بدأت الرحلة صباح يوم الخميس 30ديسمبر 2021م عبر الاتصال برفيق الرحلة الشاعر والكاتب العزيز/ محمد علي عناش حيث استأجرنا باص لينقلنا إلى منطقة قدم حجة إحدى عزل مدينة حجة، وتواصلت بالأستاذ العزيز/ فهد القدمي مدير عام السياحة الذي طلبت منه أن يكون مرشدا لرحلتنا فتفضل بالقبول.
ـ وحيود الصياني تقع في الجهة الشمالية من الحافة الجبلية – لمنطقة قدم والمنظر احدى ضواحي مدينة حجة ـ والمطلة على وادي عين علي.
ـ والحيود هي الجبال والمرتفعات الشاهقة ذات المسالك الوعرة والصعبة.
ـ والصياني هي الفناجين الخاصة بالقهوة.
ـ. التقينا الأستاذ فهد القدمي في قدم، فصعد معنا في الباص إلى محل المنظر الذي يقع إلى الشمال الغربي من عزلة قدم، ومنه توجهنا سيرا على الأقدام غربا للأسفل، ثم اتجهنا شمالا من تحت محل المنظر ببيوته البديعة والرائعة، وعبرنا طريق قديم مرصوف بعناية، أخبرنا مرشدنا انه كان الطريق الأصلي للنزول إلى العين ثم سرنا على حافة الكتلة الصخرية التي يقع تحتها محل المنظر ووجدنا هناك آثار تساقط للأحجار وقطع التين الشوكي بفعل فاعل.. ـ نزلنا للأسفل فبدت واضحة قرية العين، والواح الطاقة الشمسية التابعة لمؤسسة المياه والطريق الأسفلتي ، فاتجهنا شرقا وبدا تحت مسار رحلتنا مكان واسع يصلح استراحة، وذلك لجمال المنظر الذي يطل منه على ما حوله، فأخبرنا مرشدنا بأنه كان موقعاً عسكريا تواجد فيه المصريون في بداية الثورة للحيلولة دون دخول الملكيين منه إلى حجة.
ولهذا أوصي بأن يتم حجز هذا المكان ليكون أحد المتنزهات التي سيستمتع من يزوره بجمال المناظر الخلابة..
اتجهنا شرقا وسلكنا الحافة التي أسفل الكتلة الجبلية، والتي سويت بطريقة مستوية، وكأنه تم نحتها في الصخر بآلات ضخمة يستحيل توفرها في العصور الغابرة.
ـ وعبرنا من تحت الكتلة الصخرية المنفصلة عن الجبل، وتسمى صخرة العصفرة، وسألت دليل رحلتنا عن سبب التسمية فأفاد بأنه لا يصعد إليها إلا العصافير خوفا من سقوطها في أي لحظة.
وحدثنا انه سمع من كبار السن انهم قالوا بأن أهالي القرية التي تقع فوق طريق العين الأسفلتي والتي تقع بمحاذاة الصخرة كانوا يقدمون القرابين والأضاحي للصخرة كل عام حتى لا تسقط عليهم.
مما يشير إلى أن انفصال الصخرة عن الجبل ليس بجديد، وإنما يعود إلى فترة قديمة.
واغلب الظن أن هناك علاقة بين القرابين والأضاحي والصخرة، كمكان مقدس مرتبط بديانة وثنية قديمة.
ولكن هذا لا يعني إهمال الأمر، وغض الطرف عن الخطر الذي يتهدد سكان القرية التي تقع تحت الصخرة دون قرع ناقوس الخطر.
وأدعوا قيادة السلطة المحلية للقيام بواجبها في الحفاظ علي حياة أبناء القرية التي تقع تحت صخرة العصفرة ،وتكليف فريق هندسي متخصص لدراسة الوضع وعمل اللازم.
ـ توجهنا بعد ذلك في طريق وعر حتى وصلنا إلى حيود الصياني الغاية والقصد من رحلتنا.
ـ سمعت عن حيود الصياني عندما كنت صغيرا حكاية ظلت محفورة بذاكرتي مفادها:
أن أهل إحدى القرى بطروا بطرا لم يسبقهم إليه أحد من قبل، وانهم كانوا لا يسمحون للعروسة بالخروج من بيت أهلها إلا ويضعون تحت أقدامها كعكة وشابوري، وعندما تذكرت الحكاية وانا أمام الحيد وسألت الإستاد فهد القدمي عن الشابوري فقال لي هل تعرف ما هو …!
انه الشبر، وهو المسافة بين السبابة والخنصر وهي ذات المسافة بين الكعكة والكعكة فأدركت انه بحكم عمله كمدير للسياحة ودليل لكل من يقومون بزيارة المنطقة قد تكرر عليه السؤال كثيرا وبحث عن التفسير المناسب له. أما الجدات فاخبرننا عندما كنا نسئلهن عن الشابوري انه نوع من الكعك المعجون بالسمن والمطلي بالعسل.
ـ والحكاية تظهر حالة الترف والبذخ والبطر، الذي وصل إليه أهل ترك القرية التي بمجرد وصولهم إلى ذلك المكان، حتى مسخهم الله عز وجل إلى أحجار ليكونوا آية للناس تحذرهم من عواقب البطر والتعالي على نعم الله، وضرورة التعامل مع النعمة بقداسة وإجلال، ولهذا كانت الجدات تحذرنا من الدوس بأقدامنا على فتات الخبز، الأمر الذي كان يجعلنا نحمل كسرة الخبز اذا وجدناها في طريقنا ونقبلها ونضعها بجيوبنا ونضعها في مكان مرتفع لاتصل إليه الأقدام.ـ صعدنا بمحاذاة اللسان الصخري المؤدي إلى الكهف الذي تقول الحكاية أن موكب العروسة استراحوا فيه.
ومررنا على الطريق الصخري الذي يتسع لمتر ونصف، ووجدنا على حافته صخورا كبيرة قد يصل طول الصخرة لحوالي متر وارتفاعها حوالي 60او 70سم، لتكون بمثابة حاجز أو أساس لسور مرتفع تهدم اغلبه ولم يتبق منه إلا أساساته المتينة، وكلما اقتربنا من الكهف حتى نجد أحجارا لمباني تهدمت، وبقي جزء بسيط منها، مما يشير إلى أن المكان كان يستخدم للسكن إلى عهد قريب.
دخلنا الكهف ووجدنا كتل من الكلس تدلت من جدرانه وأعلاه بأشكال مختلفة مما يعني إننا أمام ظاهرة طبيعية تشكلت بسبب تشبع المنطقة بالمياه. في فترة موغلة في القدم، وبسبب تسرب المياه إلى الكهف تشكلت هذه التكلسات، التي تم العبث بالأشكال التي أبدعتها.
ـ وتساءلت عن المصدر الهائل للمياه الذي افضى إلى كل هذه التكلسات التي وجدناها بحواف الجبل بامتداد واسع من أسفل الكتلة الجبلية بمحل المنظر حتى الحيود التي تقع تحت الريدة في قدم بمسافة تتجاوز ألف متر. فافترضت أنها ربما تشكلت بحيرة مائية قبل الأف السنين في الربوة التي تعلو الحيود ولكن عندما صعدت للأعلى وشاهدت الربوة وجدت أن مساحتها لا تكفي لإنتاج كل هذا الكم من التكلسات، فأحلت تساؤلي للصديق العزيز الدكتور حسن سقيل المتخصص في التاريخ الطبيعي وعلم النبات الذي أفاد بأنها شُعَب مرجانية تشكلت عندما كان الماء يطمر المنطقة، وعزز من هذا الافتراض الألسنة الصخرية التي كنا نمر عليها والتي لا يمكن قصها إلا بالات جبارة، يستحيل توفرها في تلك الحقب، مما يعزز أنها بفعل الأمواج التي كانت ترتطم بالجبال عندما كانت مياه البحر تغمر المنطقة. وكلها افتراضات بحاجة إلى دراسة وبحث علمي عبر فرق علمية متخصصة مزودة بكافة الأجهزة والمعدات التي تساعدها في كشف تاريخ المنطقة والأطوار التي مرت بها.
ـ عندما سألنا عن القرية التي بطر سكانها إلى حد أن يتعاملوا مع النعمة بتلك الطريقة التي أوجبت مسخهم.
أجاب مرشدنا بانها تقع في الجهة الشرقية ولم يتبق منها سوى خراب يدل على قوة من سكنوها.
ـ وافترضت أنا أن التماثيل الصخرية التي تحكي الحكاية أن الله مسخ موكب العروسة على هيئتها هي من صنع البشر، خاصة أن الكلس يمكن تشكيله بسهوله، وانه تم نحتها عبر نحاتين محترفين من أبناء المنطقة الذين برعوا في تشكيل الكلس إلى حد كبير، ولكنها تهدمت في عصور لاحقة بعد ظهور الديانات التوحيدية.
ويعزز من هذه الفرضية وجود القرية المهدمة، والتي وصلت من البذخ والغنى إلى حد غير مسبوق، والحكاية التي سمعناها عن القرابين التي كانت تقدم للصخرة المنفصلة، والتي تشير إلى ديانة وثنية اعتنقها أبناء المنطقة وكانت الصخرة أشبه بمكان مقدس تقدم فيه القرابين والأضاحي. أما القرية التي تحت الصخرة فحديثة عهد، ولم تكن موجودة في الحقبة التي ازدهرت فيها المنطقة وازدهرت حرفة صناعة التماثيل والأواني الفخارية التي تكفلت التكلسات الكثيرة الموجودة في الحيود بتوفير المادة الخام لها بكميات كبيرة.
ويعزز ذلك التفسير الذي أورده الدكتور حسن سقيل، عن تسمية تلك الحيود بحيود الصياني والذي قال فيه:
أن الصياني نسبة إلى الصوان والذي يتشكل من مادة الكلس، الذي تصنع منه الأواني الفخارية ومنها الصياني الخاصة بالقهوة.
ـ والمنطقة تحتاج إلى دراسة علمية لكشف الكثير من الأسرار والخفايا التي تكتنفها.
ونحن من خلال هذا التقرير الخاص بالرحلة ندعو الباحثين والمختصين إلى زيارة المنطقة التي لا تبعد عن مدينة حجة بخمسة كيلو مترات.
ـ نختتم بزيارة حيود الصياني روزنامة رحلاتنا لهذا العام، الذي وفقنا الله للقيام بالعديد من الرحلات فيه وأسأل الله أن يسهل لنا الأسباب التي تعييننا على القيام بالعديد من الرحلات في العام الجديد لاستكشاف الكثير من المناطق في محافظة حجة.
ـ شكرا لرفاق الرحلة، والشكر الجزيل لمتابعي صفحة مؤسسة حجة الثقافية التنموية الذي أتمنى أن نكون قد وفقنا من خلال تقرير هذه الرحلة وغيرها من الرحلات أن نجعلهم يشاطروننا بهجة الاكتشاف ومتعة استنطاق الصوامت.
وعام مجيد وكل عام وأنتم بخير