على رقاب عملائه الذين يساقون كالقطيع، لا رأي لهم ولا قرار ولا موقف ، السؤال الذي يفرض نفسه أمام العبث الحاصل في جنوب الوطن وسيادته وأمام المصير المجهول لمستقبل أجيالهم ، إلى متى سيظل ارتهان المرتزقة في المحافظات الجنوبية لسياسات أسيادهم الطامعين الغزاة؟، وإلى متى ستبقى عبوديتهم للمال الخليجي المدنس؟، وهل هم راضون عن الوضع الذي تسوده الفرقة و الشتات والتناقضات؟، وكيف سيبنون دولة وينشئون نظاماً مستقلاً ذا سيادة في ظل وصايةٍ خارجية تسلب القرار وتنتهك السيادة وتنهب الثروة؟ .

قد يعجبك ايضا