ينتسب حنش الصنعاني إلى مدينة صنعاء، و كان من خيرة التابعين، شجاعا جريئا ، يدور مع الحق حيث دار، ولم يكن يخشى في الله لومة لائم، وهو فقيه وقائد عسكري ومهندس معماري . انحاز إلى الإمام علي بن أبي طالب أثناء الفتنة الكبرى، ونزل الكوفة وشارك في قتال الخوارج.
وبعد استشهاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه على سنة 40هـ جاء إلى مصر، وشارك في فتح شمال أفريقيا مع رويفع بن ثابت سنة 47 هـ، وشارك في فتح جزيرة جربة في تونس، ثم كان مع معاوية بن حديج سنة 50هـ.
ساعد عبد الله بن الزبير في ثورته، وفي ذروة الحرب بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، على الخلافة، لم يتردد حنش في مبايعة ابن الزبير، فولاه ابن الزبير على صنعاء، ولكن ولايته عليها لم تطل..
كان فقيها كثير العلم، ولذلك أرسله الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى أفريقية مع تسعة من تابعي الفقهاء الآخرين من أجل نشر الإسلام وتفقيه أهلها من المسلمين، وتعليمهم دينهم.
ويرجع الفضل الأكبر لغزارة علم حنش أنه قد تتلمذ على يد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأس من تتلمذ على يدهم، عبدالله بن مسعود، عبدالله بن الزبير.
انضم إلى جيش عقبة بن نافع، وبعد تغلب كسيلة على أفريقية، قاد حنش الصنعاني، قوات المسلمين للعودة سالمين إلى المشرق سنة 64 هجرية.
ثم دخل الصنعاني أفريقية للمرة الثانية، فسكن القيروان، وعمل داعية إلى الله ومعلما” ومربيا”، واختط بها دارا و”مسجدا” في حي باب الريح ، وهو أول من ولي عشور أفريقية، ثم شارك في فتح الأندلس، مع موسى بن نصير سنة 93 هجرية.
اشتهر حنش الصنعاني بتخطيط المساجد وتحديد قبلتها ووضع محاريبها، في حواضر شمال أفريقيا والمغرب والأندلس ، وقد كانت عملية تحديد قبلة المساجد في ذلك العصر عملية صعبة ومعقدة ، لكن موهبة الصنعاني جعلته خبيرا في هندسة المساجد وتحديد قبلتها بشكل دقيق .
مسجد قرطبة الكبير :
من أهم المساجد التي هندسها حنش بن عبدالله الصنعاني مسجد قرطبة الجامع ، أو مسجد قرطبة الكبير، ويعتبر من روائع الهندسة الإسلامية الأندلسية.. أسس الجامع عام 94هجرية. ثم أمر عبد الرحمن الداخل بتوسعته ليكون مسجد قرطبة الجامع عام 168هجرية 784م على مساحة 4875 متراً مربعاً ، وبعد التوسعات المختلفة طوال 275 عاماً أصبحت مساحة المسجد 22500 متر مربع.
السقف الضخم لمسجد قرطبة يحمله عدد 800 عمود ضخم تحمل الأقواس التي يقوم عليها السقف.
المسجد هو أكبر مساجد قرطبة البالغ عددها آنذاك 1000 مسجد ، وأثناء عهد الدولة الإسلامية في الأندلس كان مسجد قرطبة يعد ثاني أكبر مسجد في العالم.
بعد نكبة سقوط مدينة قرطبة في قبضة القوات القشتالية عام 1236م أمر فرناندو الثالث بتحويل المسجد إلى كنيسة فتم منع الأذان فيه ومُنع المسلمون من دخوله. وتحول صحن الجامع إلى مزرعة للبرتقال .
وفي شهر فبراير سنة 2014م استغلت أسقفية قرطبة وجود قانون يسمح بتسجيل ملكية المباني الدينية برسوم رمزية، فسجلت المبنى لصالحها بـما يعادل 30 يورو !!
بموجب ذلك التسجيل أُقصيت الهوية الإسلامية للمبنى التاريخي، ومنعت الصلاة فيه لغير المسيحيين، وحُذفت كلمة مسجد من على لافتة مدخله، كما حذفت كلمة مسجد من المنشورات التي تقدم للسياح، بعدما كان يسمى مسجد/ كاتدرائية قرطبة.
وصرح وزير السياحة في حكومة إقليم قرطبة رفائيل رودريجز بأن “محاولة طمس هوية المسجد أمر غير معقول، وهو أشبه بمحاولة تسمية قصر الحمراء قصر تشارلز الخامس”
وبداخل هذا المسجد أسست مدرسة قرطبة وهي نواة جامعة قرطبة ، التي تعد واحدة من أوائل الجامعات في أوروبا ، والتي أنجبت المئات من العلماء المسلمين في الأندلس، وكانت مقصدا لطلاب العلم من كل أوروبا.
مسجد سرقسطة « الجامع الأبيض :
مدينة سرقسطة هي حاضرة الثغر الأندلسي الأعلى، وفيها بنى حنش الصنعاني المسجد الكبير ونصب محرابه وهو ما يعرف بـ «الجامع الأبيض» أعاد الأمير محمد تجديد بنائه وتوسيعه على تأسيسه الأول .
وظل هذا المسجد قرونا متوالية،منارا للإسلام وأهله،في تلك النواحي،حتى سقوط علم دولة الإسلام عنها .
وكان حنش الصنعاني ،قد أشرف قبل ذلك على بناء وتحديد قبلة عدد من المساجد في أفريقية ، ومنها مسجد في القيروان بتونس ، وهو لا يزال موجودا،ويحمل أسمه، حتى اليوم .
توفي حنش بن عبد الله الصنعاني عام 100 للهجرة عن 90 عاما في مدينة سرقسطة في أقصى شمال شرق الأندلس، ومثواه مازال معروفا” في مدافن باب القبلة هناك، رحمه الله وغفر له وتقبل منه جهاده وعمله الصالح.
هامش :
*في كتابه « التاريخ الأندلسي.. من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة» أطلق الدكتور عبدالرحمن علي الحجي ، على الصنعاني لقب مهندس الجوامع في الغرب الإسلامي .
قد يعجبك ايضا