اندلعت ثورات الربيع العربي لتحرك آمال الشعوب العربية في الانعتاق من التبعية لقوى الغرب المتسلط، ولعلها تستعيد أمجادها بطرد الاحتلال الصهيوني لأرضنا الحبيبة فلسطين، حتى تتمكن من قيادة نفسها بنفسها للوصول إلى ما تستحقه من الاستقرار والنماء ورفاه العيش الكريم، وفق ما توفره مقدراتها البشرية والمادية والمعنوية، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي للوطن العربي، الذي يُعد الأول من حيث الأهمية عالمياً، حيث يقع في قلب العالم، ويتحكم بطرق التجارة العالمية، ونقطة التقاء العالم القديم (مهبط الرسالات ومركز الثروات) .
ومع اندلاع شرارات الثورات العربية سارعت مطابخ مخابرات الغرب، بقيادة أمريكا ودولة الكيان الصهيوني، بإعداد خطط للسيطرة على هذه الثورات بحيث تنعدم فائدتها للشعوب العربية، بل وكي تجعل منها خادمة لمخططاتها الاستعمارية، ومدخلاً لتنفيذ أجندتها المسبقة للسيطرة على العالم العربي، وإحباط الشعوب العربية نهائياً من التعلق بأبسط بصيص يمكن من خلاله أن ترى آمالها، أو تحقق ولو جزءاً بسيطاً من تطلعاتها المشروعة بالحرية والتقدم والرفاه.
وفي كل بلد عربي، خرجت حركات وأحزاب تنادي بمواصلة مشوار الكفاح والثورة، ولكن قوبلت بالقمع والتهميش، وضاعت الآمال العريضة بمكونات حكومات جديدة فرضت نفسها بالقوة، تحت ذريعة مشاركتها في الثورة، وسرعان ما تنكرت لكل شعاراتها ومبادئها الآنية التي رفعتها إبان الثورة، لتتسلق على أكتاف الشباب، وتقدم أوطاننا وثرواتنا لمن قامت ثوراتنا على أساس الانعتاق منها ومن هيمنتها، تعبيراً منها عن رد الجميل، لأن هذه القوى كانت أساساً وراء وصول هذه الأحزاب إلى مقاليد السلطة.
في اليمن اختلف الوضع، فالحركة التي قُدر لها مواصلة مشوار الكفاح لم تكن طرية لتُكسر، فحركة الأنصار خرجت للوجود بثورة ثقافية حقيقية، سبقت الفعل الثوري العربي بتسع سنوات نضجت فيها ووصلت إلى مرحلة اللاعودة، وهي ثورة الثقافة القرآنية التي قادها الشهيد القائد حسين الحوثي، رضوان الله عليه، وهي لا تقل أهمية عن الثورة الثقافية الصينية بقيادة (ماو تسي)، بل تفضلها بقيمها السماوية واستنادها إلى القرآن الكريم، الذي يحمل أرقى مبادئ وقوانين وأنظمة السماء، لتسيير الحياة البشرية بأفضل الطرق إلى أسمى الغايات.. هذه المبادئ التي انعكست بدورها على أخلاق وتعامل عشاق هذه الحركة (ولا أقول تابعيها لأن من ينطوي فيها ويعرفها يعشقها بحق )، الأخلاق التي كانت السبب في أن انتصرت حركة أنصار الله، وفوتت على قوى الهيمنة العالمية فرصة إيقاع الثورة اليمنية في أشراكها، ولهذا لم تسكت أمريكا وبريطانيا وحلفاؤهم، ولا إسرائيل التي كانت أول من أعرب عن قلقه لنجاح ثورة الأنصار، وعلى لسان رئيس وزرائها آنذاك “نتن ياهو” .. وكانت “إسرائيل” هي من جلبت كل هذا العدوان على اليمن وشعبه طيلة سبع سنوات إلى الآن.
إن خروج اليمن عن سيطرة القوى العالمية يعني تقويض كل أحلام الصهيونية، والتي عملت من أجل تحقيقها منذ قرون طويلة بعقول ماسونية، لتحققها على أرض الواقع الدولة اليهودية المسماة إسرائيل. لقد كادت إسرائيل بالفعل أن تتم سيطرتها على الجزيرة العربية ككل بوصول خدامها إلى السلطة في اليمن، ولكن ثورة الأنصار عام أربعة عشر قوضت ما بنته وأعادتها إلى البداية، وهي مرحلة فرض النفوذ بالقوة العسكرية، وهو ما لن تناله أيضاً بهذا الأسلوب، فطوال سبع سنين لم تجن دول العدوان شيئاً، رغم كل ما دمرت وقتلت من أبناء الشعب اليمني.
ها هي اليوم دول الأنظمة العميلة المنفذة والممولة للعدوان وعلى رأسها السعودية والإمارات تُضرب بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية، والمجتمع الدولي تقوم قيامته عند أي ضربة لمعسكراتهم ومطاراتهم التي تقلع منها الطائرات التي تقصف اليمن، وبالمقابل لا تحرك ساكناً أمام المجازر الوحشية التي ترتكبها طائرات السعودية والإمارات وكافة دول العدوان بحق المدنيين اليمنيين. هل يظن أولئك أن (هنجمتهم) الدولية ستثني الشعب اليمني عن الانتقام لقتلاه وجرحاه المدنيين، أو عن الرد بالمثل إن تطور الأمر؟!! لقد تعلم الشعب اليمني من عدوانهم أن القوة لا توقف إلا بالقوة، ومادام المجتمع الدولي لا ينصت إلى أنين الضحايا كما ينصت إلى رنين الدراهم، فليولول ما شاء، فلن يَخمُدَ غضبُ الشعب اليمني حتى يرى رعاة الإبل عادوا إلى خيامهم، وتركوا أمر قيادة الدول العربية لمن هم أهل لها، لا الراكعين على أعتاب أعداء الأمة العربية. وغداً ستبكي إسرائيل أعظم مما تتباكى اليوم.
غداً ما يخيفهم سينمو ويتعاظم، ولن تقف الحرب عند حد، حتى يصحو الضمير العربي والعالمي، حينما يتفلتون من خدر التأثر بدعاة الظلام وسماسرة الحروب، أما الرؤوس المخمورة فلن تصحو إلا بالصفعات المتتالية، والركلات على مؤخراتها المتخمة بصمت الشعوب.
نرى الآن كيف تتحرك دولة الكيان بعد الضربات الأخيرة في عمليات (إعصار اليمن) الثلاث، وآخرها التي شهدها رئيس دولة الكيان بنفسه، إبان زيارته للإمارات، كدليل واضح على قلق الصهاينة من تعاظم القوة العسكرية اليمنية، وقد ذاق طعم الرعب بنفسه حسب اعتراف الصحافة العبرية نفسها.
لن يقف اليمن عند حد، وليرجعوا هم إلى ما يؤمنون به، وليقرأوا الرباعية أربعة وخمسين في القرن الرابع من كتاب قرون لٍ (نوستر آداموس)، التي تنص على:
في البلد السعيد من الجزيرة العربية ..
يولد رجل ضليع بقوانين (محمد) ..
يدخل البحر الليغوري..
ويضرب المدينة الجديدة بالنار والنور ..
Prev Post
Next Post