تسعى الأمم المتحدة والولايات المتحدة للمراوغة بشكل مستمر في استحقاق صرف المرتبات ، فالطرف اليمني يطرح قضية صرف المرتبات كاستحقاق مهم في استمرار وتجديد الهدنة بينما يراوغ الطرف الآخر في قضية صرف المرتبات بشكل واضح وعنيد والشعب اليمني والموظفون خصوصا يعرفون من المعرقل لصرف المرتبات ويعرفون أن أمريكا والأمم المتحدة والسعودية والإمارات هم المعرقلون لذلك وان هذه الأطراف هي عدو الشعب اليمني وتعمل على إضعافه وتدميره منذ بداية العدوان.
وتواصلُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية التمسُّكَ بأُسلُـوب المراوغة في التعاطي مع الهُــدنة، مع انكشاف دورها المباشر والقيادي في الحصار الإجرامي المفروض على البلد، حَيثُ لا زالت تحاول استخدام الاستحقاقات الإنسانية المشروعة كأوراق ضغط وابتزاز، الأمر الذي يقلل احتمالات نجاح الهُــدنة والوصول إلى حَـلٍّ حقيقي.
ونقلت وسائل إعلام سعوديّة تصريحات جديدة للمبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، عكست استمرار رغبة الولايات المتحدة في إطالة أمد العدوان والحصار، والالتفاف على متطلبات السلام الفعلي، حَيثُ تحدث المبعوث عن “الدخول في مفاوضات سياسية” متجاهلاً موقف صنعاء الذي يقضي بأن معالجة الملف الإنساني بشكلٍ كامل تأتي قبل مناقشة “السلام” الفعلي الذي يتضمن بدوره وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال بشكلٍ كامل.الثورة / محمد دماج
هذه المحاولة للقفز على المتطلبات الإنسانية للمرحلة، والتي تتكرّر دائماً في التصريحات الأمريكية والأممية بشأن الهُــدنة، تؤكّـد بوضوح أن المسألة لا زالت بالنسبة لهم مسألة كسب وقت واستغلال “دعائي” وخُصُوصاً بالنسبة لإدارة بايدن التي تعاطت مع مِلف اليمن منذ البداية كدعايةٍ انتخابية.
مغالطات واضحة
المبعوث الأمريكي حاول أَيْـضاً في تصريحاته الأخيرة تقديم بلاده كـ“وسيط” لتمديد الهُــدنة، وهي مغالطة واضحة ومكرّرة، تشير إلى عدم وجود تغير حقيقي في الموقف الأمريكي، حتى مع الحديث عن ضرورة صرف المرتبات وتوسيع الرحلات الجوية وإدخَال المزيد من الوقود، إذ بات واضحًا أن الولايات المتحدة هي من تمسك بهذه الملفات وتستخدمها كأوراق ضغط ومساومة للحصول على مكاسبَ عسكرية وسياسية، وقد مثلت التصريحات الأمريكية حول إدخَال سفن الوقود بعد احتجازها دليلاً واضحًا على أن واشنطن تدير عملية الحصار وتحاول استثمار الاستحقاقات المشروعة لليمنيين سياسيًّا ودعائياً.
إلى جانب ذلك، أكّـد المبعوث الأمريكي في تصريحاته الجديدة على استمرار مساعي استخدام مِلف “تعز” للمزايدة والدعاية والضغط على صنعاء، حَيثُ حاول “ليندركينغ” إعادة تسويق شائعات الهجوم على تعز، ورفع شعار “الحصار” المضلل، الأمر الذي يترجم إصراراً أمريكياً على رفض فتح الطرق والمعابر في المحافظة وفقاً لاتّفاق الهُــدنة، وهو ما كان سلوك وفد المرتزِقة في مفاوضات عمان قد ترجمه بوضوح، حَيثُ رفض الوفد المشاركة في الجولة الأخيرة من اللقاءات.
وبالرغم من أن تصريحاتِ المبعوث الأمريكي تكشفُ عن انعدام رغبة واشنطن في التوجّـه نحو حلول حقيقية تفضي إلى سلام فعلي، فَـإنَّها تكشف أَيْـضاً عن تخبطٍ كبير لدى الولايات المتحدة، حَيثُ تترجم التصريحات حرصاً أمريكياً على عدم تعريض السعوديّة للضربات مجدّدًا خوفاً على إمدَادات الطاقة، وهو ما يمثل “مأزقاً” تحاول أمريكا إيجاد طريق للخروج منه بدون تنفيذ متطلبات التهدئة والسلام أَو من خلال تجزئة هذه المتطلبات وتحويلها إلى أوراق للمساومة.
لكن صنعاء قد أغلقت هذا الطريق مسبقًا برسائلها العسكرية والسياسية القوية التي وجّهتها على مدى الفترة الماضية والتي أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستحقاقات الإنسانية وعلى رأسها رواتب الموظفين وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، لن تخضع لأي مقايضات، وأن البديلَ عن التزام تحالف العدوان بهذه الاستحقاقات هو العودة إلى التصعيد لكن بمعطياتٍ أكبر وبوتيرة أعلى.
إجمالاً، وبغض النظر عن النوايا التي تكشفها تصريحاتُ المبعوث الأمريكي، فَـإنَّ “النزولَ عن الشجرة” بات واضحًا في خطابِ تحالف العدوان وإدارته الدولية، وهو ما يعني أن معادلاتِ صنعاء على الطاولة وفي الميدان باتت واقعاً جديدًا لم يعد بالإمْكَان تجاوزه، ومع مرور الوقت فَـإنَّ كُـلّ ما يفعله تحالف العدوان ورعاته هو “الاضطرار” للتعاطي أكثر مع هذه المعادلات.
تناقض مفضوح
وكان المبعوث الأمريكي إلى اليمن “تيم ليندر كينغ” قد صرح قبل أيام قليلة، هدد فيه وضع اليمن تحت العزل الدولي المشدد حد تعبيره كخيار لمنعه من تحرير أرضه في مارب وتحت مبرر رفض قيادتنا للانخراط في عملية السلام المؤدلجة وفقا لرؤية النظام الأمريكي الاستكبارية والتي تعد في حقيقتها استسلام كامل بلا شرط أو قيد تحت الضغط باستحقاقات الشعب الإنسانية ووفقا لسياسة الكيل بمكيالين وقلب الأدوار بين الضحية والجلاد التي اعتاد النظام الأمريكي العمل بها كما أن الحالة التي وصل إليها كينغ تعكس براعة وحنكة وفدنا المفاوض في التفوق الدبلوماسي على خصومهم وما وصول “كينغ” إلى هذه الحالة إلا أبرز دليل.
وأتى هذا الموقف الأمريكي بعد ثلاثة أيام من خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي- يحفظه الله ويرعاه – بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة والذي أaكد فيه جهوزية الشعب اليمني للمضي في طريق السلام العادل وأن طريق السلام الحقيقي معبد وواسع ومتاح أمام الجميع، مشيرا إلى أن أولى خطواته هو وقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الغازية من الأرض اليمنية وأن النظام الأمريكي إذا كان جادا في سعيه لإحلال السلام في اليمن فعليه أن يثبت حسن نيته بالوقف الشامل للعدوان وبرفع الحصار كونه الجهة الوحيدة التي بيدها تحقيق ذلك، وأن أي دعوة للسلام قبل وقف العدوان ورفع الحصار وخروج قوات الغزاة ليست دعوة للسلام بل دعوة للاستسلام وهذا ما لا يمكن أن يحدث، وتساءل -يحفظه الله ويرعاه – عن تناقض النظام الأمريكي في دعوته للسلام مع إصراره على استمرار العدوان والحصار، كما أكدا أيضا أن الشعب اليمني على أتم الجهوزية للمشاركة في صد أي اعتداء جديد على القدس وغزة ضمن محور المقاومة ، وهو ما أثار المخاوف الأمريكية على ذراعه الوحشية بالمنطقة والمتمثلة بإسرائيل.
الموقف الأمريكي هذا الغريب والمتناقض يؤكد أن ما أعلنه الرئيس بايدن بخصوص الحرب في اليمن مجرد فقاقيع إعلامية لا أكثر ، فما جرى ويجري في الواقع منذ أن تولى بايدن زمام الأمور كل أحداثها وشواهدها تؤكد حدة التصعيد الأمريكي وأن العكس من تصريحاته هو ما يحدث على الصعيدين العسكري والسياسي ،الأمر الذي ضاعف من آثار الكارثة الإنسانية بحق الشعب اليمني وزاد من حجم مأساته اكثر مما كانت عليه قبل استلام بايدن للسلطة، وأكد أيضا أن النظام الأمريكي رغم يقينه بفشل العدوان ورغم تفاقم يأسه من إحراز أي تقدم إلا أنه لا يزال يمارس المراوغة بكل أشكالها من أجل استمرار العدوان والحصار.